كان من المكرمين في خمسينية تأسيس أم الجرائد أفنى الفقيد محمد بوعروج، عمره في خدمة جريدة «الشعب»، منذ أن إلتحق بها وهو في ريعان شبابه وعز عطائه عقب عودته من الخارج (سوريا والعراق)، حيث كان طالبا نشيطا وبارزا في آن واحد، بكلية الحقوق بجامعة دمشق والكلية العسكرية ببغداد. وفي هذا الوسط المتشبع بالمعرفة والروح الوطنية بدأت المعالم الأولى تظهر عند بوعروج في الإعلام، وهذا عندما كان ينشط رفقة مجموعة من الطلبة الجزائريين نقاشا سياسيا موجها إلى أقطار المغرب العربي. إلى جانب مهري، بلقاسم خمار، والهاشمي قدوري، وهكذا بعد هذه التجربة الثرية المكتسبة في الميدان، والاستفادة من حركية النضال الوطني بكل أبعاده، حمل بوعروج معه كل هذا الرصيد عائدا إلى وطنه الحبيب الجزائر، وفي فترة وجيزة ومرحلة قياسية وجد نفسه وجها لوجه مع قامات إعلامية أخرى، وهذا منذ الأسبوع الأول من إعلان تأسيس هذا العنوان برئاسة محمد الميلي الذي كلف بالإشراف على انطلاقته تقنيا وبشريا، وهذا من خلال المزج بين الخبرة الجزائرية والبعض من إخواننا العرب. وواصل بوعروج هذا المسار عفوا هذا التحدي بالمضي قدما من أجل الإرتقاء بالعنوان إلى مصاف الصحف الكبرى من ناحية المقروئية والسحب، يكون لسان حال جزائر الثورة والاستقلال والبناء، وهذا في عهد المرحوم علي مفتاحي. هذا الالتزام الأزلي مع العنوان سمح له بأن يتقلد مسؤولية الجريدة خلال بداية الثمانينيات بتوليه منصب المدير العام، وكانت الفرصة مواتية وتاريخية بالنسبة لبوعروج قصد تفتيق تلك العبقرية في العمل الصحفي، وفتح المجال لكل الكفاءات الجزائرية آنذاك كي تنخرط في هذا المسعى القائم أساسا على تقديم مادة إعلامية مغرية وجذابة كل صباح للقارئ، وتزويده بكل الأخبار الداخلية والخارجية في شتى المجالات. ويشهد هؤلاء الذين عملوا إلى جانب هذا الرجل أنه كان صارما ومنضبطا إلى درجة لا توصف، وهذا كله من أجل أن يكون العمل متقنا ومتكاملا، لا تشوبه أي عبث أو تهاون، ومما روي عنه أنه عندما يلاحظ كثرة الأخطاء في مقال معين يكتب الملاحظة التالية: «عد إلى المدرسة» وهذا ليس من باب الإهانة بقدر ما هو تنبيه إلى عدم تكرار «المجازر في النحو». وهناك مواقف أخرى، لم نعشها نظرا لصغر سننا خلال تلك الفترة، إلا أن المرحوم بوعروج ترك إنطباعا فائقا لدى الكثير من رجال المهنة، الذين يسيّرون اليوم عناوين إعلامية أو مسؤولين كذلك، في القطاعين العام والخاص، علّم هؤلاء حب المهنة، ونكران الذات عندما يتعلق الأمر بخدمة الوطن. إننا في هذا المصاب الجلل، نتذكر قيم هذا الرجل الذي غادرنا في صمت، وقد لبى دعوة جريدة «الشعب» في ذكراها الخمسين من التأسيس بقصر الثقافة مفدي زكريا، وتم تكريمه تكريما طيبا اعترافا لما قدمه للعنوان رفقة المديرين السابقين، وقد بدا متبعا إلا أنه قاوم ذلك بحضوره الثابت إلى غاية نهاية الحفل كعربون تعلقه بهذا العنوان.