أرغمت الثورة التحريرية، منذ اندلاعها في الفاتح نوفمبر 1954، فرنسا على الرضوخ لرغبة الشعب الجزائري في الاستقلال وبناء دولته، واعترفت مطلع 1961 بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم، وخضعت عبر المفاوضات الدقيقة، لكافة المطالب التي مكنتهم من بناء دولة كاملة السيادة. لا ترى الجزائر في 19 مارس من كل سنة، مجرد تاريخ لإعلان وقف إطلاق النار، بينها وبين المستعمر الفرنسي، بل تعتبره "عيدا للنصر" على أشرس قوة استعمارية في القرن العشرين. فأصل الحدث الذي نحتفي بذكراه ال53 هذه السنة، أنه توج مفاوضات إيفيان التي جرت من 07 إلى 18 مارس 1962، أين تم الاتفاق على الوقف الكلي لإطلاق النار ووضع حد "للعمليات العسكرية والقتال المسلح يوم 19 مارس في القطر الجزائري كله"، مثلما هو منصوص عليه في وثيقة الاتفاقية الأولى. واتفق الوفد الجزائري المفاوض مع الحكومة الفرنسية المستعمِرة، على إجراء استفتاء تقرير المصير "خلال 3 أشهر كحد أدنى و6 أشهر كحد أقصى"، من تاريخ وقف الاقتتال. وكان طبيعيا، أن يصوت الشعب الجزائري برمّته وبالأغلبية الساحقة لصالح الاستقلال وبناء دولته بسيادة غير منقوصة، لذلك مثلت نهاية المفاوضات نصرا للثورة والشعب الجزائريين. ويبين التصريح العام للاتفاقية الأولى، مدى الدقة التي توخّاها الوفد الجزائري، في ضبط المصطلحات المضمّنة في مختلف المواد والبنود، وتفادوا أي لبس محتمل، حينما أصرّوا على كلمة "التعاون" بدل "الشراكة" التي أرادتها السلطات الاستعمارية في صياغة سؤال وثيقة الاستفتاء "هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة، متعاونة مع فرنسا، حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962؟" وعرض الناخبين الإجابة ب«نعم" أو "لا". فالجنرال ديغول كان يريد إقامة علاقة خاصة مع الجزائر، عبر تمرير مصطلح "الشراكة"، بينما أصرّت جبهة التحرير الوطني على "التعاون المشروط"، مثلما هو معمول به بين كافة دول العالم المستقلة، ويتأكد ذلك في جملة "بما أن تعاون فرنسا مع الجزائر فيه استجابة لمصالح البلدين..."، ما يلغي أية رغبة فرنسية في الظفر بأيّ امتيازات من نوع خاص. فرنسا في وثيقة اتفاقية إيفيان اعترفت ببطلان كل ما روّجت له طيلة 132 سنة من الاحتلال، بكون الجزائر فرنسية واعتبار الجزائريين مواطنين فرنسيين من الدرجة الثانية، من خلال توقيعها "على أن تكوين دولة جزائرية مستقلة ذات سيادة مطابق للواقع الجزائري.."، هذا الواقع يعكسه تاريخ الجزائر قبل 1830، والذي رفض وظل صامدا ومجسدا في هوية الفرد الجزائري رغم محاولات تدنيسه وطمسه عبر مختلف الوسائل القمعية والتبشيرية والإجرامية للفرنسيين. وأرغم كفاح الشعب الجزائري، فرنسا على الخضوع والقبول بأن "تمارس الدولة الجزائرية سيادتها التامة والكاملة في الداخل والخارج. وستمارس هذه السيادة في الدفاع القومي والشؤون الخارجية، وللدولة الجزائرية أن تعد بحرية هيئتها الخاصة وتختار النظام السياسي والاجتماعي الذي تراه أكثر ملاءمة لمصالحها، للدولة السيادة في تحديد وتطبيق السياسة التي تختارها في المجال الدولي". وأرادت السلطات الاستعمارية الحصول على امتيازات تخص استغلال الثروات الباطنية (المحروقات في الصحراء الجزائرية)، واستخدام قاعدة المرسى الكبير في شؤون عسكرية لمدة 15 سنة بعد استقلال الجزائر، غير المصلحة العليا للجزائر اقتضت استكمال استرجاع السيادة الاقتصادية للبلاد في 24 فيفري 1972، وغادر آخر جندي فرنسي الأرض الجزائرية عام 1967.