طقوس الأصالة والهويّة لا يمحوها الزّمن بعيدا عن المظاهر والبروتوكلات المعقّدة والتّكاليف الزّائدة التي أصبحت تقريبا سنّة مؤكّدة لإقامة أي زفاف في المدينة، لا زالت الأعراس في ضواحي سطيف وقراها ومداشرها تتمسّك بطابعها القديم وعاداتها البسيطة التي يطغى عليها واجب إكرام المدعوين، ومشاركة الجميع لفرحة العروسين ومؤازرة الأهل وتقديم المساعدة المادية والمعنوية لهم قدر المستطاع. «الشعب» عاشت بقرية بني وسين في بوقاعة ورصدت تقاليدة راسخة لا يمحوها الزمن. من يجول بشوارع قرية بني وسين التابعة إداريا لمدينة بوقاعة على بعد 45 كلم من قلب عاصمة الهضاب، يلاحظ كثرة الأعراس المقامة هناك، والسبب راجع لقرب انتهاء العطلة الصيفية وقدوم الدخول الاجتماعي، إذ لا يتسنّى للأهل والأقارب بعدها حضور الأفراح والليالي الملاح بحكم مسؤولياتهم العائلية والمهنية. تبدأ التحضيرات للعرس أسابيع قبل اجتماع النسوة من أجل إعداد الكسكسي، فهنا لا يستعمل الكسكسي أوالبربوشة الاصطناعي أو «المفتول بالماكينة» كما يسمى، لابد من «فتله» باليد وتحضيره وتجفيفه في الهواء الطلق في جو طبيعي خالص. كما يعكف أهل العروسة على تحضير جهازها المتكون من حلي، فساتين، ألبسة، أحذية، اكسيسوارات، مواد تجميل، عطور وكذا البعض من الافرشة والأواني التي ستأخذها معها إلى بيت الزوجية. من جهتهم يهتم أهل العريس بتحضير «الجهاز» الذي سيقدمونه للعروس، وهو متكون غالبا من حقيبة تملؤها بعض الفساتين الفاخرة والألبسة الداخلية وطاقم «الحمام» وأحذية وغيرها، إلى جانب حقيبة مصغّرة مليئة بمستحضرات التجميل ،العطور وأطباق من الحلويات والمكسرات والحلوى. تجتمع عائلة العروس ليلة أو ليلتين قبل موعد الحفلة، ويأتي الأهل والأصدقاء من كل جهة وحتى خارج الولاية، حاملين معهم الهدايا وأطباق الحلوى التي ستقدم للضيوف. وتكون السهرة الأخيرة مخصّصة لحنّة العروس، حيت توضع لها الحنة على كفيها وقدميها، وهو تقليد قديم قدم وعراقة تقاليد المنطقة وكذا الجزائر، حيث تعتبر الحنة فال خير وزينة للمرأة لا تقدر الموضة ومستحضرات الجمال الحديثة مجاراتها أو إلغائها، «فمن العيب أن تخرج عروس إلى بيت زوجها من دون الحنة»، تقول لنا إحدى العجائز وهي تروي حكايات زمان جديرة بالاهتمام والتدوين باعتبارها قيم للأصالة والهوية وفخر الانتماء. التّحضير لعشاء العرس يبدأ يوما من قبل تعمّ الفرحة في أرجاء البيت وخاصة في أكبر غرفة بالبيت، حيت ترقص المدعوات وهن في أحلى زينتهن على أنغام الموسيقى السطايفية والشاوية، وهي فرصة للعرائس الجدد لاستعراض ألبستهن وحليهن من جديد، وللفتيات في سن الزواج مناسبة لإظهار زينتهن ربما تلفتن أنظار إحدى «العجائز» التي تبحث على عروس لابنها، حيت يتخيّل المرء نفسه أنه في قاعة لعرض الأزياء لكن بعفوية وبساطة رائعة. في السهرة تقوم بعض العجائز بتحضير عشاء العرس، المتكون من شربة الفريك، «البربوشة» و»الحميس»، فتعد لحم البقر في مزيج من البهارات والزيت وتتركه فيها ساعات عديدة، ليجهز بعد صلاة المغرب ويقدم للمدعوين من نساء ورجال. في اليوم الثاني، يستقبل أهل الدار بعد الظهيرة المدعوات من سكان القرية لشرب القهوة والاستمتاع بالموسيقى وكذا حضور مراسم تقديم «الشرط» من قبل أهل العريس، ويحضر هؤلاء قبيل المغرب، فتستقبلهم العروس عند الباب ورأسها يغطيه وشاح أبيض مرصع، وفي يدها قارورة عطر تعبق بها المكان ترحيبا بأهل زوجها. وتحجب العروس في هذا الحين في غرفة أخرى ولا ترفع الوشاح من على رأسها ووجهها، حتى تدخل إليها امرأتين من أهل العريس يقمن بإلباسها زيا من الأزياء التي قدمت إليها وبعض الحلي، ويخرجنا بها للحضور وهي تحمل شمعتين مضاءتين، وتغني النسوة على أنغام «البندير» أغنيات «عراسي» من التراث، تتغنى بجمالها ونبل أخلاقها وتوطيد العلاقة بين العائلتين، وبعد جلوس العروس تفصح «القفافات» أي أهل العريس على ما قدمه لها من حلي وألبسة ومهر، تم تطفئ الشموع وتقوم العروس بإلقاء بعض المكسرات للحضور بنية اقتسام «الفال الزين». «تصديرة» العروس وصور للذّكرى بعد تقديم وجبة العشاء ترحل «القفافات» ضاربة لأهل البيت موعدا في الغد للرجوع واصطحاب العروس إلى بيتها، لكن لا تنتهي السهرة مع رحيلهن بل تبدأ «تصديرة» العروس وتقديمها للفساتين الجميلة التي اشترتها لها أمها، وهي فرصة لأخذ صور للذكرى، لتنتهي السهرة بمراسم الحنة التي تتولاها غالبا امرأة لها شأن كبير في العائلة كي تسير العروس على دربها وتكون ذات حكمة ووقار مثلها. في اليوم الثاني تستيقظ العروس باكرا لتوافي موعدها مع الحلاقة التي سبق وأن أكّدت لها تسريحة وماكياج اليوم الأول، والتي ستدخل عليهما تغييرات أخرى وتلبسها فستان العرس الأبيض. إنّه اليوم الموعود، فبعد سويعات يحضر العريس وأهله، فيستقبلونهم أهل الدار ويقدّمون له ولعائلته القهوة والحلويات, ثم يقوم بتقديم خاتم الزواج لها قبل اصطحابها إلى بيتها وعائلتها الجديدة في موكب العرس وسط طلقات المفرقعات والزغاريد. وتقام سهرة أخرى في بيت العريس، حيت يفرح به أهله وخلانه، ولا ينتهي الأمر هنا بل تقدّم صبيحة الغد أم العروسة وجبة غداء مكونة من البربوشة مزينة بالزبيب والبيض و المكسرات إلى أهل العريس وضيوفهم، وهو الطقس الذي يسمى « فطور العروسة»، لتبدأ هذه الأخيرة في حياتها الزوجية ومسؤولياتها العديدة.