مرمورة، عيون القصب، قلعة قيالة معارك بطولية قهرت المستعمر الفرنسي شهدت قالمة العديد من العمليات الفدائية ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم مواجهات خاضها المجاهدون ببطولة هزمت قوات العدو في أكثر من موقع كجبال دباغ، هوارة، الماونة، عنونة، الناظور وغيرها من الجبال الشاهقات الشامخات. ولعل أهم المعارك الضارية وأبرزها التي خاضها أبناء منطقة ڤالمة وراح ضحيتها العديد منهم، ولا تزال معالمها شاهدة عليها إلى يومنا هذا هي معارك مرمورة، عيون القصب، البسباسة الدحرج، قلعة فيالة، وبئر لعناني. وفي هذا الصدد، ارتأت جريدة "الشعب" التقرب من بعض المجاهدين الذين عايشوا ثورة التحرير الوطني بمنطقة ڤالمة المعروفة بنضالها، وكانوا فاعلين فيها لتقديم شهاداتهم بعدما تم توثيقها من طرف مديرية المجاهدين، حتى نبلغ الرسالة للأجيال الصاعدة ونحفظ ذاكرة الأمة.
المجاهد بوعبيد صالح: السطو على أراضينا وتعذيب أجدادنا لم نقبلها شهادة حية تنقلها الشعب عن المجاهد " بوعبيد صالح " من مواليد 16 أفريل 1937 ببلدية عين احسانية المعروفة باسم بلدية هواري بومدين الان الواقعة غرب ڤالمة، من عائلة متوسطة الحال تابع دروسه في الكتاتيب والمدارس وتخرج منها وعمره لم يتجاوز ال 14 سنة، وفي استرجاع للذاكرة الثورية يتحدث فيها عن قصته اثناء حرب التحرير المجيدة.. تحدث المجاهد بوعديد صالح في شهادته لنا عن الظروف التي دفعت به للالتحاق بالثورة بعيدا، عن كل الانتماءات قائلا: "لم نكن ننتمي لأي نظام سياسي أو حزبي آنذاك ولكننا كنا نتابع أخبار الثورة ونسمع عنها"، مضيفا بأنه لم نكن يدرك معناها لأن الأمور آنذاك كانت تتم في سرية تامة، وحين بلغ ال 19 سنة بدأ رفقة أقرانه يدرك معنى الثورة ويتبع خطواتها إلى أن علمت فرنسا بأنه هناك من ينشط في الثورة. وأبرز في ذات السياق، أن الثورة كانت لها وسائل إخبارية وإعلامية تعلم من خلالها كل صغيرة وكبيرة على حد تعبيره، كما كان هناك أناس مشبوهين في أمرهم اتخذتهم فرنسا إلى صفها من اجل مصالحها فكانت تجمع قائمة الأشخاص، تأخذهم للاستجواب والتعذيب ولكنها لا تعلم أنه مشارك في الثورة. وواصل حديثه عن رغبته وسبب التحاقه بالثورة قائلا: "لقد كان وراء التحاقي بالثورة رغبة جامحة في مشاركة إخواني من المجاهدين لمحاربة الاستعمار الفرنسي، الذي اغتصب أرضنا ونهب أموالنا وعذب أجدادنا وآبائنا على مرأى من أعيننا، هذه الظروف وأخرى ولدت لدينا فكرة الالتحاق بالجبال لإخراجه من أرض أجدادي". وبخصوص العمليات التي كان عليه القيام بها قبيل الالتحاق برفاقه بالجبال قال: "لقد تقرر آنذاك أنه لا يمكننا الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني في الجبال، إلا إذا قمنا بعملية انتحارية ضد الفرنسيين وذلك للتأكد من نوايانا الحسنة اتجاه إخواننا، حسب ما ينص عليه العمل العسكري"، وبالفعل أضاف يقول - كانت لديه فرصة الالتحاق بالمجاهدين، بعدما نفذ عملية انتحارية بعين عمارة، التي أسفرت عن مقتل الجنرال بلوش القبرصي الأصل. وعن الإسهامات التي قام بها بوعديد صالح إلى جانب باقي المجاهدين يقول: "قامت الثورة بعدة مؤتمرات هدفها توجيه الأفراد وغرس فكرة أن فرنسا تعمل جاهدة لأخذ الجزائر من شعبها، وذلك لإيقاظ روح الوطنية في النفوس، ولعل ما قدمه المجاهدون في الجبال أمثال سي عمار بن عودة، سويداني بوجمعة، كان لهم الأثر الايجابي على نفسية الشعب. وقال أيضا أنه رفقة بعض المناضلين بالولاية كانوا يشكلون القوافل التي تذهب إلى تونس وليبيا من أجل جلب السلاح، ويجتمعون بقوافل من القسم الأول والثاني والثالث والرابع، حيث ينعقد الاجتماع ولا يتم إعلام إلا الموثوق فيهم أي "قائد الكتيبة" أما البقية فلا يتم إخبارها وفقا لما يقتضيه العمل المسلح وهو الالتزام بالسرية، وكان هناك "ختلة خليفة" هو المسؤول عن هذه القوافل التي كانت مهمتها جمع الأسلحة من كل مركز، خاصة مركز بوهمدان، وهو القائم على الأكل والشرب لجميع الأفراد. وبالمقابل، تحدث عمي صالح عن الظروف التي تعرضت لها قوافلهم من قبل المستعمر قائلا: "انه لمن الصعب أن نعبر كل الطرق دون مخاوف، أو أن يكشف أمرنا ففي العديد من المرات نتعرض إلى الاعتداء من طرف الجيش الفرنسي الغادر، والذي كان يضع في طريقنا مينا والتي تشتعل بالأضواء ومن خلالها كان يكتشف أمرنا"، بالإضافة إلى وجود أسلاك شائكة مكهربة حوالي "500 فولط"، وقد استشهد واحد منا نتيجة تلك الأسلاك. ومن جهة أخرى تحدث المجاهد عن الاشتباكات في طريق عودته من الحدود التونسية حاملا السلاح حيث يقول: "لقد كان وزير الدفاع الفرنسي "أندريو موريس" على علم أن هناك قوافل من أجل جلب السلاح، فكان هذا الأخير يقوم بنصب كمين من أجل الإطاحة بنا، وذلك من خلال اللجوء إلى وضع العديد من القنابل المتفجرة المحرمة دوليا المتكونة، من الفوسفور الأزرق وغاز الكوكسيك، كما كانت هناك مناطق محرمة لا يوجد بها الشعب فكنا نبقى بها من ثلاثة إلى أربعة أيام في انتظار أن تهدأ الأمور ويصلنا ذلك من خلال القاعدة الشرقية». وأضاف محدثنا أنه بعد طول انتظار قاموا بالتقدم نحو خطي شارل وموريس، حيث كان هو أول المتقدمين رفقة "حسين بورصاص" فوصل إلى السلك والحشائش بطول قامته، حيث بلغ طول هذا السلك حوالي 04 أمتار أهم مواده ديناميت، مواد متفجرة أمريكية وانجليزية وفرنسية، كما به خيط قابل للاشتعال. وواصل سرد شهادته قائلا: "مررنا به بسلام وحين مشينا قليلا كان في طريقنا أنبوب أخر يسمى أنبوب بنقالور، هذا الذي تفجر وأصابتني قطعة من مواده المتفجرة في عيني اليسرى، وكنا آنذاك فيلق بقيادة عطايلية محمد المدعو "الروج"، مضيفا بأنه بالرغم من ذلك فرفاقه في الكفاح لم ييأسوا فقد قاموا بزرع الألغام ضد الدبابات، وقاموا أيضا بإحضار وسائل خاصة للبحث عن الألغام، من أجل فك الطريق، حيث استعملوا أسلحة مضادة للطيران، وفي ذلك اليوم عرفت فرنسا أنها لا يمكنها أن تصل إلى وادي مجردة فهناك مقاومة رسمت ضدها فأوقفت عملية التمشيط. المجاهد بوهزيلة علي... كلف بتوفير الأسلحة والألبسة العسكرية للثورة يعد بوهزيلة علي بن عبد الله أحد مجاهدي منطقة ڤالمة الذين ناضلوا من أجل تحرير الجزائر، ولد في 07 أفريل 1927، التحق بالمدرسة الاكمالية الفرنسية "المبير" - مولود فرعون حاليا - سنة 1935 حتى انتهاء السنة المدرسية 1944 / 1945 فانقطع على مواصلة التعليم بعد عدم توفقه في الحصول على الشهادة الابتدائية الفرنسية، وأصبح يعمل في الفلاحة مع إخوانه حتى آخر سنة 1945. في أوائل سنة 1946 بدأ يعمل في مؤسسة الأشغال العمومية والجسور في ڤالمة وفي أواخر سنة 1946 عين مراقبا على محطات مقاييس المياه لوادي الشارف، ووادي بوهمدان في مجاز عمار بلدية كلوزال آنذاك، وإنها المقاييس التي كانت تؤخذ للتعرف على حجم المياه تمهيدا لبناء سد في الجهة، كما كان موظفا في مؤسسة الري وبناء الجسور بوادي الشارف ووادي بوهمدان بمجاز عمار في محطة الري بلدية كلوزال آنذاك. وبعد تأسيس حزب الشعب خلال سنة 1937 كان عمار بوجريدة يعقد اجتماعات مع الشبان في باب سكيكدة آنذاك ويعلمهم الأناشيد، وهذه الأناشيد أثرت على علي بوهزيلة كثيرا وجعلته يكره الاستعمار ويرغب في تحرير الجزائر. وبواسطة هباش البشير ابن السعيد، اتصل ببخوش الساسي مسؤول ناحية سمندو صحبة صادمي الشريف في مزرعة هباش السعيد الكائنة على وادي الشارف بلدية الكلوزال، حيث كلف خلال شهر مارس بالأخبار والحصول على الألبسة العسكرية، والأسلحة وكل ما يخص الثورة التحريرية. وفي هذا الصدد، أوضح المجاهد بوهزيلة علي أنه خلال شهر جويلية 1955 ضبط له دحمون إبراهيم اتصال، مع خليفة ختلة المدعو خليفة الزناتي مسؤول قسم حمام دباغ ، حيث كلف بتكوين نظام داخل مدينة قالمة من عناصر غير مشبوهة من طرف الأمن الفرنسي، ومن بينهم عدد من المعمرين وبعض موظفين أوروبيين، وعمال جزائريين هذا قبل هجوم الشمال القسنطيني بتاريخ ال 20 أوت 1955. وخلال نوفمبر 1955 القي عليه القبض من طرف الجيش الفرنسي في محطة مقاييس المياه في مجاز عمار، وتم أخذه إلى حمام دباغ بتهمة القيام بعمليات قطع أشجار بساتين المعمرين، وخاصة بستان قاتس بمنطقة مجاز عمار، حيث قضى في السجن شهرا و10 أيام، ثم أطلق سراحه بعد البحث والتحقيق. وأضاف محدثنا أنه خلال شهر ديسمبر اتصل بمصطفى سريدي، الذي عين مسؤولا على مدينة ڤالمة من طرف المجاهد بن مصطفى بن عودة المدعو عمار بن عودة مسؤول الناحية الثالثة للمنطقة الثانية، فحصل الاتفاق بينهم، وشكلت لجنة بقيادة مصطفى سريدي ابن الهاشمي تضم كل من المتحدث، حساني عبد العزيز، بوهزيلة علي بن عبد الله، وحيول عبد الحميد. وواصل حديثه قائلا أنه بعد انضمام قسم ماونة ومدينة ڤالمة، إلى ناحية مصطفى بن عودة في ديسمبر 1955 كلف هذا الأخير بوهزيلة علي للاتصال بينه، وبين مسؤول المنطقة الثانية "الشمال القسنطيني" وبين الجهة الكائنة بقسنطينة المكلفة بالاتصالات مع اللجنة الخماسية بالجزائر العاصمة برئاسة ابراهيم مزهودي، ومعه بوغابة مصطفى وحمروش محمود، حيث استمرت اتصالاته مع العديد من المعمرين الذين كانوا يزودونه بالألبسة والأسلحة العسكرية، والذخيرة الحربية من بينهم فليكس سوفاج ، أندري لاكروا أنري قرفي ، ديماك جوزاف. وفي سنة 1956 التحق المجاهد بوهزيلة بصفوف جيش التحرير الوطني بناحية هوارة، واتصل بالهاشمي هجرس، وفي نوفمبر 1956 أمر بالذهاب إلى تونس والالتحاق بمصطفى بن عودة وهذا بطلب منه، كما عين في أوائل سنة 1957 عضوا في اللجنة المكلفة بالتسليح والتموين إلى شهر أكتوبر1957. وبعد ذلك كلف بالشاحنات بمهمة نقل الأسلحة والذخيرة الحربية، وكذلك تصليح الشاحنات والسيارات التابعة لجيش التحرير الوطني، (سميت هذه المصلحة بمديرية التموين والتسليح للشرق) إلى غاية وقف القتال في مارس 1962. إضافة إلى ذلك فكان محدثنا إطارا ساميا لجيش التحرير في قسم التسليح والتموين في الحدود التونسية. وبعد استرجاع السيادة الوطنية، كلف بوهزيلة بعدة مهام منها مسؤول قسم التسليح والتموين لجيش التحرير الوطني الذي طلب منه اختيار البقاء في الجيش أو العودة إلى الحياة بالمدينة، وكان أن عاد إلى الحياة بالمدينة شهر أوت 1962. وفي أوائل جانفي 1963 عين تقني مختص تابع لوزارة الأشغال العمومية في دائرة ڤالمة حتى آخر سنة 1975، وانتخب عضوا في المجلس الولائي لولاية عنابة، وخلال سنة 1991 انتخب عضوا في المجلس الوطني لجمعية التسليح والتموين العام "المالغ" لغاية 2009.