حيثما تكون هنالك قضية استعمار تأبى الحل وتعيش الطمس والتجاهل، فتمة حتما تواطؤا وتآمرا من الجهات التي تتحكم في تسيير دواليب المؤسسات الدولية المخولة باقرار العدالة وحماية الشرعية والسهر على تنفيذ حق تقرير المصير للشعوب المتمسكة بحريتها وسيادتها واستقلالها. ومثل القضية الفلسطينية تماما استطاع التواطؤ الدولي وتآمر كبار العالم الذين يكيلون القضايا بمعايير مختلفة غير متوازنة أن يحولوا القضية الصحراوية المشروعة من صراع ساخن الى صراع جامد بعد أن جروها بوعودهم الكاذبة وتعهداتهم الماكرة ولامبالاتهم المميتة وأدخلوها في حالة اللاحرب واللاسلم التي أصبحت بمثابة السجن الذي يضيق بجدرانه على الشعب الصحراوي ويدفعه مرغما للتفكير الجدي بالعودة الى المربع الاول، فاستعادة الحقوق المغتصبة لم تكن في يوم من الأيام إلا من خلال قوة السلاح. التواطؤ بدأ من طرف الاستعار الاسباني الذي جثم على صدر الصحراويين منذ 1884 والى غاية 1976، فعندما قرر الانسحاب عقد صفقة باع من خلالها ما لا يملك لمن لا يملك وقدم الاقليم وما عليه على طبق من ذهب للمغرب ليتحول الصحراويون بذلك الى كرة تنتقل من أقدام محتل الى آخر. وفي الوقت الذي كان فيه الشعب الصحراوي يترقب تنظيم استفتاء تقرير مصيره والذي أقره الاستعمار الاسباني ونظم لأجله إحصاء 1974 سارع المغرب الى فرض الأمر الواقع واحتل الاقليم الصحراوي وعقد صفقة أو مؤامرة إتخذت طابعا قانونيا تتمثل في اتفاقية مدريد التي وزعت الاقليم بين المغرب الذي كان ولا يزال يعتبر الصحراء الغربية جزء من حدود دولته السعدية قبل احتلاها من طرف إسبانيا، وبين موريتانيا التي كانت هي الاخرى تصر على أحقيتها في الاقليم باعتبار أن لسكانه تقاليد مشابهة لتقاليد الموريتانيين. الاتفاقية الثلاثية التي وقعت في 14 نوفمبر 1975 بمدريد وسماها الصحراويون ''الاتفاقية اللصوصية''، نسجت أول خيوط المؤامرة والتواطؤ الدولي اذ تمت بايعاز ودعم ومباركة من فرنسا وأمريكا رغبة منهما في منع أي تغلغل شيوعي كون المغرب كان يزعم بأن دولة ستقوم من الاقليم الصحراوي ستكون حتما قاعدة للاتحاد السوفياتي. ومما تضمنته بنود الاتفاقية هو أن تحيط البلدان الثلاثة الموقعة لها وهي المغرب وإسبانيا وموريتانيا الأمين العام للأمم المتحدة بما أقرته وتضمنته، أي أن تمتد المؤامرة لتوريط الأممالمتحدة نفسها ووضعها أمام الامر الواقع، لكن ورغم أن هذه الأخيرة تبدو الى حد الآن من خلال صمتها ولا مبالاتها بأنها من اكبر المتواطئين مع المغرب، إلا أنها لم تعط صك الشرعية للعرش المغربي، وهي لا تعترف سوى باسبانيا كقوة إستعمارية مديرة للإقليم كما لا تعترف بالمغرب كقوة مديرة للصحراء الغربية ومن تم فالأممالمتحدة مازالت تعتبر المغرب قوة محتلة وغازية. إتفاقية مدريد إذن تفتقد للشرعية ولا تستند لأي مسوغ قانوني أو تشريعي وبانسحاب موريتانيا منها عام 1979 أضيف دليل آخر على لا شرعيتها وعلى أنها كانت مؤامرة لتقسيم الكعكة الصحراوية على حساب أصحاب الأرض وحق الشعب الصحراوي. وقد حثت الاممالمتحدة على حق الصحراويين في تقرير مصيرهم دون أن تمكنهم من ممارسة هذا الحق، طبعا فهي نفسها أصبحت بحاجة الى تقرير المصير والتحرر من قبضة الكبار واللوبيات التي جعلتها رهينة لخدمة مصالحها. بداية المأساة كانت بمؤامرة والتواطؤ استمر من خلال وقوف العالم أجمع موقف المؤيد للمحتل المتفرج على حق يغتصب وعلى شرعية يدوسها العرش المغربي بالمماطلة حينا وبالحلول المفصلة على مقاسه مثل مبادرة الحكم الذاتي في أحايين كثيرة. وبين المؤامرة والتواطؤ، يبقى الثابت الوحيد تمسك الشعب اللصحراوي بحقه في تقرير المصير وفق ما تقره الأممالمتحدة ووفق ما أقرته محكمة العدل الدولية ذات مرة عندما لجأت اليها الحكومة المغربية لاثبات أحقيتها في الاقليم اذ أعلنت بأنه لا روابط تاريخية أو قانونية تشهد بولاء الصحراويين للمغرب وقضت المحكمة بأن الصحراويين هم مالكو الأرض وبالتالي فانهم يتمتعون بحق تقرير المصير. التواطؤ الدولي هو الذي جار على الصحراويين وحال دون استعادتهم لحقهم المغتصب تماما كما حصل مع الفلسطينيين، وعلى الهيئة الأممية أن تستعيد هيبتها ودورها وتمكن من خلال صلاحياتها الشعب الصحراوي على استعادة سيادته على أرضه، فالقضية الصحراوية مسجلة في لوائحها منذ 1963 كقضية تصفية استعمار والى حد الآن لا تعترف الاممالمتحدة الا بإسبانيا كقوة استعمارية وكل ما جاء بعد 1975 فهو غير شرعي، كما أنها لا تنظر للمغرب الا كقوة محتلة غير شرعية. ويبقى في الاخير سؤال ملح في الطرح، ما دام المغرب يقر بأحقيته في الاقليم الصحراوي وبأن سكان هذا الاقليم بايعوه منذ سالف الزمن، ويؤكد بأن »ميما« أزيحت غصبا فحولت الصحراء المغربية الى الصحراء الغربية، فلماذا إذن يرفض الاستفتاء وهو شكل من أشكال المبايعة ولماذ يخافه الى هذا الحد؟