ظلّت المرأة الماكثة في البيت بقالمة منسية ومهمّشة لمدة طويلة، إلّا أنّه في السّنوات الأخيرة ومع تغيّر الذّهنيات استطاعت أن تنخرط في العملية التّنموية من خلال الدور الذي تلعبه في تكوين الأشخاص ذوي المستوى التعليمي المحدود. وتعدّ باقاضي فريدة من السيدات اللاّئي تمكن من إثبات وجودهن بطريقة فعّالة في المجتمع. اقتربت «الشعب» من هذه المرأة للتعرف أكثر على مسارها الذي بدأته بخطوة، محاولة منها الخروج من التّهميش اعتمادا على شخصيتها القوية التي تحدّت كل الذّهنيات الموجودة حولها. بلقاضي فريدة سيدة في ال 49 من العمر، اختارت الرّسم على الزّجاج بمحض إرادتها لتعكس آمالها وأحلامها، وحرفة تثبت بها وجودها في مجتمع لا يعترف إلاّ بالرجل. البداية كانت بممارسة الخياطة التقليدية، بعد تحصّلها على دعم مادي وبطاقة حرفية، عملت في هذا المجال لسنوات طويلة لكن طموحها وحبّها للتطور،جعلاها تفكر في الانتقال إلى الرسم على الزجاج لأنّها أيقنت أنّها ستبدع أكثر في هذا المجال، ورغم أنّها لم تتلق تكوينا إلاّ أنّها أدركت بعد ممارستها أنّ الرّسم هو اللّغة التي تكلّم روحها وترتقي معه. صنعت أناملها السحرية الكثير من التحف التي أعجب بها الكثيرون. وعن مستلزمات هذه الحرفة أخبرتنا فريدة بلقاضي أنّها تحتاج وتعتمد على الكثير من الأدوات، منها ما تقتنيه من السوق ومنها ما تجده في الطبيعة، حيث تتجول بين تونس والولايات الجزائرية الساحلية لتأمين المادة الأولية. ومن تلك المكونات التي تستعملها بصفة متكررة «غبرة السيراميك»، حيث تقوم بعجنها وتشكيلها، كذلك استعمال الورود والرمل والصدف التي تجلبها من الشاطئ تصنع بها صحون بالرمل، بالإضافة إلى قفف ب «القرنب» وكذا ترسم على الزجاج لكل من يرغب بتزيين المرايا لإعطاء ديكور جميل لها، كما تقوم بالزخرفة على الطين بالإضافة إلى استعمال الحبل لتصميم القفف «كوربايت» للعرائس وكذلك ألعاب الأولاد. واغتنمت فريدة بلقاضي الفرصة للتعبير عن سعادتها بما حققته في هذا المجال، الذي فتح لها باب المشاركة في العديد من المعارض. وتقول عن ذلك ل «الشعب»: «خلال السنوات الأخيرة، وجدت المرأة الماكثة بالبيت اهتماما وإقبالا كبيرا لتطوير عملها، ما سمح لها الاعتماد على نفسها وكسب المال لإعالة أسرتها، ولكن قبل كل ذلك استطاعت تحقيق ذاتها بالاندماج في عالم الشغل عن طريق ما تتمتّع به من موهبة في الخياطة، النّقش، التّطريز والرسم على الزجاج، هي تبدع في الأشغال اليدوية المنزلية التي تحافظ على طابعها التقليدي كالطرز والمأكولات التقليدية المحلية. كما أثارت مشاركتها في المعارض المختلفة والمهرجانات استحسان العديد من الزوار لما تبدعه أناملها من تحف فريدة من نوعها، مما جعلها تبحث عن التجديد والابتكار الدائم للخروج في كل موسم بإبداعات تستحق التشجيع» . وأكثر من هذا فقد وجدت فريدة بلقاضي في ممارستها لهذه الحرفة متنفسا للقضاء على وقت الفراغ الذي كان يملأ حياتها من قبل، باستغلال موهبتها في الرسم والتشكيل، فتعلم حرفة لشغل النفس والاحتكاك مع الأخريات والتعرف على حرف جديدة على حد قولها يمكنها من تبادل الخبرات ويفتح أفاقا جديدة ويعطي فرصة سانحة للإبداع. وأشارت في حديثها ل «الشعب»، أنّ الفرصة سانحة للمرأة لتبدع، وقد حان الوقت حسبها لإبراز إبداعها وما تزخر به كل ولاية من موروث ثقافي في مختلف المجالات، وأكثر من ذلك فقد فتح المجال للماكثة بالبيت للتعريف بمنتجاتها وبيعها للجمهور شريطة توفير الأسواق، فالكثيرات على حد قولها يعجزن عن بيع ما يصنعن، لولا التظاهرات والمهرجانات والمعارض لكان الوضع أسوأ. وأكّدت فريدة بلقاضي أنّ أكبر دعم قدم لها يتمثل في بطاقة الحرفي، بالإضافة إلى الدعم المادي الذي تتلقاه من الجهات الوصية والذي تعتبره أمرا ايجابيا رغم معاناتها اليومية من أجل توفير المادة الأولية والتي تعرف نقصا كبيرا، ويتطلب منها في أغلب الأحيان التنقل إلى العاصمة لتوفيرها. يذكر أنّ بلقاضي فريدة تحصّلت على العديد من الشهادات خلال مشاركاتها في مختلف المعارض الوطنية والدولية.