اتّخذت أمينة بوخديمي من حماية المستهلك أمام الأضرار التي تهدّد صحته شعارا لها. وانطلاقا من هذه المسؤولية ولأنّها مكلّفة بمراقبة النوعية، حملت على عاتقها مسؤولية محاربة الغش والتحايل الذي يمارسه التاجر على المستهلك لقمع أي فعل غير قانوني من شأنه تهديد الصحة العمومية. وللتعرف على هذه الشخصية عن قرب، أجرت معها «الشعب» هذا الحوار.
❊ الشعب: كيف التحقتم بهذا العمل؟ ❊❊ أمينة بوخديمي: بداية عملت بقطاع البيئة لمدة سنة كاملة، وبصفتي مهندسة دولة في البيولوجيا تخصص مراقبة النوعية وإجراء التحاليل على المواد الغذائية، شاركت في مسابقة وطنية للتوظيف بجامعة معسكر، سمحت لي في الالتحاق بمصالح المديرية الولائية للتجارة بالمدية سنة 2012 برتبة مفتش رئيسي لقمع الغش. ❊ ماذا تمثّل لكم مهمّة حماية المستهلك؟ ❊❊ أعتقد أنّ هذه المهمة تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية المستهلك وقمع كل أنواع الغش الذي يلحق به، على اعتبار أنه يشكل الطرف الضعيف في علاقته مع المتعامل الاقتصادي، لذا يقتضي الأمر حمايته وحماية مصالحه، خاصة بعد الانفتاح الاقتصادي للجزائر، الذي جعل من المستهلك فريسة سهلة لمروجي المنتجات المزيفة، الرديئة والخطيرة على صحته. من جهة أخرى، هو أيضا ضحية تحايل وغش بعض التجار، الذين يستعملون كل الطرق من أجل الكسب والربح السّريع، مستغلّين في ذلك الاقبال الكبير للمنتوجات التي تكتسح الأسواق دون وعي ولا دراية من المستهلك بما تشكّله مثل هذه المواد على صحته، خاصة أنّه يجهل مصدرها. مهمّتان وهدف واحد ❊ ما هو عمل مراقب القمع والغش؟ ❊❊ إنّ المهمّتان الأساسيتان لأعوان قمع الغش حسب التشريعات الموجودة تتمثلان في الحرص على سلامة جميع المواد الغذائية، وضرورة مراعاتها لشروط الصحة والنظافة، بالإضافة إلى مطابقتها للمقاييس العالمية في مختلف مراحل عملية عرضها للاستهلاك قصد البحث ومعاينة المخالفات، التي من شأنها أن تشكّل خطرا على صحة وسلامة المستهلك أو إلحاق ضررا بمصالحه المادية، وكذا اتّخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لحمايته وفقا للاجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 09-03 المؤرخ في 25 فيفري 2009 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش، الذي هو بمثابة الخارطة التي نستند عليها في عملنا ضمن فرقة رقابية تنشط في الميدان. ❊ ما هي الصّعوبات التي تواجهكم في الميدان؟ ❊❊ لا يخلو أي مجال من الصّعوبات والعوائق، غير أنّ الميدان الذي ننشط فيه له خصوصياته وميزاته، فهو مجال خصب لمحاولات الغش والتّدليس وخداع المستهلك والتّحايل عليه، وبالرغم من وجود تجار ومتعاملين اقتصاديين نزهاء، إلا أنه هناك من هم عكس ذلك تماما، وهم من يجعلون وظيفتنا صعبة من خلال عرقلة مهمتنا في التفتيش للكشف عن المخالفات، خاصة أمام إصرارهم على الخداع واستعمال الأساليب الملتوية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، مهمتنا كمفتشين في الميدان هي مهمة ميدانية قبل كل شيء، تستلزم منّا النّزول إلى الأسواق والمحلات، والتعامل مع التجار والمهنيين ميدانيا، وبالرغم من أنّنا نشكّل معهم شركاء اجتماعيين إلاّ أنّنا نصطدم من حين لآخر بفكرة اعتبارهم لنا كأعداء، همّنا الوحيد تغريمهم دون وجه حق، ما يجعلنا في الكثير من الأحيان عرضة للإهانة والمزايدات اللفظية والشتم، بل قد تصل إلى حد العنف الجسدي، والكثير من الحوادث من هذا القبيل قد حدثت على المستوى الوطني. ❊ كونكم امرأة هل هذه الظّروف زادت من معاناتكم؟ ❊❊ كوننا نساء مكلفات بمراقبة النوعية وقمع الغش يجعل معاناتنا أكبر، خاصة وأن نظرة المجتمع لا سيما في المناطق الداخلية لا تزال دون المستوى المطلوب، وهذا بالرغم من أن القانون رقم 09 - 03 المؤرخ في 25 فيفري 2009 السالف الذكر يوفّر لنا حماية قانونية من كل إهانة، إو التعرض لأي ضغوطات أو التهديدات التي قد تشكّل عائقا في أداء مهامنا، وهذا بموجب أحكام المادة 27 منه. ❊ كيف تغلّبتم على هذه الصعوبات؟ ❊❊ في رأيي أن الضمير المهني وحب المهنة والإيمان بضرورة حماية المستهلك ومصالحه المادية والمعنوية، هي الأمور التي أمدتني بالقوة لتجاوز هذه الصعوبات في أرض الواقع، خاصة إذا علمنا أن مهنتنا هي مهنة نبيلة تقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث تستقي أصولها تاريخيا من حقبة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين عندما ظهرت فكرة الحسبة إلى جانب وظيفة القضاء كوظيفتين أساسيتين، حيث أسندت لأهل الحسبة مهمة مراقبة الأسواق والأسعار. وأول من احتسب في تاريخ الحضارة الإسلامية هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يمشي في السوق واكتشف أحد التجار يظهر سلعة ذات نوعية جيدة من الأمام ويبطن شيئا آخرا خلفها، وهنا قال قولته المشهورة: «من غشّنا فليس منّا». وفي نفس السياق، لابد من أن ننوّه بأنّ حتى بعض النساء قد دعين لأداء هذه المهمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم منهن سمراء بنت نهيك الأسدية، وهذا يكفيني فخرا أنّني أمتهن مهنة كانت موجودة منذ عهد الرسول عليه السّلام. التّحسيس..الوجه الآخر للمراقبة ❊ كيف تفرّقين بين العمل التّحسيسي والقمعي؟ ❊❊ في الحقيقة، تتكون مديرية التجارة من عدة مصالح، إحداها يقع على عاتقها مهمة التحسيس الذي يقوم على فكرة إعلام المتعامل الاقتصادي والمستهلك على حد سواء بالايجابيات والسلبيات التي تندرج في هذا الاطار، فسلسلة التبريد والتجميد لا بد من احترامها كإلزام قانوني، غير أن تحسيس التاجر بمخاطر قطعها من شأنه أن ينعكس سلبا على صحة المستهلك ويخضع كل من يخل به للعقاب، ما يؤدي به إلى احترامه وحمله محمل الجد. كما أنّ صدور قانون جديد يستوجب نوعا من التحسيس، وإن كانت القاعدة القانونية المعروفة «لا يعذر أحد بجهله القانون» تجعله ملزما بأحكام القواعد القانونية بمجرد صدورها في الجريدة الرسمية، وإن لم يعلم بها علم اليقين، غير أنّنا نسعى دائما إلى عملية التّحسيس قبل الرّدع. أما فيما يخص الوظيفة القمعية فهي أساس وظيفتنا، فالرقابة قوامها القمع في حالة اكتشافنا للمخالفة والردع يقصد به محاولة تسليط العقوبة المنصوص عليها قانونا، فنحن في إطار مهامنا نلتزم بالنصوص القانونية، والقاعدة القانونية مقترنة بجزاء موقع من السلطة العامة، ذلك لأنّ الجزاء والردع أسلوب من الأساليب التي تجبر الأشخاص على تصحيح أخطائهم المرتكبة في حق المستهلك. ❊ هل تنوين تطوير مساركم المعرفي؟ ❊❊ لا يخفى عليك، بأن تكويننا هو تكوين علمي اكتسبنا من خلاله معارف علمية بيولوجية، ميكروبيولوجية وفيزيوكيميائية، نحاول من خلال مسارنا المهني تطبيق هذه المعارف على أرض الواقع، فننقل النظري إلى التطبيقي، كما أنّنا نسعى من خلال متابعة المستجدات العلمية من تطوير معارفنا، لأنّنا لم ننقطع يوما على مواكبة التطورات الكبيرة التي يعرفها هذا العالم في هذا المجال لا سيما مع تطور التكنولوجيا التي أصبحت تأتي بالاكتشافات العلمية، كما أنّ رغبتي في مواصلة الدراسات العليا في مجال تخصصي قوية، كما أتطلّع من جهة أخرى إلى تعميق معارفي القانونية، فكوني حاملة لشهادة مهندس دولة في البيولوجيا «تخصص مراقبة النوعية والتحاليل» لا يعني عدم اهتمامي بالشق القانوني، هذا الأخير يتصل بصفة مباشرة مع المهنة التي أزاولها، فالقانون يمدّنا بالشرعية في مجال عملنا، وعليه فلا بد من تطوير هذا الجانب الهام بقدر تطوير معرفي العلمية في مجال تخصصي. ❊ هل العمل الرّقابي هو استعمال لوسائل تقنية أم مهارات؟ ❊❊ في الحقيقة، يستوجب العمل الرقابي الاثنين معا، فهو تكامل بين المهارات والوسائل التقنية، فلن يكون بإمكاننا الاكتفاء بالمهارات التي نكتسبها في عملنا دون استعمال وسائل تقنية، فأجهزة المراقبة كحقيبة المفتش التي تحوي على عدّة آلات وأجهزه بموجب أحكام المادة 27، كالمحرار ومقياس الحموضة ومقياس كثافة الحليب...كلها أجهزة لا يستطيع أن يستغني عنها المفتش أو المراقب لأداء عمله على أكمل وجه..