قد يكون لعدم الاستقرار المزمن في الصومال أسبابه الممتدة إلى الماضي الاستعماري، فهذه الدولة مثل كل دول الجنوب وقعت فريسة الاحتلال، ولتعاستها أنها لن تتعرض لمحتل واحد بل تداولت عليها ثلاث دول إستعمارية هي فرنسا ثم إيطاليا ثم بريطانيا اللاتي قمن بتمزيق أواصرها وأصبحت مفتتة إلى ما يشبه الدويلات، فكان هناك الصومال الإيطالي والصومال البريطاني، وبعد الاستقلال الذي تم إعلانه رسميا يوم 26 جوان ,1960 بدأ الصومال الجديد يحاول »ترقيع« ما مزقه المستعمر، لكن ظهر منذ البداية أن الأمر قد يكون مستحيلا ولن يقوى عليه حتى أمهر الجراحين، كما ظهر أن الشرخ أصبح عميقا بين أوساط الشعب الصومالي الذي أخذ بعضه يتصارع على السلطة ويسعى لاحتكارها ولو بإراقة الدماء. فلقي أول رئيس وهو »عبد اللّه عثمان واحد« الذي انتخب عام 1960 أي مباشرة بعد الاستقلال مصرعه عام 1967 على يد وزير الأول »على شرماك« الذي قتل هو الآخر في 15 أكتوبر ,1969 وفي نفس السنة استولت مجموعة عسكرية بقيادة الجينرال »محمد سياد بري« على السلطة وأعلنت الجمهورية الديمقراطية للصومال. وقد استطاع »بري« أن يصمد في الحكم ويجهض كل محاولات الإطاحة به لكنه عمليا عجز عن تحقيق أي تنمية، فالشعب ظل يعاني وزادت معاناته مع الجفاف الذي واجهته البلاد بين سنتي 1974 و.1975 كما واجه الصومال فترة حرجة بين سنتي 1977 و1978 عندما نشب نزاع مسلح بينه وبين إثيوبيا حول منطقة أو تمادت الحدودية والتي تهيمن عليها أديس أبابا وتصر مقديشو على استعدتها باعتبار أن كل سكانها صوماليين. وقد خلّف هذا النزاع الذي تزامن مع انهيار الإمبراطورية الاثيوبية ما يقارب مليوني لاجيء وأعدادا مضاعفة من الجياع، وانتقاما من »سياد بري« قررت إثيوبيا دعم الحركات الصومالية المنتشرة في الشمال والداعية الى الاستفحال، وهنا بدأت الأيدي الأجنبية تصب الزيت على النار وتخلط الأوراق وتعبث بأمن واستقرار الصومال، حيث دعمت إنشاء عدة حركات معارضة وسلحتها وآوتها ووجهتها لهدف واحد، وهو ضرب الصومال الذي تحوّل مع الأيام الى ساحة لحرب أهلية أطرافها المحركة هي دول خارجية عديدة تنفذ أجندات خاصة. المتعطشون للدم وللسلطة في سنوات الثمانينات من القرن الماضي تشكلت أعدادا كبيرة من الحركات المعارضة وبدأت أعمال التمرد تجتاح البلاد لتتحول إلى حرب أهلية شرسة وقد حاول الرئيس »سياد بري« الصمود والمواجهة لكنه عجز ففر بجلده في جانفي 1991 تاركا السلطة شاغرة والبلاد غارقة في حمام دم. تحت رحمة أمراء الحرب، وسقط في هذه الفترة العصيبة نحو 50 ألف قتيل وتشرد الآلاف وقد أثر الاغتيال على وصول الامدادات الغذائية. فمات جوعا 300 ألف شخص وقد تولى رأس الدولة المنهارة أميران من أمراء الحرب هما »علي مهدي محمد« و»فرح عيديد« وسرعان ما عاد النزاع ليتفاقم بينهما والوضع يتأزم، فقررت أمريكا عام 1992 التدخل من خلال عملية أطلقت عليها اسم »إعادة الأمل« أرسلت بموجبها واشنطن قوات من المارينز الذين تعرضوا الى مذابح شنيعة على أيد المسلحين الصوماليين، مما جعلهم ينسحبون، ويعوضون بقوات حفظ السلام الأممية »أونسوم«. وقد حاولت الوكالات الدولية استئناف عملية توزيع المساعدات الانسانية، لكن المعارك بين الفصائل التي كانت تنبت كالطفيلات، إزدادت ضراوة وحالت دون ذلك، وسادت حالة كره وحقد تجاه القوات الأممية، كما كان الأمر مع القوات الأمريكية وأصبحت »أونسوم« مستهدفة وتعرضت لضربات موجعة، إذ لقي 151 جنديا من القبعات الزرق مصرعهم الأمر الذي أدى إلى انسحاب القوات الأممية عام .1995 العالم يرفع أيديه ويدير ظهره في ظل هذه الأوضاع المتفاقمة والمتعفنة، رفع العالم أيديه وترك المتعطشين للدم وللسلطة يتصارعون، فانهارت بقايا الحكم ولم يعد للصومال وجود بمختلف المؤسسات الدولية، كما لم تعد الصومال نفسها دولة، وفي أوت 1996 لقي الجينرال »محمد فرح عيديد« مصرعه وحمل نجله حسن فرح عيديد معول الهدم وواصل الى جانب الفصائل الأخرى ضرب الصومال وتحطيمه إلى أن تفتّت وتوزع بين أمراء الحرب الذين انفرد كل واحد بجزء حوله إلى مملكته الخاصة وبقيت السلطة طول السنين الماضية تبحث عن رئيس ينقذ البلاد، لكن كل رئيس كان يأتي إلا وينقلب عليه الأمراء فيفر هاربا تاركا الصومال تحت رحمة العنف والإقتتال، والشعب يأكل الحصرم والعالم من حوله يتفرج أو يدير ظهره ولا يبالي.