تعد معضلة الأسعار في كافة القطاعات، خاصة تلك المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين، أحد الهواجس التي تشغل أكثر من بال بعد أن تجاوزت في مستويات قدرة التحمل، بل في بعض المواد كالإسمنت ومواد البناء والعقار العمراني تجاوزت قدرات مؤسسات اقتصادية بأكملها. مؤخرا صُدم المستهلكون من عامة المواطنين بارتفاع سعر السكر بنسبة لا يمكن تبريرها اقتصاديا، رغم محاولة اختفاء المستفيدين بتقلبات السوق العالمية التي شهدت تراجعا لأسعار السكر بنسبة لم تتحقق منذ أكثرمن سنة، كما أوردته بعض المصادر الإعلامية. وقبلها فرضت مافيا مادة الإسمنت التي زاد عليها الطلب بفضل البرنامج الطموح لقطاع السكن الذي سطره برنامج التنمية الخماسي، بتكريس أسعار مرتفعة جدا، إذ تفيد مصادر بأن سعر الكيس الواحد يباع ب 850 دينار، بينما لا يكلف سعر الإنتاج 300 دج. ووجدالمضاربون غايتهم في ظل محدودية المراقبة التي تبدو قد غيبت بدعوى أن الاقتصاد حر والمعادلة تخضع للعرض والطلب، وهو إدعاء فيه حق يراد به باطل، أما العقار العمراني فتلك قصة أخرى، إذ لا مجال للاقتراب منها بعد أن أصبح اللعب في ساحتها بالملايير في بلد أكبر من قارة. وفي خانة المواد الغذائية، سبق أن صنع السردين الحدث بارتفاع أسعاره بشكل لم تعرفه السوق في الماضي بسعر تجاوز 300 دج للكلغ الواحد، وأصبح ينافس الجمبري وباقي الأسماك النبيلة التي يتلاعب بها محتكرو الصيد البحري. وإذا ما صدقت الروايات فإن الأسواق الفعلية للأسماك، خاصة التونة والجمبري الملكي، توجد في أعالي البحر المتوسط بعيدا عن الشفافية. وبلا شك أن البقول الجافة والزيوت والفواكه تبدو أنها أفلتت من منظومة الأسعار المعقولة، لتتحول إلى مواد يتطلب الاقتراب منها القيام بأكثر من عملية حسابية ما وفر لأصحاب شبكات التبريد المجال واسعا لفرض احتكار وتحكم في الأسعار المرتفعة بلا رقيب، ناهيك عن الأدوية المستوردة في ظل تراجع مثيلاتها المصنعة محليا، خاصة بعد أن التهمت النيران، المثيرة لأكثر من سؤال، مخازن المواد الأولية لمؤسسة صيدال المعول عليها في ضمان الأمن الدوائي، ويجهل الى اليوم حقيقة ما حدث، إلا أن المستفيد لايخرج عن نطاق كبار مستوردي الأدوية التي تلقى رواجا في السوق بفعل تراجع مستوى المعيشة، ما يعرّض الساكنة للأمراض، ويكفي إلقاء نظرة على الصيدليات حيث يسجل ازدحام يدفع إلى طرح علامة استفهام كبيرة. هكذا إذن تبقى الأسعار بالمنحنى الذي تشهده متجاوزة المستويات المقبولة بمثابة المعضلة التي تعترض مسار النهوض بالقدرة الشرائية وحمايتها من التلاعب الخطير في غياب هيئة مستقلة لمراقبة تطور الأسعار وتدقيق تركيبتها بما يضمن السيطرة على الفوارق والهوامش، ومن ثمة منع أي تجاوز كما هو حاصل وإلا كَيف يفسر إرتفاع سعرالسكر، بينما هو في تراجع في السوق العالمية، ثم أين هي الاستثمارات الإنتاجية خارج نطاق التحويل مقابل الانتفاع من السوق الدسمة، بل حتى المنتجين للمشروبات الغازية ركبوا الموجة، بفرض زيادات مبالغ فيها على غرار مشروب حمود بوعلام الذي أصبح سعره للاستهلاك 40 دج للقارورة، بعد أن كانت 30 دج، وقِس على ذلك، علما أن هذه المؤسسة أبرمت عقود إشهار مع نجوم في كرة القدم أسابيع من قبل.. فهل بين الأمرين علاقة؟ كل هذا ألا يدفع إلى العمل لرحداث مرصد أو أي هيكل آخر لمراقبة حقيقة الأسعار والسعي إلى تفعيل مجلس المنافسة في وقت ما ان تقوم فيه الدولة بخطوة ولو محتشمة لتنمية القدرة الشرائية الا ويقوم صناعيون وتجار في مختلف القطاعات برفع أسعارهم فورًاإدخالها الى السوق بالسعر الجديد والمرتفع جدا. بلاشك لا يمكن الرهان على مسار إصلاحات ترافقه الدولة بكثير من المزايا والتحفيزات للمؤسسات الصناعية والفلاحية والمقاولات في العمران والخدمات دون أن يحاط كل ذلك المجهود بآليات مراقبة تحمي حقوق المواطنين المستهلكين، ولكن هل بالإمكان مراقبة منظومة صناعية مرتبطة بأسواق عالمية، بينما أسواق الخضر والفواكه قادرة على الإفلات من المراقبة، إلى درجة أن أكثر من تساؤل يطرح حول عدم مبادرة الوزارة المعنية بفرض العمل بجدول التسعيرة الأسبوعي كماهو الشأن في البلدان الرأسمالية العريقة.