دفعت فرنسا ثمنا باهظا نظير سياستها في أفريقيا ومنطقة الساحل على وجه الخصوص، كلفها فقدان 9 رعايا منذ 2010. وبدت على استعداد تام لأيّ تكلفة تمكنها من تحقيق أهدافها المعلنة والخفية في منطقة أضحت ملاذا للجماعات الإرهابية وتجار المخدرات، عبر استخدام نفاق لم يعد خفيّا على الرأي العام الدولي. بُنيت السياسة الخارجية الفرنسية بالساحل الإفريقي، على مراعاة الأمن القومي لها ولدول أوروبا، ولم تبد انسجاما كبيرا مع خطاب نادي "الدول الداعية إلى تضافر الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب". فبينما دعت الجزائروالولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا إلى التعامل مع الظاهرة كتهديد عالمي لا يعرف حدودا، قيّمت فرنسا حجم الخطر الذي تمثله بمدى تعرضها لمصالحها في المنطقة. وعكس الولاياتالمتحدة، التي أدركت في الفترة الأخيرة أن "عدو عدوي ليس صديقي بالضرورة"، لازال الفرنسيون يعتمدون على مبدإ "عدو عدوي صديقي" وحتى وإن كان يحمل تطرفا وعصبية وخطرا على دول الميدان. فقد سارع الرئيس السابق ساركوزي لإقناع مجلس الأمن لتدخل الناتو في ليبيا سنة 2011، تحت غطاء إنساني، قبل أن يتحول إلى تدخل عسكري نجم عنه ما تعرفه الدولة اليوم من فوضى وعنف قبلي. ولم يستفق العالم على نفاق فرنسا إلا حينما حاولت منظمات إرهابية مدعومة بحركات مسلحة من شمال مالي الزحف جنوبا نحو العاصمة باماكو مستخدمة السلاح الذي حصلت عليه من ليبيا وذاك الذي ألقاه الطيران الفرنسي في جبل نفوسة، بحسب ما أكدته تقارير استخباراتية. ساعدت فرنسا تلك الجماعات بطريقة غير مباشرة على تعزيز قدراتها القتالية، ووجدت فيها مصلحة كبرى للإطاحة بالقذافي والحصول على فرصة تاريخية للتدخل عسكريا في مالي وإطلاق عملية «سيرفال» شمال مالي بتاريخ 11 جانفي 2013 وتوسعت العملية إلى برخان في الفاتح أوت المنصرم وخصصت لها طائرات حربية و3 آلاف عسكري من قواتها الخاصة. ويعد دفع الفدية لتحرير الرهائن الخطيئة الكبرى لفرنسا، حيث لم تنصع للمواقف الدولية الداعية إلى تجريم تمويل الإرهابيين عبر أموال تحرير الرهائن، وظلت فرنسا تفعل ذلك سرّا رغم نفي ساستها، قبل أن ينفد صبر الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤخرا عندما وضع أوباما حدّا لتحفّظه متّهما باريس بالنفاق في قضية دفع الفدية قائلا: "هم يقولون إنهم لا يدفعون للإرهابيين ولكنهم يفعلون". وأصدرت صحفية "نيويورك تايمز" تحقيقا مطولا وضعت فيه فرنسا على رأس قائمة الدولة الممولة للإرهاب عبر دفع الفدية، وصرفت 58.1 مليون دولار منذ 2008، بشكل مباشر أو عبر وسائط، ولم تتوقف عند الخضوع لمطالب هؤلاء، بل تمارس ضغوطا رهيبة على حكومات ماليوالنيجر لتحرير قادة التنظيمات الإرهابية المحتجزين في سجونها. أصبح الرعايا الفرنسيون الأكثر طلبا لدى الجماعات الإرهابية، مقارنة بباقي الجنسيات المختلفة، نظرا لسخاء الحكومة الفرنسية وخضوعها لمطالبهم، وخسرت نظير هذه السياسة 8 من مواطنيها في إفريقيا، حينما باءت محاولات إنقاذهم بالفشل الذريع، ولقي الرهينة ميشال جيرمانو (78 سنة) حتفه بشمال مالي بعد 4 أشهر من اختطافه في النيجر شهر أفريل 2010. سبقه إعدام شابين خطفا من النيجر في نوفمبر 2010 بعد محاولة تحرير فاشلة من قبل الجيشين الفرنسي والنيجري. وخسرت باريس أيضا رعيتن في مارس 2013 كانا في مهمة عمل بشمال مالي اختطفا نهاية 2011. فيما ظهرت أنباء عن مقتل الرهينة جيلبرتو رودريغاز ليال الذي اختطف بتاريخ 20 نوفمبر 2012. صدمة كبرى في الأسبوع الأول من نوفمبر 2013 تلقتها فرنسا باغتيال صحفيين من إذاعة فرنسا الدولية (غيسلان ديبون وكلود فرلون)، في عملية تبنتها الجماعات الإرهابية التي حصلت على أكبر قدر من أموال الفدية، فيما اكتفى تنظيم بوكو حرام ب2.9 مليون دولار، نظير تحرير عائلة فرنسية بالكاميرون في أفريل 2013. وعن سبب قبول فرنسا دفع الفدية، يقول ضابط سابق في الاستخبارات الخارجية الفرنسية، "هذا من مساوئ الأنظمة الديكتاتورية ربما، لأن الرأي العام الداخلي لا يرحم وسيعدمك يوم الانتخابات، إذا أزهقت روح فرنسي في الخارج". ورغم تذمر الفرنسيين من رفع حكومتهم الضرائب وصرفها في حروب، تستمر فرنسا في سياستها دون مراعاة الانعكاسات السلبية على دول المنطقة.