في حديثه إلى " صوت الأحرار" يناقش الدكتور ريموند قبشي مستشار الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز لشؤون العالم العربي، والأستاذ في معهد الدراسات الدبلوماسية العليا التابع لوزارة الخارجية الفنزويلية، آفاق التعاون بين دول الجنوب باعتباره الخيار الوحيد في مواجهة الأزمات الخطيرة التي تعصف بالعالم على كل المستويات، ويعتبر قبشي أن اللحظة التاريخية الآن مناسبة لتحقيق وحدة الجنوب في ظل صعود حكومات تقدمية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا. أجرى المقابلة في جزيرة مارغريتا الفنزويلية : نجيب بلحيمر ***تنعقد هذه القمة بعد ثلاث سنوات من قمة أبوجا الأولى بين إفريقيا وأمريكا الجنوبية، أين وصل التعاون بين دول الجنوب ؟ **علينا ألا ننسى بأن العالم يعيش الآن حقبة جديدة في كل المجالات، قبل الأزمة التي وقعت فيها الرأسمالية العالمية وبعدها، لأول مرة في تاريخ أمريكا اللاتينية نجد قوى تقدمية وصلت إلى أكثر من بلد في أمريكا الجنوبية، عهد الحكومات العسكرية الانقلابية التي كانت وراءها حكومات الولاياتالمتحدةالأمريكية ولى، وما يحدث الآن في هندوراس خير مثال على ذلك، فقد رفضت أمريكا اللاتينية قاطبة ومعها معظم دول العالم الانقلاب العسكري ضد الرئيس زيلايا، لذلك أصبح شيئا طبيعيا أن تنظر أمريكا الجنوبية إلى عالم الجنوب نظرة تختلف عن النظرات السابقة، حكومات تقدمية واشتراكية وتطالب بعالم متعدد الأقطاب، عالم يسوده السلام والتعاون. مؤتمر أبوجا كان فاتحة خير حيث أن القارتين تعارفتا وتبادلتا الآراء، وكل بلد طرح مشاكله وما هي الحلول لتلك المشاكل، رؤيتنا هي أن الأدران التي تعاني منها أمريكا الجنوبية هي نفسها التي تعاني منها إفريقيا، الجوع الفقر والأمية وغيرها من المشاكل، وما دام العالم مقدما على عولمة هي في الحقيقة أمركة فكان من الطبيعي أن نفتش عن تضامن عولمي على الأقل لدول أمريكا الجنوبية كي نستطيع سوية أن نحل هذه المعضلة التي تواجهنا في أمريكا الجنوبية أو إفريقيا، هناك مثل في أمريكا الجنوبية يقول إن السير في اتجاه الشمال هو السير نحو الاتجاه الصحيح، لقد أعدنا النظر في هذا القول ورئيسنا شافيز يقول إن شمالنا هو الجنوب، بمعنى أن تطلعاتنا لحل مشاكلنا عليها أن تمر بدول الجنوب, هذه هي الأفكار التي حذت بالقادة التقدميين في أمريكا الجنوبية وإفريقيا أن يدعوا إلى مؤتمرات نسد فيها الفجوات التي تباعد بيننا، وأن نخلق ظروفا تسمح بمد جسور التعاون بين بلداننا، وعندما أتكلم عن التبادل لا أقصد التبادل بين الرأسماليين بين بلد وآخر لأن هذه العلاقات لا تصل إلى الشعب، نحن نقول بشمولية العلاقات يكون التبادل تجاريا وثقافيا وإنسانيا. ***حتى نكون أكثر تركيزا، أي نحن من الأهداف التي سطرت في أبوجا ؟ **سأعطيك مثالا واضحا ومن خلاله يمكن أن نعرف التغير الحاصل، بلد مثل البرازيل كانت له مع إفريقيا تبادلات تجارية لا تتعدى قيمتها 600 مليون دولار في السنة، بعد ثلاث سنوات وصل التبادل بين البرازيل وإفريقيا وصل إلى 20 مليار دولار والأرجنتين غير بعيدة عن هذا الرقم وكذلك فنزويلا، وهناك آلاف من الطلاب الأفارقة يدرسون في أمريكا اللاتينية، وآلاف الإفارقة يعالجون في أمريكا اللاتينية، وهناك آلاف المدربين الرياضيين، قادة البلدان هنا يفهمون التبادل على أنه يجب أن يشمل جميع فئات الشعب ولا يبقى على مستوى نخب معينة. ***هناك أفكار عملية لتعزيز التعاون بين دول الجنوب، مثل إنشاء خطوط جوية مباشرة بين دول إفريقيا ودول أمريكا الجنوبية، وهناك فكرة استحداث عملة لدول الجنوب تكون بديلا عن الدولار، وبنك الجنوب وصندوق الجنوب، هل هناك من مؤشر على إمكانية تجسيد هذه الأفكار ؟ **هناك مشاريع من هذا القبيل طرحت وهي قيد الدراسة وقناعتي بأن القمة ستتخذ قرارات مهمة جدا بهذا الخصوص، كمثال على هذا تشكلت مجموعة من دول إفريقية نفطية من ضمنها الجزائر، ودول من أمريكا الجنوبية ومنها فنزويلا لدراسة موضوع التعاون بين أفريقيا وأمريكا الجنوبية في مجال الطاقة، وهناك حديث عن التبادل في مجال السياحة، أنا أتساءل، أنتم في الجزائر أو في أي بلد إفريقي تذهبون إلى أوروبا لتأتوا إلى هنا ونفس الشيء بالنسبة للذين يسافرون من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا، أي أن رحلة أربع أو خمس ساعات تصبح رحلة بعشرين ساعة وهذا وضع غير طبيعي ولذلك لابد من مد جسور التعاون في كل المجالات، ولحسن الحظ هذه الأمور ليست مجرد أفكار في مخيلة الرؤساء بل هي ضمن جدول أعمال القمة وقناعتي هي أننا سنصل إلى اتخاذ إجراءات عملية كي تجسد هذه الأفكار، ولحسن الحظ أن فنزويلا ستكون مسؤولة خلال السنتين القادمتين عن متابعة هذه القضايا، وبلد ملتزم مثل فنزويلا ورئيس ملتزم مثل شافيز سيساعدان على بلوغ هذه الأهداف خاصة وأنه بعد سنتين ستعقد القمة الثالثة في ليبيا، وليبيا أيضا بلد ملتزم بهذا النهج، وستكون متابعة لهذا المسار، وأتصور أن هذه الاقتراحات مثل العملة الموحدة، وحتى بنك مركزي موحد نودع فيه احتياطنا المالي، بدل أن نضعه في بنوك في الغرب وأمريكا التي تعيده إلينا على شكل ديون، ستتحقق يوما ما. ***هناك اختلاف في مواقف دول الجنوب، هناك من يريد أن يدفع الأمور إلى أبعد نقطة مثل الجزائر وفنزويلا وليبيا، وهناك دول أخرى تبدو وكأنها تساير الآخرين دون قناعة واضحة، أين نحن من رؤية موحدة وواقعية للتعاون والتكتل بين دول الجنوب ؟ **منذ ستين سنة بدأت أوروبا مساعيها لتحقيق الوحدة، وإلى اليوم هناك دول أوروبية لا تزال خارج هذه الوحدة، فنحن لا يمكننا أن نفعل ما نريد بالإجماع، لكن ما أستطيع أن أكده هو أن القافلة ستسير والمرضى سيبقون على حافة الطريق، هناك رغبة أكيدة لدى دول تقدمية تعي مصلحة شعبها، وتعي دورها التاريخي، هناك قيادات تاريخية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وهذه الدول والقيادات تريد المضي سريعا نحو تحقيق الوحدة وتجسيد المشاريع التي تعود بالخير على شعوبنا، وهناك الدول التي تمثل الطابور الخامس في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وإذا اعتمدنا منطقها سنتوقف عن السير، علينا أن نسير مع الدول التي تؤمن بمصلحة شعبها والتي تؤمن بوحدة الجنوب، ولأول مرة في التاريخ نجد هذه القيادات التي تسعى بإخلاص إلى تجسيد ما ترغب فيه الشعوب من وحدة وتضامن وازدهار. ***هناك دعوات من دول الجنوب لإعادة صياغة النظام الاقتصادي والمالي العالمي، هل يمكن الحديث عن رؤية موحدة لدى دول الجنوب حول هذه المسألة خاصة وأن الأمر يتعلق بمواجهة آثار أزمة اقتصادية ومالية خانقة تهدد استقرار بلدان الجنوب أكثر من غيرها ؟ **زعماء العالم كافة تداولوا على الكلمة أمام الجمعية العامة لأمم المتحدة التي تمثل المنبر الأكثر إجماعا في العالم على الإطلاق، وبدلا من أن تقوم بعض الدول الكبرى بدعوة الدول الصغرى إلى الاجتماع من خلال الأممالمتحدة كي نواجه سويا هذه الأزمة التي ظهرت في المجتمعات الرأسمالية للدول الكبرى كنها كالت بألسنة نيرانها العالم قاطبة، نجد هذه الدول تجتمع يومين بعد ذلك في بيتسبورغ، اجتماع العشرين، فمن فوض هذه الدول العشرين كي تتحدث باسم الإنسانية ويتدارسوا الحلول الواجب إعطاؤها لمشاكل العالم، لما ذا لم يكن الاجتماع على مستوى الأممالمتحدة وبمشاركة جميع الدول ؟، الأمر الآخر اجتمع الخمسة الكبار كي يقرروا مصير القنابل الذرية والعالم قاطبة، لماذا خمس دول فقط؟ لقد جاءتنا هذه المجموعة بالعولمة وأرادت فرضها، وجاءت بالنيولبرالية وأرادت فرضها، وجاءت الأزمة من عندها والآن تريد أن تفتش عن الحلول وتلغي الآخر الذي تمثله 98 بالمائة من دول العالم، لذلك على كل دول الجنوب، بما فيها الوطن العربي والعالم الإسلامي ودول الكاريبي، أن تجتمع كما فعل الزعماء التاريخيون الذين أموا الأممالمتحدة باسم عدم الانحياز، علينا أن نضع تصورنا للحلول وأن نفرضها على الدول الكبرى. ***هناك مطالب بإصلاح الأممالمتحدة من خلال الدعوة إلى توسيع مجلس الأمن وإعطاء مزيد من الصلاحيات للجمعية العامة، لكن نلاحظ أن إفريقيا تطالب، كاتحاد قاري بمقعدين في المجلس، في حين البرازيل تطالب، كدولة، بمقعد دائم، ألا تعتقدون أن هذا التناقض يضعف الموقع التفاوضي لدول الجنوب بخصوص هذه المسألة الحيوية ؟ **المطالبة بدمقرطة الأممالمتحدة وإصلاحها شيء هام وإيجابي لكن الطريقة التي نستعملها، والحلول التي نقترحها خاطئة تماما، فإذا كنا ضد حق الفيتو لخمس دول فكيف نطالب بهذا الحق لعشر دول أو أكثر، هذا لن يكون أكثر ديمقراطية في عالم يضم أكثر من 190 دولة، ثم إن هذه المطالب ليست عملية فالدول التي لها حق الفيتو يمكنها إسقاط هذه المطالب لأنها لا تخدم مصالحها، هناك أمم متحدة تمثلها 15 دولة في مجلس الأمن والدول 15 مختزلة في خمس دول لها حق الفيتو والكل يختزل في دولة واحدة تقول لا لأنها تملك الفيتو، الحل يكمن في توسيع صلاحيات الجمعية العامة بما يجعل قراراتها ملزمة. ***أمريكا هي القوة الأولى في العالم وفي الغرب، والعلاقة بينها وبين دول الجنوب كانت دائمة محل إثارة وجدل، والآن هناك بعض التفاؤل في الجنوب حول التغيير الذي يمكن أن تحدثه إدارة الرئيس باراك أوباما على السياسة الأمريكية، هل تعتقدون أن الوقت قد حان إلى تقارب أكثر بين الجنوب وأمريكا أم أن العهد مع المواجهة يتجدد ؟ **أنا أتصور بأن هناك عالما يختلف عن العالم الذي وصفته لي في سؤالك، الولاياتالمتحدة ما زالت الدولة العظمى لكنها ليست الدولة الوحيدة المسيطرة على مقدرات العالم، هناك تراجع في حصة أمريكا من الإنتاج العالمي حتى وإن كانت هي الأولى، لكنها لم تعد تنفرد إلا بصناعة السلاح والحروب، أمريكا تعيش اليوم المرحلة التي عاشتها فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، إنها تعيش على أمجاد الماضي وتكافح من أجل البقاء كقوة عظمى وحيدة لكنها ستفشل مثلما فشلت فرنسا وبريطانيا في السابق. ***ماذا عن توجهات الرئيس أوباما وإدارته ؟ **المجتمع الذي كان قبل خمسين سنة يقول إن الرجل الأسود لا يمكن أن يدخل مطعما أو يركب سيارة يركبها رجل أبيض، ينتخب اليوم رئيسا أسودا فهذه ثورة، وأن ينتخب رئيسا من أصل إفريقي فهذه ثورة أخرى، وأن ينتخب رئيسا من أصول مسلمة فهذه ثورة ثالثة، لكن هذا وحده لا يكفي لتغيير الواقع الأمريكي، من يحكم في أمريكا ليس شخص الرئيس ولا المؤسسات الديمقراطية المنتخبة التي يتشدقون بها، من يحكم هي مجموعة الشركات الكبرى التي تنتج السلاح والنفط وتنشط في مختلف ميادين الاقتصاد، والسياسة الأمريكية تتغير عندما تشعر هذه المؤسسات بأن مصالحها تتضرر بسبب سياسات أمريكا. لكن علينا أن نقر أن الرئيس أوباما يطرح مسائل لم تطرح في السابق في الولاياتالمتحدة وعلينا أن نأخذها بعين الاعتبار، عندما يقول الرئيس الأمريكي أننا أخطأنا ويجب أن نغير ونحن لا نستطيع أن نحل مشاكل العالم لوحدنا ودون مساعدة الآخرين، ونحن نريد أن نفتح صفحة جديدة مع أمريكا الجنوبية أو مع العالم الإسلامي، كل هذا يمثل نقلة نوعية في السياسة الأمريكية، غير أن الخطاب التغييري للرئيس الأمريكي لا يلغي سياسات الهيمنة والسيطرة التي تمارسها أمريكا إلى حد الآن. نحن علينا أن نناضل في سبيل ترسيخ سيادتنا، ولكن علينا أن نعير اهتمامنا للرئيس أوباما الذي يريد التغيير كي نعزز هذه النقلة النوعية في السياسة الأمريكية. ***الجامعة العربية حضرت هذه القمة بصفة ملاحظ، ما دور العرب في نضال الجنوب من أجل رفع التحديات المفروضة عليه؟ **في خمسينات القرن الماضي كنا نباهي العالم، وأنا أتحدث الآن كفنزويلي من أصل عربي، بأننا نواجه الثالوث غير المقدس المتمثل في الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية، وبالقوى التقدمية في الوطن العربي، وكنا نباهي بأن في القاهرة كان هناك 360 مكتبا لحركات التحرر الإفريقية، وأن العرب ساهموا في تحرير إفريقيا واستقلالها، ولسوء الحظ أننا بعد خمسين سنة، على الأقل على مستوى الحكومات والأنظمة، هو في ذيل قائمة الأمم التي تناضل في سبيل استقلالها، وفي سبيل تقدمها الحقيقي، إنها متهالكة وراء المستعمر ووراء المحتل ولا يمكن أن نتوقع منها غير ذلك باعتبار أن الزعماء العرب يهتمون بالكرسي الذي لا يضمنه الشعب بل المحتل أو الغاصب أو الطامع، أنا آسف أن أقول ذلك، لكن سوء الحظ نحن أفشل المحامين في الدفاع عن القضايا الأكثر عدالة في العالم. أنا لا أفهم كيف فنزويلا مثلا تقطع علاقتها بإسرائيل بسبب عدوانها على فلسطين ولبنان وتقوم في المقابل دولة عربية بغلق سفارتها في كاراكاس مهما كانت الأسباب والتبريرات لا يمكن أن نستوعب هذا، تركيا أيضا أصبحت تتخذ مواقف أكثر تقدمية من الدول العربية بخصوص القضية الفلسطينية. نحن في عصر الردة وعصر ملوك الطوائف في الأندلس، ومثلما ضاعت القدس، العرب اليوم يضيعون ثرواتهم، ولحسن الحظ أن هناك بعض الاستثناءات رغم أن معظم البلاد العربية هي الآن في أيد غير أمينة.