كتب المجاهد الوردي قتال ردّا على تصريحات علي بوهزيلة، التي وردت في الزيارة الخاصة الني نشرتها ”الخبر”، بقوله: ”هم يمجّدون الاستعمار البغيض، ويشوّهون تاريخنا ومسيرتنا، ونحن نسيء دون قصد إلى ثورتنا المقدّسة التي يمجّدها العالم ونفتح أغوار جراحها، وكأننا نزرع الفتنة لتصفية حسابات أصبحت في حكم التاريخ”. يرى الوردي قتال أن الردّ على علي بوهزيلة جاء إسهاما منه في تنوير الرأي العام وإسداءً لخدمة وواجب قول الحقيقة وإفادة أبناء الجزائر، خاصة منهم أساتذة التاريخ وعامة الشعب أيضا. ويؤكد الوردي أنه رغم تحاشيه، ولمدة 50 سنة، الردّ على الكثير مما وصفه ب«الأراجيف والأكاذيب والتزييف، الذي طال تاريخ الكثير من رجال الثورة”، الذين تشرّف بمعرفتهم والعمل معهم في بداية الثورة، ممن استشهدوا في ساحات القتال، وممن اغتيلوا جورا فطالهم ظلم الأقربين، فإنه يقدّم ردّه وشهادته في الوقت نفسه. يقول الوردي قتال، في معرض حديثه عن دوره في الثورة كمقدّمة لما يورده من حقائق، إنه خريج زوايا نقطة، ثم ملحق جامع الزيتونة فالمعهد الباديسي الذي غادره متخليا عن الدراسة، ليلتحق بصفوف الثورة في بداياتها، طالبا الشهادة من أجل الحرية. وتصحيحا لما جاء في الزيارة الخاصة يقول الوردي إنه لم يسبق له أن عرف أو سمع باسم علي بوهزيلة، خلال الثورة أو بعدها، ناهيك عن ”السماع عن جليل أفعاله وخدماته التي يذكر أنه أسداها للثورة”، معتبرا حديثه عن أحمد بن بلة وعلي محساس، بعد أن غيّبهما القدر، ”في الحقيقة طريقة غير ذكية منه، ليذكره الناس ولو بتهجّمه على الموتى”. محساس لم يتحكّم في مال الثورة والولاية الأولى تم تغييبها وذكّر الوردي، في سياق مختلف، بوهزيلة بأن جيش الأوراس الذي تحدّث عنه بصفة عرضية، كان ”ضحية حيف كبير، منه ومن مخربشين آخرين، لا يدركون أنه الجيش الذي أذاق مرّ الهزائم لجيش الاستعمار الفرنسي وأدخله في إحباط كبير، إذ كرر معه تجربة شبيهة بانكسار ديان بيان فو”. واصفا، في معرض تحديده لنقاط الخلاف مع ما ورد على لسان بوهزيلة، أن على محساس كان في تونس قبل مؤتمر الصومام، وكان يتحكّم في مال الثورة وسلاحها الذي يأتي من الخارج، ب«محض افتراء وتجنٍّ على ذاكرة محساس”، وأضاف ”كان وصول المرحوم إلى تونس، بعد ”لقاء الصومام”، ممثلا للوفد الخارجي (بن بلة، آيت أحمد وخيذر). وكانت مهمته هي تنسيق المواقف بين الوفد الخارجي وقيادة المنطقة الأولى حول ”لقاء الصومام”، وكان يطلب من الجميع الإجابة عن سؤال واحد: هل أنتم مع ما صدر عن لقاء الصومام أم ضده؟ علما أن المنطقة الأولى، يضيف الوردي، ”غُيِبت وأريد لها أن تغيب، ما جعل أغلب قادتها من أشدّ المعارضين لنتائج هذا اللقاء”. وللتاريخ يقول الوردي: ”أذكر أنه كان مزمعا عقد لقاء بين قادة الثورة قبل هذا التاريخ وفي غير هذا المكان، بعد توسيع الاستشارة والتمثيل حتى يكون للقاء الصفة والوظيفة والنتائج. وتلك هي المهمّة التي كلّفني بها الشهيد ”مصطفى بن بولعيد” في اجتماع كيمل، قبل استشهاده (التحضير لعقد مؤتمر لقادة الثورة، في ربيع 1956 بجبال بني صالح)”. من جانب آخر، يشير الوردي إلى أن أحمد محساس لم يكن متمكنا من التسليح ولا يشرف عليه، كما ذكر الضيف بوهزيلة، وتصحيحا للمعلومات، يذكر الوردي أن عملية التسليح والتموين بالمنطقة الأولى كانت تشرف عليها مجموعة من المجاهدين، منهم أحمد معلم الذي ألقي عليه القبض في إحدى المهام وتمّ اقتياده إلى تونس، والشهيد حوحة عثمان الذي استشهد مع رفاقه في قافلة نقل الأسلحة إلى الجزائر. كما أن أول الملتحقين بتونس، بعد لقاء الصومام كمبعوثين لعبّان رمضان، يقول الوردي هم حامد أروابحية وآيت أحسن والدكتور نقاش، وفور دخولهم ألقى عليهم عبد الحي السعيد القبض، وكان الوردي، حينها، بمعية المرحوم ”عمر البوقصي” وراء الإفراج عنهم، فقد كُلّف بهذه المهمة من قِبل عباس لغرور ولزهر شريط، وكان في استقبالهما الباهي الأدغم وقائد الحرس التونسي، المحجوب بن علي، وعبّرا لهما عن تذمّر قادة تونس من سلوك عبد الحي. ويوضّح الوردي أن مهمة عبد الحي كانت حماية ظهر الثورة وإلقاء القبض على كل من تحوم حوله الشكوك، و«كنا قد بعثنا جرحى للعلاج في تونس دون أن نعلمه، فألقى عليهم القبض، وبعد تدخّلنا تمّ الإفراج عن الجرحى، محمود الشريف وعمار عمري ولزهاري دريد، وكذا على الموفدين، حامد اروابحية وآيت أحسن. منطقة الأوراس ضمّت كل أبناء الجزائر بل ومن تونس والمغرب وينفي الوردي، في سياق آخر، ما قاله بوهزيلة من أنه ”وجد في تونس مجموعة ”عباس” ومجموعة ”الوردي”. ما يوضّح أن بوهزيلة غابت عنه الكثير من الحقائق التي تعتبر من صميم الثورة ومقدّساتها، ما يحتّم عليّ التذكير بها”. ويوضّح أن المجاهدين الذين التحقوا بمنطقة ”أوراس- النمامشة” جاءوا من كل ربوع الجزائر (محمد الأصنامي، أحمد الوهراني، امحمد الدزيري، محمود لقبايلي.. إلخ). بل إن جيش المنطقة كان يجمع في صفوفه تونسيين ومغاربة (الصفاقصي، الحاج المروكي.. إلخ)، وحتى أصدقاء للثورة الجزائرية من الشعوب الأخرى كالألمان وغيرهم (علي لالماني، خيم..). الحقيقة الأخرى يقول الوردي: ”إن الذين كانوا يشدّون عضد عباس لغرور ويأتمرون بأمره ويحمونه من كل مكروه، هم من أهلي وعشيرتي من العلاونة والبرارشة وأولاد رشاش، على رأسهم ساعي فرحي والباهي شوشان وحوحة بلعيد وغيرهم من العظماء، ما يعني أن فكرة المجموعات المكوّنة على أساس قبلي (كالتي ظهرت في مناطق أخرى)، وما إلى ذلك مما ذكره الضيف وحاول غيره من الحاقدين إلصاقه برجال الثورة التحريرية بمنطقة أوراس النمامشة، غير وارد من الأساس، وكان آنذاك هدف كل مجاهدي ”أوراس- النمامشة” خدمة الثورة لا غير، يجمعنا هدف واحد ووسيلة واحدة (محاربة المحتل لتحرير الجزائر)”. ويشدّد الوردي على أن تلك كانت الروح السائدة بين رجال الثورة وفي الجبال، مضيفا: ”أعلم أن الكثيرين يجهلون ذلك لأنهم لم يعيشوا تلك الأيام، أيام الصفاء والطهر والتضحية في سبيل الجزائر”. لم يكن هناك خلاف مع عباس لغرور وجيش الأوراس كان متحدا وردّا على ما جاء على لسان بوهزيلة بأن الوردي قتال كان في تناحر مع عباس لغرور على زعامة المنطقة، قال إن هذا تضخيم مبالغ فيه لقضية بسيطة جدا، إذ ليس من سمع كمن رأى وعاش الحدث. مضيفا: ”بصفتي المعني بالموضوع، أقول إنه لم يقع بيننا تناحر ولا خلاف، بل كل ما كان هناك عبارة عن مجرد سوء تفاهم بسيط حول تصرفات مسؤولين اثنين موالين لعباس، كانا مبالغين ومتشددين”. وأوضح الوردي أن أحدهما قام بإعدام الحاج مسعود اليعقوبي، وأعدم الآخر جبار عمر، رغم أن الثورة أقرّت، في اجتماع ”كيمل”، قانونا ينصّ على ألا يتم إعدام أي فرد، مهما كانت تهمته، إلا بعد محاكمة عادلة يكون له فيها حق الدفاع. مضيفا أن عباس تفهّم مطالبه ووعد بتجريد المسؤولين من مسؤولياتهما، وأن يصبحا جنديين في وسط الجيش، لوضع حدّ لتصرفاتهما المسيئة لإدارة الثورة بالمنطقة. أما فيما يخص انقسام جيش الأوراس، ردّ الوردي قائلا إنه بصفته واحدا من قادة هذا الجيش، يفنّد ما ورد على لسان بوهزيلة، ”فقد كان الجيش موحّدا، وكان عباس لغرور مشرفا عاما عليه، بصفته قائدا للإدارة العليا، كما أن عباس لم يكن يطمح لتزعّم الجيش (كما ذكر بوهزيلة)، ببساطة لأنه كان زعيما حقيقيا له ولم ينازعه أحد في ذلك”. أنا لم أفر إلى مصر أبدا وبكثير من السخرية، قال الوردي إن من النكت الواردة في المقال، قول الضيف إن الوردي قتال ”فرّ” إلى مصر، ورغم أن هذا الأمر لا يستحق التعليق أو الردّ، حسبه، إلا أنه يوضّح الأمر كما يلي: ”في لقاء 20-22 سبتمبر (وليس أوت كما ذكر الضيف) في الدندان (وليس على الحدود)، بمعية لزهر الشريط وفرحي ساعي ومناعي العيد وعباس لغرور والزين عباد، أصبت بجروح خطيرة إثر مكيدة دبّرها عبد الكريم هالي، الذي كانت له ميول مصالية، وكان ناقما على قيادة الثورة (الوفد الخارجي)، بعد أن طرده بن بلة من القاهرة، فالتحق بممثل الثورة في تونس، السعيد عبد الحي، وعمل كمساعد له. مضيفا: ”تم نقلي مع مناعي العيد وفرحي ساعي ولزهر شريط، مصابين بجراح متفاوتة إلى مستشفى فرحات حشاد للعلاج، حيث مكثّنا نصف شهر، مع الذكر أن الزين عباد استشهد جراء هذه المكيدة. بعد أيام، يقول الوردي دائما ”بلّغت القيادة التونسية مسؤولي الثورة أن المخابرات الفرنسية تتربّص بنا وتتأهّب لتصفيتنا بالمستشفى. وأمام عجز السلطات التونسية عن تأمين الحماية لنا، تم التفكير في نقلنا إلى أماكن أكثر أمنا، فاقتُرح علينا إكمال العلاج في ”جزيرة جربة” أو ”نابل” أو ”سوسة”، واتفقنا مع مسؤولي الأمن التونسي في النهاية على أن تكون إقامتنا في ”نابل” أو ”سوسة”. ويواصل الوردي سرد التفاصيل قائلا: ”حضرت سيارة في جنح الظلام، على متنها الباهي شوشان وإبرهيم مزهودي والباهي لدغم، واستمرت رحلتنا طيلة الليل لنجد أنفسنا في الصباح على الحدود التونسية الليبية، وسط محتشد للقوات الفرنسية. عبرنا الحدود إلى ليبيا، بفضل تدخّل تونس، عن طريق السيد مصمودي، حيث زوّدنا ببطاقات كمناضلين بالحزب الدستوري، ومكثنا هناك حتى جانفي 1957، ومن هناك كان التحاقي بالقاهرة، بعد إلحاح من ابراهيم مزهودي”. وتساءل الوردي: ”كيف يمكن وصف تلك الأحداث بالفرار، وأنا الجريح الذي أنقل إلى المستشفى ثم إلى إقامة لأكمل فيها العلاج؟ إن هذا الوصف يسيء إلى تاريخي وإيماني ويبخس تاريخ الرجال ومواقفهم”. أنا بريء من دم جبار عمر وطلبت مناظرة لذلك وعرّج الوردي على موضوع مقتل جبار عمر، الذي مازال البعض مصرّا على إلصاق التهمة بشخصه، رغم أنه أثبت أن لا ضلع له في ذلك، وقال الوردي: ”إن الحقيقة هي أن جبار عمر أعدم أحد جنود الحاج عبد اللّه وتوعّده بالتصفية، ما جعل الحاج عبد اللّه يرفع شكوى وتقريرا في الموضوع إلى القيادة في الأوراس”. ويضيف الوردي: ”بعد أن حضر جبار عمر معنا لاجتماع ”كيمل”، الذي ترأّسه مصطفى بن بولعيد بالأوراس، حيث تقرّر إيفاد لجنة لتحضير الظروف الجيدة لإقامة مؤتمر وطني للثورة”، كما ذكر سابقا، مضيفا يشرح الحادثة: ”أمرنا عجول بالمرور على عباس لغرور في جبل أم الكماكم، ولما اقتربنا من منطقة تواجد عباس، فرّ جبار عمر والتحق بسوق أهراس”، مواصلا: ”ولما بلغنا جبل ”أم الكماكم”، سألنا عباس لغرور عن جبار عمر، فقلنا له إنه غادر إلى سوق أهراس، وغضب عباس، وأمرنا بإحضاره حيا أو ميتا، لأن عليه أن يردّ على التقرير الذي يتهمه بقتل جندي من فرقة الحاج عبد اللّه. وطلب مني عبد الوهاب عثماني، يقول الوردي، إحضار جبار عمر، للإجابة أمامهم على التهم الموجهة إليه، فذهبت إليه وسألته عن سبب تجنّبه ملاقاة ”عباس”، فقال إن النعاس قد غلبه، ولما استفاق كان وحيدا ولم يستطع معرفة الطريق إلى مكان تواجد عباس، فآثر العودة إلى سوق أهراس، ثم أبلغه الوردي بأن لا مفر له من النظام وبوجوب الامتثال للنظام، وأن التحقيق معه سيحدّد المسؤوليات فيما ادّعاه الحاج عبد اللّه، وهذا ما كان يظن الوردي فعلا”. ويضيف الوردي: ”بعد قدوم جبار عمر أمرت بتجريده من السلاح للوقوف أمام اللجنة، كما جرت عليه العادة، وحينذاك طلب عبد الوهاب عثماني تسليمه له. رفضت في البداية، ثم تراجعت بعد أن استظهر أمرا كتابيا بذلك، ممضيا من قِبل قيادة الأوراس، فأخذه معه، وما هي إلا فترة قصيرة حتى حضر ”صالح البي” ليخبر الوردي أن جبار عمر قد قُتل”. يقول الوردي: ”غضبت لهذا التصرّف وأبديت سخطي أمام عبد الوهاب عثماني، وأعربت عن عزمي رفع الأمر إلى عباس لغرور. وبالفعل فقد شكوته لعباس وطلبت تجريده من المسؤولية ومحاسبته على ذلك”. ولتبرئة ذمّته يقول الوردي: ”طلبت مناظرة، بيني وبين عبد الوهاب عثماني، في حياته، لتحديد المسؤولية ولم يجبني على ذلك (كان ذلك من خلال رسالة وجهتها إلى الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين بتاريخ 1 نوفمبر 1989)”. وللتأكد من براءتي من دم جبار عمر، يضيف ”أرجو استجواب الشهود الأحياء. وأذكر منهم على سبيل الذكر الحفناوي رمضانية والصادق رزايقية”. ويختم الوردي كلامه بالقول: ”بعد كل هذا العمر، أعتبر أنه من واجبي الدفاع عن ذاكرة الأشاوس من رجال المنطقة الأولى وما أكثرهم، حتى وإن حاول البعض طمسها والتعتيم على أمجادها”. معتبرا الذين قاموا بتصفية عباس لغرور ولزهر شريط والباهي شوشان، وخيرة إطارات الثورة الجزائرية، قدّموا خدمة مجانية لفرنسا، التي كانت تعرض الملايين، حسب وصفه، ”لمن يقدّم معلومات تفضي إلى القضاء على هؤلاء القادة الأفذاذ”. متأسفا كون هؤلاء القادة اغتيلوا بتونس ”على أيدي بني جلدتنا وقدّموا قربانا على طبق من ذهب لجيش الاستعمار الغاشم”. و يتساءل الوردي: ”هل إن الوقت مناسب، بعد مرور ما يزيد عن نصف قرن من استرجاع السيادة والاستقلال، للتراشق أمام أعداء الأمس ومتربّصي اليوم؟ هم يمجّدون الاستعمار البغيض، ويشوّهون تاريخنا ومسيرتنا، ونحن نسيء، دون قصد، إلى ثورتنا المقدّسة التي يمجّدها العالم ونفتح أغوار جراحها، وكأننا نزرع الفتنة لتصفية حسابات أصبحت في حكم التاريخ”.