شباب يرفضون العمل بأعذار واهية    الطبخ الجزائري يأسر عشاق التذوّق    حسن الجوار.. علاقة تلاشت مع الزمن    توثيق جديد للفهد "أماياس" بشمال الحظيرة الثقافية للأهقار    موضوع ندوة علميّة : إبراز جهود جمعيّة العلماء المسلمين في النّهوض بالمرأة والأمّة    قسنطينة : اختتام الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي    ستثمر نموذجا سياسيا جديدا يعزز الممارسة السياسية النظيفة    سقوط ثلوج وأمطار رعدية غزيرة    الجزائر ستقود بجدارة جهود القارة ضد التضليل الإعلامي "    استشهاد 4 فلسطينيين بالنصيرات وخان يونس بغزة    على الإعلاميين الرياضيين الدفاع عن قيم و أخلاقيات المهنة    المجلس الشعبي الوطني يضبط برنامج أشغاله    دعوة لإنشاء "شبكات نقابية" لدعم القضية الصحراوية العادلة    نرحّب بكل مبادرة تضمن للشعب الصحراوي الحقّ في تقرير المصير    استنكار رسو "سفن الإبادة" الصهيونية بموانئ المملكة    توبة يوجه رسالة قوية للاعبين مزدوجي الجنسية    مانشستر سيتي يريد مازة بديلا لكيفين دي بروين    إدارة مولودية الجزائر تندد    شايب يلتقي مع أفراد الجالية الجزائرية المقيمة ببلجيكا ولوكسمبورغ    السيد شايب يعقد اجتماعا تنسيقيا وتوجيهيا ببروكسل مع عدد من رؤساء القنصليات    توحيد جهود الأفارقة لمجابهة الأخبار الزائفة    تقطير الزهور.. عبق الأصالة في زحمة النسيان    حذار من التجارة عبر الأنترنت    15 موقعا لاحتضان مهرجان العاصمة للرياضات    توقُّع إنتاج 2.7 مليون قنطار من الحبوب هذا الموسم    عين تموشنت تتوقع جمع 442 ألف قنطار من المحاصيل الكبرى    توقعات بجني 2.5 مليون قنطار من الطماطم الصناعية بقالمة    بالله يا حمامي" و"باتا باتا" تجمعان شعوباً عبر الموسيقى    على الخشبة نلتقي" بقسنطينة    أطماع البعض في خيرات بلدنا قديمة    المغرب : مسيرتان حاشدتان في طنجة والدار البيضاء ضد استقبال المخزن سفنا محملة بأسلحة إبادة الفلسطينيين    منتدى الأعمال الجزائري-السعودي: التوقيع على خمس مذكرات تفاهم في عدة مجالات    مجلس الوزراء يوافق على تخفيض سن التقاعد لمعلمي وأساتذة الأطوار التعليمية الثلاث    تكوين مهني : انطلاق تصفيات أولمبياد المهن عبر ولايات شرق البلاد    ممثل جبهة البوليساريو يشيد بجلسة مجلس الأمن ويؤكد: تقرير المصير هو السبيل الوحيد لحل قضية الصحراء الغربية    اختتام بطولة الشطرنج للشرطة    اليمن تحترق..    شنقريحة: الجزائر مستهدفة..    البنك الدولي يُشيد بجرأة الجزائر    زروقي يُشدّد على تقريب خدمات البريد من المواطن    صادي يجتمع بالحكام    زيت زيتون ميلة يتألّق    التحوّل الرقمي وسيلة لتحقيق دمقرطة الثقافة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    البطولة الولائية للكاراتي دو أواسط وأكابر بوهران: تألق عناصر ساموراي بطيوة وأولمبيك الباهية    المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة: برمجة عدة تربصات انتقائية جهوية عبر 3 مناطق من الوطن    عيد الاضحى: وصول أول باخرة محملة ب 15.000 رأس غنم الى ميناء الجزائر    برنامج ثري ومتنوع للاحتفاء بشهر التراث    مسيرة الحرية بمدينة"تولوز" الفرنسية    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    تقييم أداء مصالح الاستعجالات الطبية: سايحي يعقد اجتماعا مع إطارات الإدارة المركزية    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمير أول من وضع أسس حوار الحضارات
نشر في الشعب يوم 05 - 05 - 2015

اعتبر المشاركون في الملتقى الدولي الأمير عبد القادر «المثقف الأديب والمتصوف»، أنّ هذا الحدث الثقافي المنظم بوهران على مدار اليومين، واحد من أهم إنجازات الجزائر، وقد نجحت في تعزيز دورها الريادي في دول الجوار من خلال المبادرات التي أطلقتها لإنهاء الأزمات الداخلية.
ويعتقد المشاركون الذين جاؤوا من مختلف دول العالم، بأن الجهود التي قامت بها الجزائر في الفترة الأخيرة من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة في مالي ومبدأ الوساطة بين مختلف أطراف النزاع بعديد الدوّل، تبرز حكمة سياستها وثبات مبادئها.
تمّ على هامش الفعالية، تنظيم معرض «الأمير عبد القادر رجل ومصير ورسالة»، نظمته الجمعية الدولية الصوفية العلوية، وكانت الفرصة سانحة للإطلاع على 20 ملصقة عملاقة، تتضمن معطيات حول المسيرة الروحية والفكرية للأمير، مع العلم أنّ هذه اللوحات، جابت العديد من البلدان منذ إنجازها سنة 2003 في إطار سنة الجزائر في فرنسا.
كما تجدر الإشارة، إلى أنّ المواضيع المختارة، تندرج حسب المنظمين في إطار برامج وحدة البحث حول الثقافة والاتصال واللغات والآداب والفنون ومخابر شركاء.
ما يحدث في الدول العربية، راجع إلى فقدان بعد القيم المشهورة
وأكّد الدكتور محمد بسناسي من جامعة ليون الفرنسية، أنّ الملتقى الذي اختتمت فعالياته، أمس، من شأنه أن يساهم «بشكل كبير» في دعم مسار حوار الحضارات وحوار الثقافات، وقد كان الأمير عبد القادر حسبه من الأوائل الذين دافعو عن هذه الفكرة وجسدوها ميدانيا.
وقال بسناسي في حديث ل»الشعب» أنّ الملتقى، «جاء في الوقت المناسب، نظرا للراهن العربي المتأزّم»، خاصة وأنه يرتكز على ترسيخ فكرة الحوار ونبذ الصراعات والحروب والتناحرات بين أبناء الوطن الواحد يضيف نفس المتحدّث أنّ الأمير عبد القادر، كانت لديه صداقات عبر مختلف دول العالم، وكانت رسائله تعد بالآلاف في إشارة منه إلى نحو 50 ألف رسالة، حدّدها المؤرخون الفرنسيون، وتدل حسبه على «تفتحه ونظرته الشمولية الواسعة للوجود الإنساني، من حيث أنّه موجود في هذه الحياة لكي يتعايش مع الآخرين»، كما أشار نفس المصدر إلى كتبه التي ألّفها خصيصا لغير المسلمين.
وتابع القول: الأمير عبد القادر، كان متسامحا، منفتحا على الشرق والغرب وكان إنسانا منفردا بفكره الغزير الواسع، حاول لم شمل كل الأوطان والتقارب بين الشعوب، حتى خلال مقاومته المستعمر الفرنسي، كان في قمة الإنسانية والتسامح، ولم يقاتل الفرنسيين، لأنّهم يختلفون دينا وعرقا، وقال أنّه دافع عن الجزائر، دفاع الرجل عن أرضه، بعيدا عن غريزة الكره والحقد، مؤكّدا، أنّ ما يحدث في الدول العربية، راجع إلى فقدان بعد القيم المشهورة والمعروفة لدى العرب المسلمين من تآخي وتلاحم وتآزر والتآلف بين الشعوب، والعالم اليوم حسب رأيه في حاجة إلى هذه القيم الإنسانية.
إنسانية الأمير أصلية وأصيلة وليست مكتسبة
بدوره أكد الأستاذ عبد الكريم الماجري، من جامعة تونس، في مداخلته «الأبعاد الإنسانية لسلوكيات الأمير ومواقفه من الآخر من بني جنسه أو خارج ملته زمن السلم والحرب»، أن إنسانية الأمير «أصلية وأصيلة وليست مكتسبة اكتسبها بعد إقامته بفرنسا وتكرميه من طرف الإمبراطور نابليون الثالث»، حين قال: حاول بعض المؤرخين الفرنسيين وفي مقدمتهم «بول ازان»، تفسير موقف الأمير عبد القادر من أحداث دمشق 1860 بسمو درجة إنسانيته التي اكتسبها حسب «بول ازان» أثناء إقامته بفرنسا، وكأنه كان متوحشا ورافضا للآخر نتيجة لتعصبه الديني وانتمائه إلى حضارة متخلّفة مقارنة مع الحضارة الغربية.
وعاد الدكتور في تدخّله لحادثة دمشق شهر جويلية 1860، ودور الأمير عبد القادر وتفاعله مع هذه الأحداث، منذ ظهور الصراعات المريرة بين المسيحيين والدروز، حيث قام الأمير بمساعي حتى يمنع وصول الاضطرابات إلى دمشق، ورغم ذالك حصلت المذبحة، وتم الاعتداء عل مقرات القناصلة الأوروبيين، فقام الأمير بتسريح الجزائريين لحماية المسيحيين، بما فيهم القناصلة وأسكنهم بمقر إقامته، وهنا صوّر «بول ازان» مشهدا عظيما، صنعه الأمير عبد القادر، وهو محيط بالمسيحيين من رجال الدين واليتامى.
وكان لهذا الموقف الإنساني حسب نفس المحاضرة صدى كبيرا في الأوساط السياسية والدينية الأوربية، وتمت مكافأة الأمير ماديا ومعنويا، وأصبح يحظى باحترام وتقدير كبيرين من طرف الحكام ورجال الدين الأوربيين، وقال نفس المتحدّث «رغم أن «ازان»، يعترف بأنّ القرآن، يدعوا إلى التسامح والإنسانية، فإنّ نصف العدد من الفرنسيين، يعتقد أنّ هذه الشحنة من الإنسانية، اكتسبها الأمير، أثناء إقامته بفرنسا وتعرفّه على قيم الحضارة الأوربية».
وردّ عليهم «الماجري» من جامعة تونس مستشهدا بأوروبيين، عايشوا الأمير عبد القادر في مختلف مراحل حياته، وأولهم الفرنسي «ليون روش»، رافق الأمير في العديد من تنقلاته وأقام أحيانا في خيمته، أكّد أنّه كان شاهدا على تقوى الأمير إلى درجة تلفت الانتباه والإعجاب، فمن يقرأ كتابه يضيف يدرك بحق درجة التقوى التي بلغها الأمير عبد القادر، وتساءل متعجبا: هل يمكن أن يكون الإنسان، تقيّا وفي نفس الوقت عدوا للإنسانية؟
حسب الماجري، يعتبر الأسرى الفرنسيين ضيوفا، وكثيرا ما كان يساعدهم بماله الخاص ويوفر لهم الظروف الملائمة لإقامة شعائرهم الدينية، وقد طلب من أسقف الجزائر إرسال أحد رجال الدين كي يصلي بالأسرى ويخفّف عليهم قسوة الأسر ويكون واسطة بينهم وبين عائلاتهم، وهي واحدة من الصوّر التي دعّمها الأستاذ المحاضر بشهادة «هنري تشرشل»، الذي قال فيه: لا توجد مثل هذه المعاملات في تاريخ الحروب ويستحيل على القادة المسيحيين النسج على منوال الأمير.
أشار الأستاذ إلى عديد الشهادات في إنسانية الأمير عبد القادر، تسحق كما النقش بماء من ذهب مستدلا بمقولة «تشرشل»، وختمها برأي الجنرال «أوجان دوما» الذي عايش الأمير في تولون لمدة 3 أشهر، ربطته علاقات الودّ والمحبة مع الأمير، وتجسّدت تلك الصداقة حينها في الحوار المتواصل حول الخيول التي أفرزت كتابا، يعتبر أطروحة متميزة في علم الخيول، حسب نفس المصدر.
النخبة المثقفة الأوروبية، تعرفت على إنتاج الأمير عبد القادر قبل العرب
وأضاف الماجري، أن للمؤرخ الجزائري محمد بن الأمير عبد القادر بن محيي الدين الحسني الجزائري، كتابين هامين باعتماد أجوبة الأمير التي أرسلها إلى الجنرال «أوجان رومون «، على الرغم من أنّ الكثير من الفقرات بمؤلّف»عقد الأجياد في الصافنات الجياد»، تكشف عن نقل حرفي لبعض الفقرات، وجدها «الماجري» في النسخة العربية للدراسة القصيرة للخيول، ورد قائلا: في حدود إطلاعي على المصادر والمراجع المتعلقة بعلم وثقافة الأمير عبد القادر، لم أعثر على إشارة واحدة، تفيد أنّه، قد ألّف فصلا في علم الخيول، رغم ما عرف عنه من ولع بها واعتماده عليها في حربه ضد الفرنسيين، ويرجع الفضل حسبه إلى كتابات مما عرفه من الفرنسيين، مؤكّدا بالحجّة، أن النخبة المثقفة الأوروبية، تعرفت على إنتاج الأمير عبد القادر قبل العرب.
وقال: اطّلعت على مصدرين، أثارا في نفسي حيرة فكرية، وهما كتاب محمد بن الأمير عبد القادر وموسوعة العاديات، أضخم موسوعة عربية في الخيول، مؤكّدا أنّه في كتابه تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القار وأخبار الجزائر، خصص ابنه فصلا كاملا لأجوبة الأمير عن أسئلة أرسلها إليه الجنرال الفرنسي ولم يذكر فيها ولو تلميحا الرسائل المتعلّقة بالخيل، بل اقتصر على التي تناولت قضايا المرأة في الإسلام، ولم يذكر في كتاب «عقد الأجياد في الصافنات الجياد « أنّ المؤلف، استفاد من أجوبة الأمير التي أرسلها إلى الجنرال، رغم أنّ محمد بن الأمير، قد نقل حرفيا بعض الفقرات التي وجدها «الماجري» في النسخة العربية للدراسة القصيرة للخيول، وأحيانا يذكر المضمون، ولم يذكر الأمير إلا في مناسبتين كشاعر في مسألة الخيول، حسب نفس المصدر.
وتوصل الأستاذ بعد التمعّن والتدقيق في الكتاب، إلى اكتشاف أثار فقهية وأدبية ومعرفية وحتى بيطرية، تؤكّد سعي الأمير على نشر العلم والمعرفة ورحابة صدره، حين قال، كان للرجل حوارات ومناقشات يومية، استفاد منها « أوجان دوما» وكانت سندا في تأليف كتاب خيول الصحراء سنة 1851، ونظرا إلى رواج هذا الكتاب وما طرحه من أسئلة ومدى سعة الأمير بثقافته في هذا الميدان، طالب الجنرال الفرنسي من الأمير، توضيح بعض المسائل التي أثارها كتابه لدى القراء، ونظرا لطبيعة العلاقة الجديدة بين الرجلين التي تطورت من علاقة ديبلوماسية إلى صداقة، لم يتوان في الإجابة عن كل التساؤلات التي طرحت عليه في رسالة بلغت مساحتها تقريبا 14 صفحة.
حسب التوضيحات المقدّمة، أجاب الأمير صديقة عدوّ الأمس وهو بالأسر، رغم قساوة ظروف الإقامة والشعور بالإحباط، حيث لم يكن أمامه أي كتاب، مما ألّفه العرب في الخيل، معتمدا في ردّه على ما استحضرته ذاكرته من أبيات قرآنية وأحاديث نبوية وأبيات شعرية وروايات مأثورة حول الخيل، فقد أحصى «فرانسوا بيون» 6 رسائل، بعث بها الأمير، وتمكن الجنرال من إضافة 4 منها في كل طبعة جديدة، فيما نشرت البقية بمجلات فرنسية.
وقد نشر الكتاب نقلا عن الأستاذ عبد الكريم الماجري 9 مرات في القرن ال19، وترجم إلى الألمانية والإسبانية والفرنسية، وأكّد «أنّ محتوى الدراسة تؤكّد مدى سعة معارف الأمير وسلامة منهجيته العلمية، مختزلا هذا المضمون في النقاط التالية: أهمية الخيول ومكانتها عند العرب أصلا وشرعا، ترويض الخيول وتأديبها، أمراض الخيل ومداواتها، التنسيل والمحافظة على نقاوة النسل وأفضل فترات التلقيح وأفضل فترات ولادة الفلو وكيفية الحصول عل الجواد الفحل ونقاط أخرى، أثراها الأمير بأجوبته شاملة وجامعة، جعلت من حجم كتاب الجنرال يرتفع من 340 صفحة في الطبعة الأولى سنة 1851 إلى 543 صفحة في الطبعة الصادرة سنة 1864، وهذا ما يفسر وضع اسم الأمير عبد القادر، أحد رموز المقاومة بالجزائر مع اسم الجنرال «أوجان دوما» أحد رموز الاحتلال الفرنسي، وهكذا أصبح الأمير حسب نفس الباحث مشاركا فعليا في تأليف هذا الكتاب الذي أخذ منذ سنة 1855 عنونا جديدا: «خيول الصحراء وعادات البيداء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.