يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول أن الدخول إلى الأسواق الخارجية يتطلّب وجود مؤسسات عمومية وخاصة ذات نوعية وتتحكم في كلفة الإنتاج لمواجهة التنافسية، مشيرا في ندوة لدى نزوله ضيفا على «الشعب» إلى أنه في غياب هذا الشرط أي الجودة والكلفة فإن الدخول إلى تلك الأسواق أمر صعب، وهو مسار أصعب بالنسبة خاصة للأسواق الإفريقية، حيث يتنافس الكبار مثل الصين والولايات المتحدة التي تشتغل شركاتها على أساس مخططات تمتد على مدى 20 سنة للتموقع في بلدان القارة السمراء التي تشير الدراسات إلى أنها ستكون في 2030 القاطرة بانتقال النمو من آسيا إلى إفريقيا. والدليل على اهتمام البلدان القوية في العالم بوجهة إفريقيا تسجيل سلسلة من المواعيد الاقتصادية الكبرى احتضنتها القارة السمراء بادرت بها الاتحاد الأوروبي، تركيا، اليابان، أمريكاوالصين وذلك من اجل التمركز في مختلف المناطق الإفريقية حيث توفر الأسواق هناك مؤشرات ايجابية لصالح النمو من خلال ارتفاع حجم الطلب بفعل تزايد تعداد السكان وتحسن معدلات التنمية الاجتماعية ووفرة الموارد مثل الطاقة واليد العاملة غير المكلفة. وعن إمكانيات الاقتصاد الجزائري لكسب رهان الولوج إلى مختلف الأسواق الإفريقية، فإنها حسب الخبير متواضعة وليست بالحجم الذي يغيّر معادلة التجارة والاستثمارات ذلك أن الصادرات خارج المحروقات في سنة 2015، تهيمن عليها المحروقات بنسبة 95 بالمائة والت 5 بالمائة المتبقية تشكل من صادرات مشتقات المحروقات ولا يمثل القطاع الخاص في كل هذه المعادلة غير المتكافئة سوى 1 بالمائة ما عدا عدد قليل من المؤسسات الخاصة بادرت باقتحام السوق الإفريقية على غرار كوندور وسيفيتال. وعن المؤشرات التي يمكن البناء عليها يسجل محدثنا، أن القطاع الصناعي الذي يفترض أن يكون قاطرة التصدير لا تتعدى حصته في الناتج الداخلي الخام نسبة 5 بالمائة ومن مجمل هذه الحصة فإن 95 بالمائة من نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا تتماشى مع شروط المنافسة العالمية، كما أن حوالي 99 بالمائة منها تعاني من مديونية لدى البنوك. القرض السندي لاستقطاب الأموال المتداولة في السوق الموازي بخصوص مدى قدرات القطاع الخاص الوطني في المساهمة في القرض السندي الاقتصادي الذي يرتقب إطلاقه في منتصف أفريل الجاري لمواجهة أزمة تراجع الإيرادات معالجة جانب من العجز على مستوى الميزان التجاري اعتبر مبتول أن القطاع الخاص لا يساهم بالحجم المطلوب، إنما التركيز يكون على استقطاب السوق الموازية التي تتوفر على موارد تعادل 50 مليار دولار بحيث من الضروري في ظلّ هذا الوضع الصعب إدماج هذا القطاع في الديناميكية الاقتصادية. ويؤكد في هذا السياق، أن الحكومة على درجة من الوعي بهذا خاصة وأن عملية الامتثال الضريبي التي تمّ اعتمادها لم تحقق الأهداف المسطرة، ولذلك يأمل أن يحقق القرض السندي النجاح المطلوب باستقطاب أكبر حجم ممكن من السيولة المالية لتوجه إلى الجهاز الاقتصادي. ومن أبرز شروط نجاح العملية يشير مبتول إلى أمرين أساسيين، ويتعلق الأمر هنا بالحرص على أن لا يتعدى معدل التضخم نسبة 5 بالمائة (وبالتالي لا تقل نسبة الفائدة عن هذا المؤشر) وأن تتراوح آجال القرض من 5/ 8 إلى 10 سنوات، ذلك أن التحكم في قيمة العملة والضغط على مؤشر التضخم إلى الأدنى حتمية جوهرية ليحقق القرض أهدافه الكبرى. وفي مثل هذه الوضعية التي تتميز بأزمة إيرادات مالية ينبغي أن تمّ معالجة مسألة السوق الموازية بإدراج متعامليها في الإطار القانوني وفقا لآليات جذابة ومحفزة وعليه طالب مبتول من يتحدثون عن تبييض الأموال تقديم الحلول الواقعية والممكنة. ويضيف قائلا «لما كنت الرجل الثاني في مجلس المحاسبة لم نكن كقائمين على الشأن الاقتصادي على درجة من الوعي بالنسبة للتحولات وتداعياتها على النمو فحصلت أزمة التسعينات، أما اليوم فإن الحكومة مدركة لذلك وقد ساهمت في تسليط الضوء على الموضوع من خلال مساهمة تندرج في سياق التصدي للانعكاسات السلبية المستقبلية». 2016/ 2020 مرحلة النموذج الاقتصادي الجديد وتحسبا للمرحلة المقبلة التي تمتد على مدى سنوات 2016 / 2020، فإنه يجري ترقب برنامج جديد انطلاقا من الكشف عن النموذج الاقتصادي الذي يمهّد الطريق أمام الاستثمار والتنمية. وفي هذا الإطار يعتبر الخبير مبتول أن التركيز ينبغي أن ينصب على قطاعات حاملة للنمو وممكنة الاستثمار محليا وهي الفلاحة التي ترتبط بسياسة المياه والانتهاء من مشكلة العقار الذي يجب برأيه أن يجد حلا من أجل تشجيع الاستثمار في الفلاحة واسعة النطاق بكافة أصنافها. فالاستثمار الفلاحي يندرج في خانة الاستثمارات الثقيلة ويتطلب فترات متوسطة وطويلة لاسترجاع الثمار ولذلك يرتكز على عنصر الثقة تجاه العقار (الحسم في مسالة الملكية)، فإن غابت لا يمكن انتظار نتائج كبيرة. ويطرح هذا التوجه بأبعاده الاقتصادية الهائلة مشكل ضمان وفرة المياه خاصة في ضوء التحذيرات التي صدرت عن منظمة الأممالمتحدة بتوقع خبرائها حدوث جفاف آفاق 2020 / 2025، مما يستدعي الشروع في إعداد البدائل وأولها تنمية تحلية مياه البحر وتوسيع تطهير المياه المستعملة ضمن برنامج لاسترجاع هذه المادة ورسكلتها. ويؤكد بهذا الصدد أي تجاوز أزمة المياه التي تلوح في الأفق بالنظر لتوقعات الخبراء لمستقبل الماء في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة المتوسط يدعو الدكتور مبتول إلى اعتماد أنظمة وتقنيات إنتاج وتسيير هذه الثروة توفرها التكنولوجيات الجديدة التي تشكل الحلقة المتينة للتطور في هذا القرن ال 21 ولها ارتباط مباشر بالأمن ومن ثمّة ضرورة التزام الاحتياط من خلال إرساء اقتصاد المعرفة. كما ترتبط السياحة بجانب الأمن الذي له انعكاسات اقتصادية، خاصة بالنسبة لنمو السوق السياحية والاستثمار في هذا القطاع الذي تحقّق من خلال بلدان إيرادات تتعدى ما تجنيه بلادنا من المحروقات. وتفاديا لتضييع مزيد من الوقت بالرهان على السياحة في الجنوب التي تعتبر حساسة وتأثر بما يجري بالمحيط الإقليمي، فإن التركيز يمكن تحويله بشكل مكثف باتجاه الهضاب العليا ومناطق في الشمال لا تزال تعاني من تأخر الاستثمارات السياحية بالرغم من توفرها على خصائص جذابة. وقلل من التذرع بظاهرة الإجرام العام لتبرير تأخر السياحة في بلادنا كون كابر العواصم السياحية في العالم تعاني مدنها من الظاهرة وبمستوى إجرامي أعلى ولذلك، فإن المشكل في السياحة نفسها من حيث الاحترافية والنجاعة وتطوير الخدمات وكذا التحكم عرض سوق للسياحة بأسعار تنافسية تراعي مستويات الدخل الوطني. ليونة في شروط الاستثمار لتحسين استقطاب الرأسمال الأجنبي يرتبط مسار الاستثمار المنتج بضرورة تطوير شروطه وإدراك متطلبات جذب الرأسمال الأجنبي وتأطيره نحو قطاعات منتجة للثروة ومؤهلة للتصدير. ويتوقف الخبير مبتول عند القاعدة 51/49 التي تحكم معادلة الشراكة الأجنبية داعيا إلى التمييز بين القطاعات الإستراتيجية التي يجب أن تشملها وغيرها من القطاعات التي لا ينطبق عليها هذا الطابع، والتي يمكن فتح رأسمالها واعتماد ليونة بشأنها مع تطبيق شرط «أقلية التعطيل» للطرف الوطني ( minorité de blocage) التي تعزز بأحكام تنظيمية تمنع تعسف أو تلاعب الطرف صاحب الأغلبية في أسهم المؤسسة القائمة على الشراكة الأجنبية. ومن شأن اعتماد الليونة في قطاعات مثل السياحة وفروع صناعية مختلفة أن تستقطب متعاملين أجانب خاصة وأن السوق الجزائرية لا تزال تتوفر على عناصر النجاح لتنافسينها إقليميا وقوة الطلب فيها. وبشأن الصناعة، فإن الخبير يعتبر من الخطأ التركيز على قطاع الميكانيكا والفولاذ إذا لا يتوقع تحقيق النمو المحلي في غياب مستوى مرتفع من الاندماج (النجاعة تنطلق من إنتاج 100 ألف سيارة وأكثر) إلى جانب تراجع أسعار الفولاذ في السوق الدولية، مما يتطلب التحكم في دراسة الأسواق وضبط الاحتياجات مقارنة بالضرورة الاستثمارية. كما حذّر من التداعيات السلبية لمختلف عمليات التطهير المالي التي تكلف الخزينة ولا تحقق الجدوى منها، حيث الرفع من وتيرة الإنتاج وتحسين معدلات الإنتاجية.