غياب المعادل الموضوعي يدخل قصرا الأسلوب التقريري ما هي موجهات ما قبل الكتابة الإبداعية؟ عدد جيد من الموجهات من الممكن أن تدرج سنتناول هنا أحدها وهو اللاوعي الفردي والجمعي، حين يجد الكاتب نفسه قد مر بتجربة ما أو تأثر بتجربة ما فيحولها بعاطفة إلى حروف من خلال نص إبداعي يزخر هذا النص بإنفعالات الكاتب أمام التجربة فتبدو لغة الكتابة انفعالية دون مسوغ فني مما يجعلنا أمام نص يحمل خلف لغته ظلال ليست إلا تعبير عن أزمات الكاتب النفسية بسبب محيطه الاجتماعي. كاتب ما تعرض إلى الإضهاد في صغره بسبب عدم تناسق أعضاء جسده أو لغرابة تقاسيم وجهه ولطالما سمع تعليقات الصغار والكبار المتهكمة على صفاته الفيزيلوجية، وربما تعرض في مرحلة عمرية مبكرة للتحرش الجنسي أو شاهد جريمة أمام عينيه ولرعبه من أن يتعرض للأذى إختار أن يصمت حينها، أو ربما وظيفة أحد الأبوين أو الأقرباء من الدرجة الثانية والثالثة مستهجنة من المجتمع ولطالما سمع تعليقات أو رأى وممارسات سلبية من بعض المحيطين لهذا السبب، وربما شيء تحمله ذاكرة الكاتب من تعنت من قبل المجتمع لسبب إنتمائه القبلي والديني أو موروثه الجيني. أمثلة عدة عن الكبت وتحقيق الذات والشعور بالدونية بسبب نظرة المجتمع والبحث عن الاعتراف الجمعي كلها مشاكل تترسب في لاوعي الكاتب من دول العالم الثالث. فيحملهاعقله الباطن فتظهر بعض حوارات عن أو بين الشخصيات في نصوصه تعكس هذه العقدة. وسير الحبكة يكون بخطوات يتمناها لو كانت على أرض الواقع فبعنفوان الجريح يقوم بالتنكيل ممن رآهم أعداء له في الواقع والإنتقام بشهوة المتشفي فينقل المشاهد لحيث يشبع نقصه ما أمكن. نموذج آخر للشعور بالاضهاد نجده لدى كاتب ينتمي إلى أحد الأقليات في وطنه الأم، في كتاباته يباشر الانتقام المعكوس من المجتمع حيث يمجد ثقافته الخاصة بعرقه ويوجه اللوم لكل ما هو عداها، مكثفاً جهوده في إطار مسهب وغير مبرر لوضع مشاهد وحوارات في النص السردي هدفه منها تعرية حقائق تاريخية وسياسية هو مؤمن بها، فيدخلها قصراً على نصوصه وبإسلوب تقريري. صورة أخرى لافتة، حين نجد نصوص سردية تعج بمشاهد جنسية لا تزيد في جماليات العمل الإبداعي بل قد تعرضه للركاكة بسبب هذا الزج، مساحات شاسعة يحصرها النص في ذات الحلقة من استعراض وصفي جنسي يصعب أن تتوفر فيه أي فكرة تربطها بالعمل المقدم وتبقى لدى المتلقي أسطر وصفحات قد تتكرر في ذات النص ليصل إلى نتيجة واحدة ما كانت هذه المشاهد والحوارات والشخوص جزء من العمل الأدبي بل فقط تنفيس للكاتب عن عقدة ما لم يتجاوزها ففضح ما يخالجه بتلك الكتابة. غياب المسوغ الفني يلزم حينها وضعها للتشريح النقدي للوقوف على أسبابها، وهذا ما يصفه النقاد بمصطلحاتهم الأكاديمية غياب المعادل الموضوعي. كل هذه النماذج من النصوص تحوي في طيها عملا أدبيا يعكس نوع من اللغة وشخص/شخوص وأحداث تستدعي الوقوف عندها، كما أسلفنا لغياب المسوغ الفني يلزم حينها وضعها للتشريح النقدي للوقوف على أسبابها، وهذا ما يصفه النقاد بمصطلحاتهم الأكاديمية غياب المعادل الموضوعي. تكرار هكذا مشاهد مقحمة في أعمال الكاتب تضع حوله علامات إستفهامية، مثل ما هو الهدف من وراء هذه النصوص المحشوة بشخوص ومواقف ووصف وحوارات تقريرية غير مبررة، ماذا لو حذفت من العمل المقدم هل يتاثر؟ سلباً /إيجاباً؟ الموضوعية والحيادية في الكتابة والتلقي يتطلبان الوعي والذي أعنيه في هذه الورقة شيء ينصب في دراسات اللاوعي إذن الأمر يتعلق بذات الكاتب في المقام الأول وما يحمله عقله الباطن عن مجتمعه. لا ضير من مواجهة الحياة بدعم نفسي ومن ثم الإنتقال إلى مرحلة الكتابة الإبداعية، خير من الدوران في ذات الحلقة المفرغة خاصة إن ثبت فشل كل نص ينشر لذات الكاتب في إثبات غير ذلك. مقولة مصالحة الذات من متطلبات الكتابة الناجحة تميل إلى الصواب بعقلانية الكتابة والتلقي، فللغة أثرها وفعلها في إيصال الفكرة وحالة الكاتب تتجلي عياناً وظلال اللغة التي يحملها نصه. قد يظلم الكاتب المبدع نفسه في نصوص من هذا القبيل والمحيطين به من متلقيين لا يهمهم أمره إن أدركوا إشكاليته. فقد نجد عدة نصوص لذات الكاتب تدور في ذات الفلك وكلها تعكس ذات العقدة/العقد التي يعاني منها ودور النشر تجني ريعها والمتلقى يبتلى بهذه الكتابات ويندر وربما ينعدم أن نجد من يحلل هذه النصوص بالعمق النفسي والإجتماعي ليفسر لنا أننا أمام كاتب يتطلب أن يتلقى علاجاً من علة نفسية قبل أن يقوم بالكتابة ونشر نصوصه. لا ضير من مواجهة الحياة بدعم نفسي ومن ثم الإنتقال إلى مرحلة الكتابة الإبداعية، خير من الدوران في ذات الحلقة المفرغة خاصة إن ثبت فشل كل نص ينشر لذات الكاتب في إثبات غير ذلك.