رغم أن كلمة »فيتو« غير موجودة أصلا في ميثاق الأممالمتحدة، إلا أن هذا الحق كان ولا يزال يشكل عقبة في تبني مجلس الأمن قرارات لا تأتي على هوى أو مصلحة الخمسة الكبار الذين يحتكرون حق الاعتراض دون غيرهم من الدول. فالميثاق الأممي ينص على أنه لا يمكن أن يصدر قرار من مجلس الأمن إلا بعد أن يصوت عليه تسعة أعضاء من بين الأعضاء الخمسة عشر في المجلس ومن بينهم الأعضاء الخمسة الدائمين، مما يمنح الحق الكامل لهؤلاء للاعتراض عن أي قرار لا يخدم مصالحهم أو يضر بحلفائهم وهو الأمر الذي نقف عليه في كل مرة، حيث ترفع أمريكا دائما ورقة الاعتراض لإجهاض أي قرار يندد باسرائيل أو يسعى لمعاقبتها حتى بات نظام الفيتو الذي كان بمثابة المكافأة للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية يلاقي انتقادات واسعة تضاف طبعا الى انتقاد فعالية قرارات مجلس الأمن التي تبقى في أغلب الأحيان دون تنفيذ. لقد دأبت السنوات الأخيرة الأصوات تتعالى من هنا وهناك تدعو الى إعادة النظر في نظام حق الفيتو، الذي يحتكره الأعضاء الخمسة الدائمون. بمبرر أن هذا الحق الذي كثر استخدامه لحماية مصالح الذين يتحصنون به، ساهم في اضعاف مجلس الأمن ومصداقيته وأصبح وسيلة شرعية لحماية بعض الأنظمة والدفاع عنها حتى وهي ترتكب الجرائم الوحشية، كما بات بيدهم وسيلة لعرقلة قضايا العالم مما انعكس عنه احساس بالظلم والغبن واللاعدالة ودفع بالكثير من الناس الى بحث عن طرق أخرى لاستعادة حقوقهم ولو بالعنف والارهاب. وبررت الأصوات الداعية الى اصلاح مجلس الأمن واعادة النظر في صيغة »حق الفيتو« والتمثيل العادل للأعضاء يكون الخمسة الدائمين أوبعضهم على الأقل لا يعكسون الحقائق الجيوستراتيجية الحالية، فبريطانيا وفرنسا لم تعودا بين القوى الخمس العسكرية أو الاقتصادية الرئيسية في العالم، كما كانتا عليه غداة الحرب العالمية الثانية وساعة تأسيس الأممالمتحدة عام ,1945 بل هناك دول كثيرة تقدمت عليها ودحرجتها الى مراتب دنيا مثل ألمانيا واليابان. وتتمسك هذه الأصوات بإلغاء »حق الفيتو« حتى يسود رأي الأغلبية في مجلس الأمن وبالتالي تصدر القرارات دون إعاقة أو عرقلة ويشكل أكثر عدلا وانصافا مع الحرص على تطبيق وتنفيذ القرارات الصادرة. إن الكثير من المنتقدين لمجلس الأمن يعتبرون »حق الاعتراض« بمثابة الأغلال التي تقيد من حركيته وفعاليته بل ومن دوره الذي أصبح منعدما في بعض الأوقات والحالات، حيث وقفنا على قرارات عديدة تجاوزته وخرجت بعيدا عن أصواره مثل قرار احتلال العراق الذي اتخذته أمريكا بشكل انفرادي ودون الرجوع اليه، كما أصبح المجلس بالنسبة للعرب مؤسسة لسد أبواب الشرعية في وجه قضاياهم العادلة، اذ كان ولا زال الفيتو الأمريكي جاهزا دوما لإجهاض أي قرار ينتقد أو يدين اسرائيل، وفي السنوات الأخيرة من مجموع تسع مرات استخدم فيها حق النقض تسعة كانت من قبل أمريكا وستة منها ضد قرارات تنتقد اسرائيل ما يترجم بوضوح سلبيات »حق النقض« وتغطرس الذين يحتكرونه والذين يتذرعون دوما للدفاع عن امتيازهم هذا بكونهم يدفعون ثمنه غاليا، فالخمسة الكبار هم الذين يدفعون حوالي نصف الميزانية الاجمالية للأمم المتحدة ما يعني أن المال صاحب الكلمة الفصل في مجلس الأمن تماما كما هو في باقي المؤسسات الدولية وحتى المحلية، ومن يدفع أكثر وعلى الفقير والمعدم أن يكتفي بالدعاء لرب العباد والاستنجاد به. هل ستتحول أصوات المنتقدين لحق الفيتو، والداعين الى إصلاح مجلس الأمن والأممالمتحدة الى فعل قابل للتجسيد؟ في الواقع الأمر مستبعد تماما، فالدائمون الخمسة ليسوا مستعدين للتخلي عن امتيازاتهم وهم يعارضون بشدة احداث تغيير بالميثاق الأممي ما دام أنه مفصل على مقاسهم ويخدم مصالحهم. وفي الأخير نشير الى أن استخدام الفيتو الذي قل في السنوات الأخيرة، عرف رواجا كبيرا خلال الحرب الباردة، وقد حطم الاتحاد السوفياتي الرقم القياسي في رفعه، فمنذ تأسيس الأممالمتحدة استخدمه 120 مرة، حتى أن الجميع أصبح يلقب الوزير الخارجية السوفياتي ب »السيد نيت«، أو »السيدة لا«، أما أمريكا فاستخدمته 76 مرة وبريطانيا 32 مرة وفرنسا 18 مرة، أما الصين فاستخدمته خمس مرات فقط.