يوجد أكثر من 150 صيادا بالجزائر العاصمة وتيبازة ممن استفادوا من قروض الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب »أنساج« في أوضاع مزرية تهدد مشاريعهم بالإفلاس، وتهدد مصير المئات من الشباب الذي يسترزق من نشاطات الصيادين في مختلف شواطئ الصيد البحري المنتشرة عبر العاصمة وتيبازة بالفقر والإحالة على البطالة القاتلة، وهذا بسبب المشاكل العويصة التي يتلقونها في مختلف المجالات، وخاصة المتعلقة بمدة تسديد القروض وغلاء لوازم الصيد وحقوق التأمينات، ناهيك عن الفوضى التي يعرفها قطاع الصيد البحري وبروز بارونات مافيوية تستعمل كل شيء للإحتكار. روى بعض المستفيدين من قروض »أنساج« حقائق خطيرة عن قطاع الصيد البحري والغموض الكبير الذي يكتنف نشاط هذه المهنة، وناشدوا من خلال جريدة »الشعب« رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة والوزير الأول أحمد أويحيى والسيد الطيب لوح وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي بالتدخل العاجل لإنقاذهم من الإفلاس والضياع. 5 سنوات لإرجاع قرض بمليار.. مستحيل يطالب الصيادون المستفيدون من قروض الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب بتمديد فترة إرجاع القرض المقدرة ب 5 سنوات، مؤكدين بأن كل مجهوداتهم تذهب لتحصيل مستحقات البنوك 170 مليون سنتيم سنويا وهو ما جعلنا نستسلم للأمر الواقع، ففي بعض الأحيان لا نصل لتوفير ولو جزء بسيط لأن عملية الصيد في بعض الأشهر من السنة أمر مستحيل، وبالتالي غياب المداخيل التي تجعلنا نوفي بالتزاماتنا مع بنك الفلاحة والتنمية الريفية. ونأمل من مختلف القطاعات التي تشرف على عملية تشغيل الشباب إيجاد الصيغة اللازمة لتمديد آجال التسديد إلى 15 سنة مثلا، مثلما يتعامل به مع القروض السكنية، فمهنة الصياد لها مخاطر كبيرة جدا والجميع يعرفها وبالتالي تحديد 5 سنوات لتسديد القرض أمر مبالغ فيه جدا، وقد قبلنا كل الشروط في 2003 من أجل تجسيد حلمنا في إنجاز مشروع بعد سنوات طويلة من الانتظار، وعليه لم يكن أمامنا خيار آخر غير التضحية، لكن مع مرور السنين أرهقتنا الظروف الصعبة وبتنا لا نتحمل كل هذه الأوزار. الإستدانة لشراء لوازم الصيد وأكد الصيادون الذين ينشطون بين شاطئي »تشيفالو و بواسماعيل« غرب العاصمة أنهم اضطروا للقيام بالاستدانة لدى محتكري لوازم الصيد لشراء ما تبقى من لوازم الصيد البحري، لأن قرض »الأونساج« مكننا فقط من شراء سفينة الصيد والمحرك فقط، بينما قمنا بالاستدانة بمبالغ تصل إلى 300 مليون سنتيم لاقتناء لوازم الصيد الأخرى من شبكة ولوزام أخرى، ونحن نقوم بالمقابل بدفع مستحقات شهرية لهؤلاء الممولين، وفي ظل استمرار التقلبات الجوية ونقص كميات السردين وأنواع الأسماك الأخرى لا نجد ما نصطاد، وبالتالي غياب المداخيل التي تسمح لنا بتسديد مختلف المستحقات التي تنتظرنا يوميا. ومن التكاليف التي تصعّب من عملنا هي المستحقات التي ندفعها لمصالح الضمان الاجتماعي، حيث تقدر سنويا ب 30 مليون سنتيم، وهي مبالغ متغيرة قد تصل إلى 60 مليون سنويا في حال تكليف آخرين بدخول البحر، لأن الصياد لا يستطيع الحضور دائما بسبب المتاعب ومخاطر المهنة التي تقتضي أخذ نصيب من الراحة للحفاظ على صحة الصياد. ونقل المعنيون رفض بعض الممولين تخفيض نسب الضريبة على القيمة المضافة بالنظر للإمتيازات التي يخولها لهم القانون الذي يفرض تخفيض النسبة من 17 إلى 7 بالمائة، حيث يتهكم هؤلاء على الصيادين ويطالبونهم إما الشراء أو الانصراف ولا مكان للقانون في البيع والشراء، ومن الملفات التي يدافع بها هؤلاء الصيادون المتخرجون من مختلف المعاهد والذين قاموا بدورات تكوينية عن أنفسهم هو قيامهم باستقبال المتربصين وهو الأمر الذي يرفضه بعض الدخلاء الذين لا هدف لهم سوى الربح. وأشار الصيادون إلى مشكل شبكات الصيد، حيث يتراوح مبلغ شراء شبكة 4000 ميل إلى 120 مليون سنتيم، وهي صالحة لمدة سنة وتستخدم للاصطياد في فصل الصيف والربيع، بينما يبلغ سعر التي تستعمل في فصل الشتاء والصيف إلى 100 و110 ملايين سنتيم، ولكم أن تتصورا حجم المعاناة ومصيرنا المجهول إذا ما تواصلت الأمور على ما هي عليه. وبالإضافة إلى مختلف الضرائب ومصاريف الصيانة، وحقوق البحارة الآخرين نصرف يوميا 3400 دينار للتزود بالمازوت، كما أن العائدات لا يستفيد منها الصياد لوحده، حيث أكد لنا أحد الصيادين بأن البحارة يأخذون 55 بالمائة من عائدات الصيد ويحصل الذي نسلم له السلعة على مستوى مساحة البيع الأولى 14 بالمائة، ويبقى لنا 30 بالمائة فقط من العائدات المالية، ولكم أم تتخيلوا حجم المأساة التي نعانيها خاصة الضائقة المالية. الفوضى والدخلاء على المهنة وراء إلهاب الأسعار ويتساءل هؤلاء عن كيفيات ومعايير الدعم التي كانت إما بالحصول على قرض بمليار سنتيم أو مشاريع الدعم، حيث استفاد البعض من دعم الوصايا، حيث تكفلت ب 10 بالمائة من قيمة شراء سفن الصيد، ومنحت السلطات 40 بالمائة على أن يسدد المستفيد 50 بالمائة من مبلغ السفينة عن طريق البنوك، ونتساءل هنا عن الازدواجية في الدعم، ونحن بإثارتنا لهذا الملف لا نريد مسح للديون، ولكن تمكيننا من دفع المستحقات لسنوات أطول من 5 سنوات على الأقل مثلما حدث مع الذين استفادوا من الدعم. ومن المشاكل التي تؤرق هؤلاء هو كثرة الدخلاء على المهنة، حيث يقومون بخرق القانون جهارا نهارا، وهذا بسبب النفوذ الذي يتميزون به، حيث لا يتصدى لهم أحد، فالبعض من بارونات ومافيا الصيد البحري ينقضون دفتر الشروط، حيث قدرات سفنهم تسمح لهم بالإصطياد في أعالي البحار، وهذا من أجل تحديد وتسطير خرائط الصيد وتجنيب هضم الحقوق لكن هؤلاء يفضلون الصيد قرب السواحل وبالتالي يؤثرون على مردود عملنا، كما أن حيثيات الصيد تفرض توفّر بعض الأجواء على غرار الهدوء للإيقاع بالأسماك، ولكن وجود السفن العملاقة قرب السواحل يفزع بعض الأنواع على غرار السردين ويجعله يغير مواقعه باستمرار ومنه منح الفرصة للدلافين للانقضاض على السردين العالق بشباكنا وبالتالي تمزيق شباكنا، ولم نجد الجهة التي يمكن أن تضع حدا لهؤلاء الدخلاء الذين جعلوا مهنة الصيد تعرف أسوأ مراحلها، وما الأسعار الباهضة لمختلف أنواع السمك إلا دليل على الضبابية التي تسيطر على واقع المهنة، فبعد ما قامت به الدولة من دعم كان يجب أن يزيد العرض لجعله في متناول الجميع، بينما ما يحدث من ارتفاع متواصل يطرح أكثر من سؤال حول سر الارتفاع المتواصل للأسعار . سألت »الشعب« الصيادين عن سر ارتفاع أسعار السمك ووصولها إلى 500 دينار للكيلوغرام، وهنا أطلعونا عن سر سوق السمك التي تسيطر عليها شبكات منظمة تعمل بمعايير دقيقة تفوق قدرات كبرى البورصات العالمية بالنظر لتحكمها في كل شيء وفرضها لمنطق يصعب على أي كان تفكيكه، حيث نقوم نحن الصيادين ببيع الحصيلة للوكلاء على مستوى سوق الجملة ويصل سعر الصندوق في بعض فترات الصيف إلى 100 دينار لصندوق يزن 27 كيلوغرام، بينما يقوم تجار التجزئة والوسطاء ببيعه بأربعة أضعاف للكيلوغرام الواحد، ولكم أن تتخيلوا ماذا يجنون من أرباح ودون دفع أضعف مستحقات الدولة، حيث شجع هذا الأمر البعض من الدخلاء على النشاط سرا بدلا من التصريح والحصول على تراخيص للممارسة نشاط الصيد البحري، وهو ما زاد من تدهور المهنة. ويبقى المواطن يدفع الثمن رفقة الصياد الذي يقوم بكل شيء ولا يجني شيئا، وفوق ذلك يعاني من الضغوطات، وهو الواقع الذي يحتاج لمعاينة دقيقة وجرأة لوقف الفساد الذي ينخره ويهدده بالزوال، خاصة في ظل الفضائح المتتالية التي يعرفها القطاع الذي شهد تورط أطراف من داخل البلاد مع شبكات مافيوية عالمية تحاول تصحير الشواطئ الجزائرية من مختلف العوالق والأحياء البحرية. وعليه، فقطاع الصيد البحري الذي يظل ينشط في الظل يخفي الكثير من الملفات الغامضة التي تكون يد الفساد قد امتدت إليه بعد أن أنهى عمله في البر، وبالتالي فالأيام القادمة كفيلة بإماطة اللثام عن الكثير من الخفايا التي تسيّره وخاصة الصيد بالمتفجرات، وطول شاطئ الجزائر الممتد على مسافة أكثر من 1200 كم قد يلفظ العديد من الملفات التي ستسقط العديد من الرؤوس في الأيام القليلة القادمة.