للجزائر دور محوري في استقرار المتوسط وإفريقيا أكد الخبير الاقتصادي الجزائري، عبد الرحمان مبتول، في حوار لمجلة «لوبوان» الفرنسية عن سؤال حول تراجع أسعار البترول من 100 دولار في جويلية 2014 إلى أقل من 35 دولار في جانفي 2016 وتداعيات ذلك على الاقتصاد الوطني، أن الجزائر خلافا للوضع سنة 1986 تملك اليوم احتياطات بالعملة الصعبة لا تزال معتبرة ولديها مديونية خارجية ضعيفة بأقل من 4 ملايير دولار، لكن عليها العمل خلال وقت وجيز لإنجاز الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. وأشار إلى أن فقدان معدل دولار واحد يكلف البلاد خسارة بين 700/800 مليون دولار في السنة، علما أن الصادرات من مشتقات المحروقات بلغت 34 مليون دولار في 2015 مقابل 57 في2014 بينما الواردات تتعدى ال60 مليار دولار. لذلك يضيف تعيش البلاد على عاتق احتياطي العملة الصعبة الذي تقلص استنادا لأرقام ال»افامي» من 192 مليار دولار إلى 143 مليار دولار بنهاية 2015، وإذا استمر الوضع بنفس الوتيرة إلى جانب عجز في الميزانية بأكثر من 36 مليار دولار فإن احتياطي صندوق ضبط الإيرادات يستنزف خلال سنة 2017 ويتعرض الاحتياطي لضربة قوية. غاز النفط الأمريكي أخلط الخارطة الطاقوية العالمية وعن عما إذا كان انهيار أسعار البرميل مسألة ظرفية أو اقتصادي أو جيوسياسي، أوضح مبتول أن هناك ركودا على مستوى الاقتصاد العالمي وتباطئا في البلدان الناشئة مثل البرازيل والهند وخاصة الصين، إلى جانب عودة إيران إلى السوق بعد رفع العقوبات الدولية. كما يوجد تحول في النموذج العالمي للاستهلاك الطاقوي إثر الندوة العالمية للتغيرات المناخية (كوب 21)، إضافة إلى الزيادة في الإنتاج العالمي بدخول الغاز الصخري وغاز النفط الأمريكي الذي أخلط الخارطة الطاقوية العالمية، ولكن أيضا عامل جديد يتمثل في اكتشاف حقول ضخمة شرق المتوسط إلى جانب إفريقيا، حيث بلد مثل موزمبيق يمكنه أن يصبح ثالث خزان للذهب الأسود في القارة بداية 2017 إلى جانب عودة مرتقبة للعراق وليبيا. غير أن الخلافات القائمة بين السعودية وإيران تنعكس سلبا على التوازنات داخل ال»اوبيك» وتؤثر بشكل مباشر على بلدان مثل روسياإيرانوالجزائر أيضا. ادّخار الأسر والقرض السندي عاملان مهمان وحول سؤال عما إذا كان الوضع وإجراءات التقشف يقود إلى انفجار اجتماعي، أوضح مبتول بلسان الخبير المتبصر أنه قد تم استخلاص العبرة من الصدمة البترولية الحاصلة سنة 1985 التي أدت إفرازاتها إلى وقوع أحداث 1988، مشيرا بهذا الخصوص إلى أن للجزائريين اليوم القدرة لمواجهة الزيادات المتضمنة في قانون المالية 2016 بحيث لم يسبق أن تحسن الادخار لدى الأسر الجزائرية كما هو في هذه الفترة مما يسمح للعائلات بمواجهة الوضع. وأضاف أنه لا يعتقد أن البلاد تدخل في وضعية كما حصلت في 1988 كون لديها قدرة تكفي لتغطية احتياجات السنوات الثلاث القادمة فيما تقوم الدولة من جانب آخر باتخاذ الإجراءات الوقائية مثل إطلاق القرض السندي الاقتصادي الذي يجب أن يوجه حصريا للاستثمارات الاقتصادية ومعالجة العجز في الميزانية. ولمواجهة أزمة الطاقة التقليدية في أفق 2030، أشار الخبير مبتول إلى توجه الجزائر نحو اعتماد مصادر الطاقات المتجددة والبديلة للمحروقات لتغطي 40 بالمائة من احتياجات الطاقة الكهربائية مقابل ارتفاع الساكنة إلى 50 مليون حينها. ويدفع هذا إلى ضرورة التوجه نحو إنجاز تحول طاقوي يرتكز على الطاقة الشمسية والرياح. ولذلك يقول، ينبغي أن ترفع الجزائر تحدي الطاقة الشمسية باستثمارات ملائمة بالصحراء كون الطاقة مسألة اقتصادية لكنها أيضا سياسية لارتباطها بالسيادة الوطنية للدول وأمنها. منعرج التحول الصعب ومكافحة البيروقراطية والفساد وبخصوص رؤيته المستقبلية في ضوء مسار الإصلاحات، أشار الدكتور مبتول بنبرة تفاؤلية إلى أنه ينبغي أن تستغل الجزائر فترة الأريحية المالية النسبية الراهنة وضعف المديونية الخارجية لعقلنة احتياطاتها بالعملة الصعبة، بحيث يجب تحويل كل هذا إلى ثروة حقيقية وتحرير الإرادات الخلاقة، داعيا في ذات الحوار المتضمن في مجلة «لوبوان» بالعدد الصادر في 24 مارس الجاري، إلى ضرورة انجاز التحول الصعب من اقتصاد يرتكز على إيرادات صادرات المحروقات إلى اقتصاد خارج المحروقات، ومن ثمة جعل نهاية فعلية للريع الذي لا يشجع الجهاز الإنتاجي. وفي هذا الإطار أشار إلى جدوى مواصلة مكافحة البيروقراطية وكافة أشكال الفساد الذي يهدد امن البلاد مبرزا مدى أهمية الارتكاز على الثروة البشرية التي تزخر بها الجزائر بما فيها النخبة من الكفاءات المنتشرة في العالم. وبرؤية أوسع، أكد مدى الانعكاسات الايجابية للدفع بمسار بناء اندماج مغاربي مثلما يدعو إليه منذ سنوات لمواجهة التحديات المشتركة، خاصة الأمنية منها التي تهدد المنطقة بكاملها، وهي المنطقة المغاربية التي يمكن أن تكون جسرا يربط بين أوروبا وإفريقيا التي تتوفر على موارد ضخمة وتتجه لان تكون قاطرة نمو الاقتصاد العالمي آفاق 2030/2040. وأكد مبتول على حيوية الدور المحوري للجزائر محذرا من ان أي مساس باستقرارها سيحدث صدمة يشمل مداها كل منطقة المغرب العربي وحتى إفريقيا وبالطبع أوروبا وبدرجة أولى فرنسا، موضحا أن للجزائر القدرات المختلفة لتجاوز المرحلة الصعبة والمساهمة في استقرار المنطقة الأورومتوسطية والإفريقية.