عبد المجيد بوزيدي تعود مسارات التحول إلى اقتصاد السوق التي وضعتها البلدان الاشتراكية القديمة إلى 18 سنة خلت، وقد فتحت مسارات التحول الاقتصادي والاجتماعي هذه الباب لبناء "مذهب التغيير" الذي يبقى اليوم محلّ نقاشات مفتوحة ومختلفة. وكان هذا المذهب، في السنوات الأولى من مسارات تغيير الأنظمة الاقتصادية الاشتراكية القديمة، يعتمد أساسا على نظريات اقتصادية ليبرالية ترفض "مبادرات تدخل الدولة" وتعطي الأولوية لسياسات العرض، التي تحرر المؤسسة وتخفف عنها مختلف الأعباء، على حساب سياسات الطلب التي ترتكز على النفقات العمومية وزيادة الرواتب، وتثق في "التنظيم الذاتي والتلقائي للسوق ما إن تضع الدولة ركائزه الأولى". وقد لُخّص هذا المذهب في "اتفاق واشنطن" الذي يعتمد على 3 محاور: - الاستقرار: محاربة التضخم وخفض المصاريف العمومية وتسيير الطلب. - التحرير: بما في ذلك الأسعار والرواتب ونسب الفوائد. - الخوصصة: تشمل المؤسسات العمومية. فبالنسبة إلى النظرية الليبرالية، يقضي استقرار الاقتصاد الشمولي على التضخم، وتوجِد خوصصة المؤسسات العمومية للمُلاّك الجدد سبل الفعالية، ويخلق التحرير بمختلف أشكاله التنافس الضروري ل "تنقية" الاقتصاد، بالقضاء على الصناعات والمؤسسات غير الناجعة التي خلّفها النظام القديم. وعلى هذا التحول في النظام الذي يقود إلى اقتصاد السوق، أن يكون مباشرا وسريعا، وهي مقاربة "بيغ بانغ"، ذلك أن التحوّل يخلق اختلالات وقد يعود بالبلد إلى الخلف، ف "سرعة التغيير مطلوبة". وهكذا فإن الاستراتيجية كانت واضحة: انسحاب الدولة والمنافسة والانفتاح والخوصصة وسرعة وتيرة التحولات. ومع ذلك، فقد تمّ التشكيك بشدة في "مذاهب التحول" القائمة على تبنّي "اتفاق واشنطن"، وذلك منذ النصف الثاني من التسعينيات على ضوء التقارير الأولية لمسارات التحول التي اتبعتها دول أوربا الوسطى والشرقية والتي لم تكن مقنعة، بل سلبية في بعض الأحيان، كما هو الحال بالنسبة إلى روسيا وأوكرانيا، مع تسجيل إضعاف للدولة وسوق موازية ومافيا وانخفاض فرص المساواة وارتفاع نسب الفقر. وكان المدير الاقتصادي للبنك العالمي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، جوزيف ستيغليتس، هو من شكّك في مسارات التحول تلك. فعلى مذهب التحول أن يأخذ في الحسبان القانون ودور الدولة وأهمية المؤسسات والبعد الاجتماعي لتحول النظام والشرعية السياسية للإصلاحات وكذا تنوّع السبل الوطنية للتغيير. وكان البنك الأوروبي للتنمية المكلف بتمويل مسارات التحول الاقتصادي في دول أوربا الوسطى والشرقية قد أعلن في تقريره لعام 2000: "... لا يوجد مسار أو سبيل وحيد للتحول من التخطيط المركزي تحت نظام اشتراكي إلى شكل فريد لرأسمالية السوق..." ومن جهتهم، أبرز المحللون المؤسّساتيون، الذين يولون للمؤسسات دورا هاما بل أساسيا في مسارات تغيير النظام، مخاطر التغيير المفاجئ، مشيدين بالتدرج في مجال التغيير المؤسساتي وبتدخل الدولة العقلاني. إنّ انتهاج خط واحد وبوتيرة سريعة وإعطاء الأولية للاقتصاد الليبرالي مع إبعاد الدولة ليس "الطريق الملكي" لتحوّل الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق. ونلاحظ، استنادا إلى هذه التحليلات، نجاح التحولات في الصين والفيتنام اللتين انتهجتا طريقا آخر، باعتبار أن الإصلاحات كانت تدريجية وتراكمية والنتائج المتحصل عليها إيجابية: تنمية عالية وتحسن مستوى المعيشة المتوسط وانخفاض نسبة الفقر، حتى وإن سجلنا انخفاض فرص المساواة. كما كانت استراتيجية الصين في التغيير إلى اقتصاد السوق معارضة لاتفاق واشنطن والتغيير تدريجيا، وكان تحديث الاقتصاد تحت قيادة الدولة ووفق مسار طويل وتراكمي ورفض النظام الاشتراكي الصيني الحاكم التغيير مرة واحدة. لكن كيف هي حال الجزائر؟ اقتصادها يعيش على نبضات سوق النفط العالمية، ومع ارتفاع سعر برميل النفط تختفي النيات الحسنة في إيجاد تشكيلة من السياسات الهيكلية التي ينبغي أن تخلق آفاقا اقتصادية حقيقية. وتيرتنا ليست بالبطيئة ولا بالسريعة ولا بالمتدرجة، والجزائريون لديهم شعور (هل هو مجرد شعور؟) بأن اقتصادنا يرجع إلى الخلف بل إلى نقطة البداية: إعادة هيكلة المؤسسات الوطنية ورد الاعتبار للخيارات الصناعية التي كانت متبعة في السبعينيات وإعادة مراعاة خوصصة بعض المؤسسات البنكية والعودة إلى سياسات المساعدات كالمعالجة الاجتماعية للبطالة... لقد باشر الاقتصاد الجزائري العمل على أساس نموذجه الخاص، بعيدا عن وقائع العولمة والتنافسية والمنافسة. ترجمة: إيمان بن محمد