الشهيد بن عودة بن زرجب من مواليد 9 فيفري 1921 بتلمسان، نشأ وتربى وسط عائلة محافظة، زاول دراسته الابتدائية والاكمالية بمؤسسة «دوسالون». تحصّل على شهادة البكالوريا شعبة رياضيات سنة 1941، مكّنته من الالتحاق بكلية الطب بالجزائر العاصمة، حيث واجه الكثير من الممارسات والتصرفات العنصرية من جانب الطلبة الأوروبيين أبناء المستوطنين. قرّر السفر إلى فرنسا والتحق بكلية الطب بمونبولييه ليواصل بعدها دراسته بباريس، حيث ناقش أطروحته في الدكتوراه سنة 1948 بعنوان «مشكلات اللوكيميا والأورام من خلال حالات الكلوروميلان». وبالموازاة انخرط في العمل النضالي الطلابي بمشاركته في مشروع تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، انتخب أمينا للمال في الاتحاد، كما كان ينشط ضمن لجنة فلسطين العربية، وفي صفوف حزب الشعب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية منذ عودته إلى تلمسان أين فتح عيادته الطبية. تعرّض الدكتور بن زرجب لحادث مرور سنة 1952 وهو عائد من مدينة سيق باتجاه تلمسان، حين ارتطمت سيارته بشاحنة كانت متوقّفة عند مدخل تليلات، تسبّب له في جروح بليغة ألزمته على المشي بواسطة عصا، بعد اندلاع الثورة التحريرية ربط الاتصال مع عناصر جبهة التحرير الوطني، وأصبح يداوي الجرحى ويوفر الأدوية والدعم اللوجيستيكي للثورة انطلاقا من مدينة تلمسان. إضافة إلى ممارسته مهنة الطب، كان بن زرجب يستقبل مرضاه في عيادته، متنقّلا عبر قرى ومداشر تلمسان لمعاينة أبناء الفقراء، اعتقلته السلطات الاستعمارية حين تنقل إلى مدينة وهران ليشتري آلة راقنة من نوع رونيو، التي دفع مبلغها بن زرجب والمقدرة ب 124 ألف فرنك قديم، غير أنّ صاحب الدكان الذي سلّمه الآلة سجل ترقيم لوحة سيارة الدكتور بن زرجب. تمّت العودة إلى تلمسان بشكل عادي بعد أن توقف بعين الحوت، أين تم تسليم الرونيو لتحويله إلى سبدو، وحين وصلا إلى تلمسان افترقا ولم ير بعدها بن زرجب. بعد أيام قلائل حاصرت فرق رجال الدرك الفرنسية منزل بن ساحة في قرية تيبدرين بأولاد حليمة بلدية سبدو واعتقلته، وحين اقترب من العربة العسكرية لاحظ من بعيد طيف رجل منهك في حالة انحناء وإرهاق مقيّد اليدين، وكان الرجل الدكتور بن زرجب، وكان رجال الدرك الفرنسي يصرخون في وجهه لمعرفة مكان الرونيو. مقتله شكّل حزنا عميقا لدى التلمسانيّين تعرض الاثنان لأبشع أنواع التعذيب، حيث لفظ بن زرجب أنفاسه يوم 16 جانفي 1956، في حين نقل بن ساحة إلى تلمسان ثم إلى وهران، حيث مكتبة اليهودي الذي ابتاع الشهيد بن زرجب آلة الرقن لكنه لم يتعرف عليه، وهو ما أنقذه من الموت ثم أطلق سراحه بعد فترة. وقع استشهاد بن عودة بن زرجب كان قويا وعميقا في نفوس التلمسانيين، الذين خرجوا في مظاهرات عبّرت عن الاستياء والتنديد، اضطرت الإدارة الاستعمارية لطلب تعزيزات وإمدادات إضافية لوحدات الشرطة، وفرض حالة حظر التجوال لعدة أيام، وعند الإعلان عن إضراب الطلبة في 19 ماي 1956، ذكر الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين قضية اغتيال بن زرجب والطالب إبراهيم زدور. وفي 26 فيفري وقفت جماهير مدينة وهران وفي مدن أخرى في الجزائر دقيقة صمت ترحّما على روح الشهيد بن زرجب، كما قرّر العقيد لطفي الانتقام لمقتله حيث تدرّب مع مجموعة من المناضلين لعدة أيام متنكّرين في زي عسكري فرنسي، جعل منهم فرقة دورية فرنسية حقيقية للشرطة العسكرية، حيث جابت الدورية التي يقودها لطفي المدينة مرورا بشارع سيدي بلعباس وشارع فرنسا وساحة البلدية في قلب المدينة، وكانت وحدات العسكر الفرنسي تؤدّي له التحية العسكرية دون أن تنتبه لأمره خاصة وأن مظهره كان يشبه مظهر الأوروبي. وظل العقيد لطفي يجوب شوارع المدينة، حتى وصل أمام مدخل نادي الضباط حيث كانت الساعة تشير إلى السادسة بعد الزوال وهو موعد الإفطار، ويتوقّع الضباط الفرنسيون أو غيرهم أن المسلمين في هذا الوقت جالسون على مائدة الإفطار، وفي تلك الأثناء كان الضباط يلعبون الورق ويحتسون النبيذ حتى أطلق لطفي ورجاله وابلا من الرصاص باتجاههم استمر لمدة دقيقة، ثم انسحبوا بعدها بهدوء كأنّها دورية عادية تفاديا لإثارة الشكوك، وشكّلت هذه الحادثة هاجسا لدى سلطات الاستعمار من جهة وارتياحا لدى الجزائريين من جانب آخر.