تندرج عملية حماية المستهلك في الجزائر ضمن الإستراتيجية المعتمدة في مجال النشاط التجاري، التي جاء بها رئيس الجمهورية والتي تهدف أساسًا إلى الرفع من نوع ونوعية المواد الاستهلاكية وحماية صحة المواطن وسلامته من التلاعبات المحتملة التي يقف وراءها عدد من التجار الجشعين، ويأتي القانون الخاص بحماية المستهلك وقمع الغش في إطار الإنجازات المحققة في هذا الإطار، في وقت أصبح فيه النشاط التجاري لا يعني سوى الربح السريع وجمع الأموال ويظل فيه المستهلك المتضرر الأول والأخير من تبعات الغش والتحايل. مواد غذائية سريعة التلف، أسماك وأجبان ومشروبات بمختلف أنواعها تعرض للبيع في الهواء الطلق، ذبح عشوائي في أماكن عشوائية، حفظ الأغذية في غير أماكانها بعيدة عن وسائل التبريد وعرضة لأشعة الشمس وغيرها من النقاط السوداء التي أصبحت لصيقة بالحياة التجارية عندنا. هي مشاهد صنعت لسنوات وترسخت في قاموس التجارة لتصبح من البديهيات. يضاف إلى كل هذا، الخطر الذي أصبحت تشكله السلع المغشوشة والمقلدة التي تتدفق على سوقنا الوطنية من كل أصقاع العالم. وككل مرة يطرح التساؤل لدى العام والخاص "إلى متى يستمر هذا الوضع وكيف يمكن حماية المستهلك من الأخطار التي لا طالما هددت صحته وتسببت في الكثير من الأحيان في حالات وفاة جراء تسمم وحوادث ناجمة عن استعمال مواد مغشوشة أومقلدة؟". والحقيقة أن التجارة الموازية أصبحت اليوم السبب الرئيسي لحالات التسمم مما جعل مسالة حماية المستهلك مرهونة بالقضاء على هذه التجارة التي أصبحت قائمة بذاتها وتشكل نسبة 56 بالمائة من مجمل النشاط التجاري العام. أجسام غريبة في مشتقات الحليب! اختلفت روايات المستهلكين الذين فوجئوا بوجود أجسام داخل علب المواد الغذائية أوقارورات المشروبات وحتى أكياس الحليب تتراوح بين قطعة نقدية داخل علبة الياؤورت وشعر داخل الحليب وقطعة من البلاستيك داخل الكعكة أوحتى الخبز وغيرها. فهذه مواطنة تفاجأت وهي تدخل ملعقة داخل علبة الياؤورت بصوت غريب ناتج عن احتكاك الملعقة بشيء ما ولم تكد تصدق عندما اكتشفت أن قطعة نقدية كانت بداخل العلبة. أما أحد المواطنين فروايته كانت عن آثار شعر وجدته زوجته داخل كيس الحليب وهي تتأهب ذات يوم لتحضير فطور الصباح. في حين سجلت بعض الشهادات الكثير من الحالات تمثلت في قطع خيوط وبقايا سجائر داخل الخبز وأعواد كبريت داخل علبة المربى وأخطر كل هذه الحالات عثور أحد المواطنين على شفرة حلاقة داخل خبزة اقتناها من مخبزة الحي يعتقد أنها استعملت لشق القشرة الخارجية لعجينة الخبز. وإذا عرجنا على الأسواق بمختلف أنواعها الشرعية والموازية فالمفاجأة لا شك كبيرة والصدمة أكبر، فبالإضافة إلى أن كل شيء يباع في أي مكان وفي أي وقت دون مراعاة الشروط الصحية ولا حتى القانون. خبز يعرض بجانب الأسماك والخضر وحتى الخردوات وصناديق السردين تنتظر من يقتنيها لساعات تحت حر الشمس وحلويات في الهواء الطلق تمتص كل أنواع الغبار والأتربة. ووسائل حفظ عشوائية منها الأكياس السوداء التي تأكد خطرها على صحة الإنسان تحفظ فيها مختلف السلع ومعها طبعا صفحات الجرائد التي رغم منعها قانونا إلا أنها لا تزال تحمل السردين وغيرها من المواد الغذائية. كل هذه التصرفات لا تفسير لها إلا الإهمال وغياب الضمير وعدم المبالاة بصحة وسلامة المستهلك بعد أن تأكد في أكثر من موقف أن لا شيء يهم التجار غير جمع المال والجري وراء المزيد من الأرباح. والغريب في الأمر أن لا أحد من المستهلكين وضحايا المفاجآت "غير السارة" فكر ولو مرة في اتخاذ خطوة نحو كشف ما حدث ولو أمام صاحب المنتوج وكأن الأمر لا يستحق ذلك، مما يؤكد غياب ثقافة الاستهلاك لدى المستهلك الجزائري وعدم حرصه على الدفاع عن نفسه أمام مختلف أشكال التهديدات التي تطال سلامته. على المواطن عدم السكوت تعتبر الجمعيات المدافعة عن حقوق المستهلك الوجهة الأساسية التي من شأنها مرافقة المستهلك في حالة تعرضه لضرر ما جراء استهلاكه أواقتنائه مادة مشبوهة أومغشوشة إلا أن هذا الدور لا بد أن يسبق برد فعل هذا المستهلك الذي بدونه لا يمكن تحقيق نتيجة. وتؤكد الفدرالية الجزائرية للمستهلك على وجود عدة آليات وإجراءات يجب إتباعها للتبليغ على الحالات غير العادية أولها التقرب من جمعيات حماية المستهلك الناشطة بالولاية التي تقطن بها الضحية وإذا لم تكن متوفرة فعليه التوجه نحو مديرية التجارة وبالتحديد إلى قسم النوعية وقمع الغش وحماية المستهلك. وحسب المصدر فإنه من الواجب حث هذه الجمعيات على التقرب من أصحاب المنتوج بائعين كانوا أومنتجين أووكلاء إذا تعلق الأمر بالسيارة أومستوردين لمحاولة إيجاد حل لإنصاف الزبون بالتراضي وإن تعذر ذلك فإنه من حق الزبون اللجوء إلى العدالة لانتزاع حقوقه بقوة القانون. كما يساهم اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين من جهته في تحسيس التاجر بضرورة الالتزام بكل ما يحافظ على صحة المواطن وعلى سلامته من خلال احترام شروط عرض السلع وحفظها والابتعاد عن كل ما قد يسبب الضرر للمستهلك. ووجه الاتحاد نداء إلى تجار اللحوم والأسماك والحلويات والخضر والفواكه والمواد الغذائية العامة بالالتزام بشروط الذبح والحفظ الجيد ومنع تحضير اللحم المفروم مسبقًا وغيرها من العادات السيئة والخطيرة التي ترسخت لدى التجار. السجن والغرامة للمتلاعبين أصبحت السوق الوطنية خلال السنوات القليلة الماضية ومنذ انتهاج سياسة اقتصاد السوق قبلة للمستثمرين والمستوردين وبالتالي تدفق السلع من كل الأنواع والأحجام وهو الأمر الذي يعتبر أمرًا ايجابيًا لما يحقق ذلك من منافسة شرعية كان من المفروض أن تتوج بتحقيق النوعية والجودة في المنتوج والخدمات إلا ان الواقع يؤكد عكس ذلك، مما جعل السلطات تتحرك لإيجاد آليات قانونية وهو ما تجسد في القانون الذي صادق عليه النواب خلال شهر جانفي الماضي والخاص بحماية المستهلك وقمع الغش الذي يتوعد التجار المتلاعبين بصحة المستهلك بعقوبات صارمة تصل إلى حد الحبس والغرامة. حيث تم رفع العقوبات إلى 5 سنوات سجنًا مرفوقة بغرامة مالية قدرها 500 ألف دينار لكل شخص يغش أويحاول غش المستهلك في كمية المنتجات المسلمة إليه وفي تاريخ إنتاج المواد ومدة صلاحيتها وفيما ينتظر من هذه المنتجات. كما ينص على غرامات مالية تتراوح بين 50 ألف و500 ألف دينار على كل من يخالف قواعد نظافة وسلامة المواد الغذائية ومراقبة مطابقتها مسبقا وقواعد الضمان والالتزام بالضمان واختبار المواد وتنفيذ خدمات ما بعد البيع والعنونة. وفي حال تسببت مادة ما في مرض عضال أوفقدان عضو ما يقر القانون بمعاقبة المعنيين بالسجن مدة تتراوح بين 10 و20 سنة وبغرامة مالية تتراوح بين مليون ومليوني دينار، وفي حال سببت المادة وفاة شخص أوعدة أشخاص فسيعاقب المعنيون بالسجن المؤبد. وتضمن القانون الجديد الذي أكد وزير التجارة أن نصوصه التطبيقية قيد التحضير كذلك على غرامة جديدة تدعى "غرامة تعاملية" تفرض على مرتكب المخالفة وتحرّر من قبل أعوان قمع الغش وأعوان الشرطة القضائية. ويتضمن النص غرامة تعاملية جديدة ومخالفات جديدة مثل الإهانة والاعتداء ورفض تنفيذ قرارات استرجاع المنتجات وإتلاف المنتجات مع تشديد العقوبات الصادرة عن الهيئات القضائية المختصة.وتنطبق الأحكام على كل سلعة أوخدمة تقدم للمستهلك مقابل الدفع أوبالمجان من قبل كل متدخل وفي جميع مراحل مسار عرضها للاستهلاك. وتهدف الدولة من خلال إصدار هذا القانون وحسب المسؤول الأول على قطاع التجارة إلى عصرنة التشريع التجاري الوطني لجعله يتكيف مع معطيات العولمة والتحولات الاقتصادية التي تشهدها الجزائر. كما تسعى من خلال القانون الجديد إلى "سد الثغرات المسجلة في مجال حماية المستهلك من أجل تعزيز التدابير المتخذة لقمع الغش وضمان مطابقة جميع المنتجات والخدمات المعروضة للاستهلاك". وسيكون من شأن هذا القانون الذي صادق عليه المجلس الشعبي الوطني ضمان حماية أكبر لمستهلكي السلع والخدمات من خلال إدراج عقوبات أكثر ردعا مقارنة مع القانون الحالي المطبق منذ سنة 1989.