يتبادر إلى أذهاننا شريط المعاناة ومأساة الجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية أين كانوا يقطنون الأكواخ، الجبال، البيوت القصديرية بل وعائلات تم رميها في المحتشدات، بالمقابل كان يتمتع الفرنسيون بسكنات راقية، لكن حين نشاهد اليوم الإنجازات الكبيرة من السكنات الاجتماعية بمختلف الصيغ، ندرك المجهودات الجبارة التي بذلتها الدولة الجزائرية، للقضاء على هذه الوضعية المزرية وتغيير صورة “القوربي” التي كانت منتشرة، لتمكين المواطن من الحصول على سكن لائق يحفظ كرامته إن الوضعية المزرية التي آل إليها قطاع السكن غداة الاستقلال والتي جعلت معظم الجزائريين يعانون منها، تعد قديمة ومتشابكة في آن واحد، حيث ترجع خيوطها إلى عهد الاستعمار الفرنسي الذي لم يعالج موضوع السكن بجدية، باعتبار أن هذا الأخير يتعلق بجزائريين كانوا يخضعون لسياسة الإجحاف والحدود الدنيا للمعيشة. فقد كان أكثر من 30% من سكان كبريات المدن الجزائرية، يسكنون الأكواخ والبيوت القصديرية التي لا تتوفر على الكهرباء ولا شبكة المياه حسب بيانات سنة 1954، أما المساكن التي كان يشغلها المستعمرون فقد تميزت بمواصفات عالية الجودة والعصرنة، ولازالت شامخة حتى اليوم بالأحياء الراقية لمدننا الكبيرة بالخصوص، حيث تتوفر على كافة الشروط الصحية والاجتماعية. إن رغبة المستعمر في القضاء على السكنات الريفية والمنعزلة منها كان واضحا من خلال ارتفاع نسبة العجز في كلتا المرحلتين أي مرحلة 1945 و1963 وذلك مقارنة بالنسب المحققة لإنجاز السكنات الحضرية، ويرجع السبب في ذلك إلى الخلفية الاستعمارية التي اعتبرت المناطق الريفية تشكل خطرا، لأنها كانت تعتبر بمثابة الملجأ والقاعدة الخلفية للثوار. عرفت الحظيرة السكنية من 1962 إلى 1998 ما عدده 814.606 وحدة سكنية، غيرت وجه العاصمة، بحيث استفاد سكان الجنوب والهضاب العليا هم أيضا من برامج السكن، التي لم تستثن الفلاحين بإدراجهم في البرامج السكنية، باعتبارهم قوة ضاربة في الاقتصاد الوطني لتثبيتهم في مناطقهم بالقرب من مزارعهم ومواشيهم. ومنذ منتصف التسعينات، اعتبر قطاع السكن من الأولويات الكبرى في السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة الجزائرية، على اعتبار أن إشكالية السكن كانت دائما تشكل انشغالا بالغ الأهمية بالنسبة لكافة الحكومات الجزائرية المتتالية، كما أن سنة 1999 شهدت انطلاقة انتعاش حقيقي للقطاع التي تميزت بتحسين عرض السكنات، الذي تعزز بإعداد المخطط الخماسي 2005-2009 والذي يهدف إلى إنجاز مليون وحدة سكنية، بحيث تم توزيع 2119.000 وحدة سكنية خلال الفترة 2009/2016، وبذلك بلغت الحظيرة السكنية نهاية العام الماضي 8991.541 وحدة. برنامج خاص لإعمار المناطق الريفية ومع تزايد الاحتياجات وارتفاع النمو الديموغرافي، الذي رافقه نزوح ريفي معتبر، تضاعف خلال العشرية السوداء، بالإضافة إلى التحولات الاجتماعية زادت حدة أزمة السكن، لهذا كان لابد على السلطات العمومية أن تجند موارد هامة من ميزانية الدولة من أجل التصدي لهذه الوضعية والتخفيف من حدتها، بإقرار برامج سكنية تتلاءم ومداخيل المواطن، بحيث ركزت على إنجاز السكنات الريفية لتثبيت السكان في مناطقهم، بتقديم إعانات مالية أو قطع أرض، عكس السياسة الاستعمارية التي كانت قائمة على تهجير السكان. وللتقليل من الضغط على المراكز الحضرية المكتظة، ظهرت في السنوات الأخيرة مدينة علي منجلي وماسينيسا بالشرق، وعين تموشنت بالغرب إلى جانب مدينة سيدي عبد الله وبوينان، وبالرغم من نجاح الدولة في بناء سكنات إلا أنها فشلت في بناء أحياء. وبالمقابل، ركزت الوزارة في دراسات إنجاز السكنات على خطر الزلازل والفيضانات بعد تجربة زلزال الشلف سنة 1980 وتيبازة في 1989 وزلزال بومرداس في 2003، وكذا الفيضانات بباب الوادي عام 2001 ووادي ميزاب سنة 2008، من خلال تطبيق الإجراءات الرامية إلى تقليص هشاشة المناطق الحضرية، وفرض على المقاولين احترام مقاييس البناء المعاصر والمقاوم للزلازل.