جاء التعديل الحكومي الذي بادر به رئيس الجمهورية، مطلع شهر جوان الجاري، الذي لطالما كان منتظرا، لاسيما من قبل الطبقة السياسية، جزئيا ومركزا، استهدف قطاعات معينة حاسمة في خطوة التنويع الاقتصادي التي تراهن عليها الجزائر للتخلص من التبعية للمحروقات وبناء اقتصاد وطني لا يكون رهينة تقلب أسعارها في الأسواق العالمية، تحت إشراف الوزير الأول عبد المالك سلال. لعل ميزة التعديل الحكومي الذي أجراه رئيس الجمهورية، أمس، استهدافه قطاعات جوهرية وحساسة تحسّبا للمرحلة المقبلة، في مقدمتها وزارتا المالية والطاقة، وكذا القطاعات التي تراهن عليها الحكومة لتجسيد المخطط الاقتصادي، البديلة عن الذهب الأسود، على غرار السياحة والفلاحة. يعول على التعديل الجزئي في إعطاء دفع وتفعيل خيار تنويع الاقتصاد الوطني، والشروع في تجسيده الميداني، خاصة وأن الظرف الاقتصادي صعب ويرجح أن يتعقد بفعل تبعات الأزمة الاقتصادية، حتى وإن سجل سعر البرميل انتعاشا ببلوغه عتبة الخمسين دولارا، لأن توازن الميزانية يتوقف على سعر 90 دولارا. تعيين بابا عمي حاجي، المشهود له بكفاءته، الذي شغل عدة مناصب، خلفا لوزير المالية السابق عبد الرحمان خالفة، يكتسي أهمية بالغة في المرحلة المقبلة، التي تتميز أساسا بتجسيد المخطط الاقتصادي، ليس فقط لتجنيب الجزائر تسونامي الأزمة الاقتصادية، الذي أعقب الزلزال العنيف الذي ضرب الاقتصاد العالمي وإنما للتأسيس، بطريقة نهائية، لاقتصاد غير قائم على التبعية ولا اقتصاد رهينة تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية. وكان اسم بابا عمي، الذي شغل منصب وزير منتدب لدى وزير المالية مكلف بالميزانية، قد تم تداوله في الفترة الأخيرة، ورجح أن يخلف بن خالفة الذي واجه انتقادات كبيرة، لاسيما بعد إقرار الزيادات في بعض المواد واسعة الاستهلاك؛ خيار أكد أن لا بديل عنه في ظل المستجدات الاقتصادية، خاصة وأن بعضها، على غرار أسعار الكهرباء والغاز، لم تشهد زيادات منذ العام 2005. وعين معتصم بوضياف وزيرا منتدبا لدى وزير المالية مكلفا بالاقتصاد الرقمي وتطوير النظام المالي، ما يؤكد الأهمية التي توليها الدولة لهذا الجانب في الخطوة المقبلة عليها. وفي الوقت الذي كثر فيه الحديث عن الضائقة المالية التي تعيشها شركة “سونلغاز”، والحديث عن إقرار زيادات مجددا للمرة الثانية على التوالي، بعد الزيادة الأولى التي طبقت مطلع السنة الجارية، وضعية ازدادت سوءاً ليس لعدم إقرار السعر الفعلي فقط، وإنما لعدم تسديد زبائنها المستحقات وكذا الغش باستغلالها دونما خضوع ما تم استهلاكه للفوترة، أسند رئيس الجمهورية القطاع ككل ممثلا في الطاقة، إلى الرئيس المدير العام للمؤسسة نورالدين بن طرفة، الذي تقع على عاتقه مهام كبيرة، لا ترتبط بالأسعار فقط وإنما بمستقبل القطاع عموما. وسيكون بن طرفة أمام مهمة ليست بالهينة. عمار غول الذي بات الوزير السابق، ربما يكون المفاجأة الحقيقية، لأنه متواجد في الجهاز التنفيذي منذ العام 2000، الذي دخله ممثلا لحركة مجتمع السلم آنذاك، قبل أن يغادرها ويسير على نهج زملائه في الحركة بتأسيس حزب تجمع أمل الجزائر - تاج، وقد تم تداول اسمه بقوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عقب الإعلان عن التعديل. أمر منطقي، قياسا إلى مدة بقائه في الحكومة، التي تداول خلالها على عدة مناصب، آخرها وزير التهيئة العمرانية والسياحة والصناعات التقليدية، التي أسندت إلى عبد الوهاب نوري، مع تغيير التسمية وزير تهيئة الإقليم والسياحة والصناعة التقليدية، قادما إليها من وزارة الموارد المائية والبيئة التي حلّ محله فيها عبد القادر والي الذي كان يشغل منصب وزير الأشغال العمومية، قطاع ألحق بوزارة النقل التي يشرف عليها بوجمعة طلعي. الفلاحة بدورها قطاع حساس وحيوي، استفاد من دعم كبير من الدولة، التي لطالما راهنت عليه، أسنده رئيس الجمهورية إلى الوزير عبد السلام شلغم وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد، الذي خلف سيد أحمد فروخي. ويكون الوافد الجديد على القطاع أمام تحد هام. من جهة أخرى، تعزز الجهاز التنفيذي بتعيين بوعلام بسايح وزيرا للدولة، مستشارا خاصا وممثلا لرئيس الجمهورية. وتمثل غنية الدالية وزيرة العلاقات مع البرلمان، التي تخلف الطاهر خاوة عن حزب جبهة التحرير الوطني، العنصر النسوي الذي يضاف إلى الوزيرات الثلاث في الحكومة، يتعلق الأمر بوزيرة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال إيمان هدى فرعون، ووزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة منية مسلم ،ووزيرة التربية نورية بن غبريت والوزيرة المنتدبة لدى وزير السياحة المكلفة بالصناعة التقليدية عائشة تقابو.