تمثل إشكالية الأسعار من حيث العقلانية نسب الفوائد واستقرارها على المدى المتوسط من السنة ومدى التزامها بضوابط ومؤشرات اقتصادية، المشكل الرئيس الأول الذي يعترض مسار إقامة إقتصاد سوق اجتماعي لا يمكن لأي خيار غيره أن يضمن سلاسة البناء الديمقراطي وانجاز بديل دولة القانون.إنها معضلة الأسعار التي تتفوق دوما في وجه القرارات والخطابات التي تحمل أملا سرعان ما يتبدد على أرض الواقع بفعل سطوة الحرية المتوحشة لدعاة الاقتصاد الحر والتجارة الخارجة عن القانون والتي دمرت تقاليد هي قائمة في أعرق البلدان الرأسمالية حيث تلعب الدولة من خلال أدواتها التنظيمية الدور المنوط بها كضابط للسوق سواء على مستوى الجودة والسلامة أو الأسعار من خلال تفعيل ما يعرف باللوائح الدورية التي تحدد سقفا أعلى وآخر أدنى للمنتوجات والبضائع خاصة بالنسبة للمواد ذات الارتباط بالمعيشة اليومية. إن الانتقال من أسواق الخضر والفواكه في رمضان بالأخص الى أسواق الملابس في موسم الدخول المدرسي والعيد، مرورا بمحلات اللحوم والأسماك يكشف عن وضع لا يطاق تتحمله القدرة الشرائية التي تقلص دوريا في غياب ثقافة استهلاك وطنية تمارس على الأقل شكلا من أشكال المقاومة السلمية، عبيرا عن رفض ما يجري على الساحة الاقتصادية والتجارية بالامتناع وبسلوك مواطني قوي عن النزول الى الأسواق حتى يشعر القراصنة من التجار والباعة بأن الطرف الأضعف في معادلة السوق ألا وهو المواطن غير راض على سياسة الأمر الواقع وهنا لا بد من الاشارة الى غياب ذريع لما يعرف بجمعية المستهلكين، ما زاد الطين بلة وأدى أيضا الغياب الفضيع وعلى ما يبدو المقصود لآليات ضبط الاسواق من حيث محاربة الاحتكار والتخزين غير الشرعي للمواد الاستهلاكية الى تفاقم سوء تدبير شؤون المواطنين. حقيقة إن خيار اقتصاد السوق وحرية العمل التجاري مسألة مفروغ منها طالما أنها يفترض أن تتم في اطار ضوابط محددة من القانون والشفافية بما فيها حرية الأسعار، لكن على عاتق الدولة ضمن مفهوم اقتصاد السوق نفسه واجب القيام بالسهر على ضبط الأمور بعدم ترك كل من هبّ ودب يغتال يوميا البقية الباقية من القدرة الشرائية الهزيلة بالنسبة لعامة الشعب وهنا على سبيل المثال الى متى تبقى أسواق الجملة تلعب خارج الإطار لا يحدها أي شيء ومن المستفيد من ذلك ومن ثمة لماذا تتقاعس الجهات المعنية بقضايا الأسواق عن المبادرة بتطهيرها واخضاعها لطريقة العمل بلائحة الأسعار الأسبوعية على أساس تحليل وتشخيص تركيبة السعر لكل منتوج خاصة وأن الميزانية العمومية لا تبخل على قطاعات انتاجية مثل الفلاحة والصيد البحري بالقروض والاعفاءات أو الدعم المالي الذي لم يقطف المواطن ثمرة من ثماره. إن اقتصاد السوق ليس ممارسة فوضوية لا يحدها ضابط وقائي أو ردعي ولا يمكن تبرير ما يجري من غش وتلاعبات بداعي حرية المبادرة ولتكن البداية بالتصدي للتجارة الموازية التي لا يدفع أصحابها فلسا للخزينة العمومية على الأقل مقابل ما يخلفونه من نفايا على الأرض مستفيدين من اقبال ذوي الربح السريع من الطبقة البرجوازية الجديدة التي أفرزها الفساد الاقتصادي والمالي والتوزيع غير العادل للثروة وهي بذلك لا تعرف للمال قيمة طالما أنه يتحقق لها بلا عناء ولا جهد. ثم أين هي مراكز دراسة ومتابعة مؤشرات الأسعار وتأطير نسب الفائدة التجارية لكل منتوج التي زادها التهابا ما يحصل من فساد على غرار تبييض الأموال وجشع القطط السمان التي تذهب بعيدا في إفسادها للسكينة العامة والإضرار بالتوجه الاجتماعي للدولة التي إن لم تؤطر الساحة التجارية ولها من الوسائل والامكانيات لفعل ذلك ضمن الروح الايجابية لاقتصاد السوق سوف لن تحصد غلة خياراتها وبالتالي تذهب أموال الدعم والتحفيز الى غير وجهتها المسطرة رسميا.