أبرز رئيس جمعية مجاهدي التسليح والإرتباطات العامة السيد دحو ولد قابلية دور وزارة هذا القطاع في المفاوضات متعددة الأطوار التي انتهت بإقرار الإستقلال الوطني واستعادة السيادة بعد ليل الاستعمار الفرنسي الطويل. وقال ولد قابلية في ندوة نقاش أمس بمركز ''الشعب'' للدراسات الإستراتيجية أن وزارة التسليح والارتباطات العامة ''مالغ'' التي نجحت في تكوين 900 إطار خلال سبع سنوات من الثورة بأقوى التخصص الاستخباري وجمع المعلومات وتزويد الجبهات بالعتاد الحربي وترويج الإعلام لإسماع صوت الجزائر كما هو بلا تزييف وتزوير، زودت الوفد المفاوض الجزائري قبل توقيع اتفاقية ايفيان التي نالت بموجبها الجزائر الاستقلال.وهي المعلومات التي عززت مطلب التفاوض وحصنت روح الاستقلال وسدت فجوات حاولت فرنسا التسلل منها وبسط نفوذها والإبقاء على وجودها في الجزائر ما بعد الاستقلال بشكل أو آخر معيدة ما نجحت في استعادته بالمستعمرات الإفريقية سابقا. وأكد ولد قابلية الذي أعطى نبذة تاريخية مطولة عن كيفية إنشاء ''المالغ'' وتطوره ووظائفه ووظيفته الأساسية في التسلح بالمعلومة واختراق النظام الفرنسي والتشويش على مضمونه، أن تزويد المفاوض الجزائري بأدق التفاصيل وأكثرها أهمية وجدوى كانت ''ورقة قوة'' بحوزته وظفت وقت الحاجة القصوى.وأسقطت ما ظلت تطالب به فرنسا من أشياء تضرب في الصميم الإستقلال الوطني وتبقي السيادة منقوصة إلى أبعد أجل وأطوله. وعلى إثرها حددت الجزائر موقفا مبدئيا منذ أولى الإتصالات رافضة وقف إطلاق النار أو هدنة قبل التوصل إلى اتفاق نهائي حول الحرية الاستقلال. وهو الموقف الذي أسمعته للطرف الآخر في كل محطات الاتصالات السرية التي تدخل فيها السويسريون في مراحل لاحقة التي أفضت إلى لقاء ايفيان في ماي .1961 ولم يتنازل الطرف الجزائري بالمرة عن مطلبه الثابت في استقلال كامل مثلما تضمنته العروض المقدمة للجهة الفرنسية. وتنصب في تقرير المصير عبر استفتاء ينتهي إلى تحرير الجزائر كاملة ورفرفة العلم الوطني على كامل ربوع الجمهورية. وبمعنى أدق استعادة السيادة الوطنية لكامل أقاليم الجزائر في إطار الوحدة الترابية المقدسة بما فيها الصحراء التي هي جزء لا يتجزأ من الوطن المفدى. وعلى هذا المنوال نظرت الجزائر إلى ملفات ساخنة كان الجدل حولها قائما وفعلت فرنسا المستحيل من أجل إملاء شروطها. وتخص البترول والجالية الأوروبية، والقاعدة العسكرية البحرية مرسى الكبير، واستخدام المطارات المدنية، ومناطق التجارب النووية في رقان وما جاورها. وقال بشأنها ولد قابلية إنها مسائل أدارها الوفد الجزائري بحنكة ودهاء تركت فرنسا في أضعف موقع دون نيل ما تريده وما تبغيه. وتظهر هذه الحقائق على الشكل الآتي: - على مستوى البترول استند الموقف الجزائري المبدئي من المعلومات التي تسلمها '' المالغ '' في عام 1960 من هنري ماتيي رئيس ''ايني'' الايطالية المحاصرة من كبريات المؤسسات النفطية المعروفة بالشقيقات السبعة. وهي معلومات عن الوحدات التي تنشط في الصحراء الجزائرية حجمها ورساميلها وأسهمها. وتقرر إبقاء وضعية هذه الشركات كما هي بعد وقف إطلاق النار. وأدرجت هذه ضمن التعليمات الخمسة التي اعتمدت عليها إستراتيجية الحكومة المؤقتة. وتشمل منع أي اتفاق عقد استغلال بالامتياز بعد وقف إطلاق النار في 19 مارس .1962 ورفض أي تغيير في رساميل الشركات البترولية وأسعار النفط والنظام الجبائي الذي خضعت له سابقا. وهذا حتى لا تعطي فرصة للمناورة الفرنسية وتغيير أشياء في صالحها وتضر بالجزائر المستقلة. على مستوى القاعدة البحرية المرسى الكبير قبلت الجزائر بالوجود الفرنسي فيها لمدة لا تتعدى 15 عاما بدل 99 مثلما ألحت عليه باريس. وكان قبول الجزائر بعد اطلاعها على وثيقة إستراتيجية تثبت تراجع أهمية القاعدة في المنظور الاستراتيجي وحسابات صناع القرار العسكري وكلفتها الزائدة عن اللزوم. - على مستوى احتفاظ فرنسا بقوة عسكرية محدودة العدد تتناسب والرعايا الفرنسيين بالجزائر ما بعد الإستقلال تم الإتفاق على عدم تجاوزها 80 ألف عنصر. وهو نفس الإتفاق الذي أبدته الجزائر تجاه استعمال فرنسا للمطارات المدنية لكن في حدودنيا تشمل بوفاريك وتمنراست وبشار. خارج هذه الإتفاقات التي نجح فيها المفاوض الجزائري في انتزاع أوراق في غاية الأهمية بفضل المعلومات التي بحوزة ''المالغ'' رفضت الجزائر بصفة قطعية إدماج الحركى كاشفة عن استقلالية قرار ورفض أية مساومة للسيادة وربط الإستقلال بإجراءات تبعية تجعله محل التساؤل والشك لدرجة ترهن المستقبل.