يبدو أن الطريقة المثلى لتحبيب الشباب في الموسيقى السيمفونية، والخروج من بوتقة الجمهور المنحصر في أصحاب العمر المتقدم، هو الانتقال بهذه الموسيقى إلى مفهوم «العرض» أو «الشو» وصنع الفرجة..هو على الأقل ما لاحظناه في البرنامج الذي اقترحه موسيقيو تونس، تركيا، والنمسا، في السهرة الثالثة من المهرجان الدولي التاسع للموسيقى السيمفونية، الذي سيختتم اليوم بسهرة واعدة يحييها ممثلو إسبانيا، سوريا، وروسيا. كانت البداية مع الأوركسترا السيمفونية التونسية، التي ارتأت أن تقدم مختارات من الموسيقى التصويرية لأعمال سينمائية وتلفزيونية شهيرة، على غرار «جوراسيك بارك»، «غايمز أوف ثرونز»، موسيقى «الرسالة» و»لورانس العرب» للفرنسي موريس جار، موسيقى «تايم» لهانز زيمر من فيلم «إنسبشون»، «معيشة الكلاب» لتشارلي تشابلين، موسيقى «زوربا الإغريقي» وبطله أنتوني كوين، مقطع من «بحيرة البجع» لتشايكوفسكي في فيلم «بلاك سوان»، موسيقى من فيلم «تايتانيك»، «الفهد الوردي» لهنري مانتشيني، ورائعة الموسيقار بادلت من فيلم «قراصنة الكاريبي». وعن هذا البرنامج، صرّح لنا حافظ مقني قائد الأوركسترا التونسية، بأن الاختيار كان لمجموعة من أشهر مؤلفي موسيقى الأفلام، والهدف هو التخلي عن رتابة عروض الموسيقى الكلاسيكي، التي تنحصر في الاستماع إلى عزف الأوركسترا، وهو أمر معتمد في أوربا، خاصة وأن «أغلب الجمهور شباب، ويجب البحث عن أنماط موسيقية أخرى لتجديد جمهور الموسيقى الكلاسيكية». وعن سؤال آخر لنا، أجاب مقني بأن موسيقى القرن الثامن عشر والتاسع عشر صارت مستهلكة، وموسيقى القرن العشرين من الصعب أن يفهما كل الجمهور، ما يجعل أعمال موريس جار وإنيو موريكوني وجون ويليامس موسيقى سيمفونية بامتياز. من جهة أخرى، عاد مقني إلى تكريم الجزائر للموسيقار التونسي قدور الصرارفي، مذكّرا للتعاون الكبير بين الجزائروتونس الذي اعتبره أمرا عاديا وضروريا، خاصة وأن الثقافة هي التي تقرب الشعوب بعضها من بعض. ثم جاء دور رباعي التشيللو التركي المتكون من أنور سنلار، إبراهيم إيدودو، بيت تان، وياز إرماك، وهو رباعي تشكل منذ 10 سنوات وهو جزء من الأوركسترا السيمفونية الرئاسية بتركيا، وقد قدّم الرباعي العديد من العروض داخل وخارج البلاد، هذه الأخيرة قال عنها «بيت تان» أحد أعضاء الفرقة بأنها تعرف اهتماما كبيرا بالموسيقى السيمفونية وأن حفلات هذا النوع من الموسيقى تكون بقاعات ممتلئة، كما أن الكثير من المدن، على غرار أنتاليا وإزمير وغيرها، تمتلك أوركسترا سيمفونية خاصة بها. وقدّم الرباعي مقطوعات صنعت الفرجة، من جهة بسبب إتقان الموسيقيين وتمكنهم، ومن جهة أخرى بسبب الاختيارات، من «بورتريه» لجورج غيرشوين، غلى «هوموريسك» لأنطونين دفوراك، ثم مقطوعة جميلة لحسان نيازي تورا..ولم يخلُ الربنامج من مقطوعة تانغو لغوران بريغوفيتش، وصولا إلى الأغنية الشهيرة «هيت ذا رود جاك» لبيرسي مايفلد، وعدد آخر من المعزوفات الجميلة التي وقف لها الجمهور تصفيقا، في لحظة جعلت ملامح التأثر بادية على ممثلي الموسيقى التركية. أما فرقة «غرازرصالون أوركستر» النمساوية، فقد جمعت بين التحكم التقني، وتعدد الآلات التي يعزفها الموسيقي الواحد، حيث جمع العازفين بين الآلة الوترية والإيقاعية..ولعل ما زاد العرض النمساوي رونقا أداء السوبرانو شيرين أصغري، التي كان من بين ما أدّت مقطوعة من «انتقام الجحيم» لموزارت، وأخرى من أوبيريت «الوطواط» لشتراوس الابن..أما الفرقة فقدمت أعمالا منها الكلاسيكي مثل «ورود الجنوب» لشتراوس الابن و»المشية التركية» لموزارت، ومنها ما هو أكثر معاصرة. التقينا بإيرما سيرفاتيوس، عازفة الكمان الألتو بالفرقة، التي قالت إنها متحمسة جدا خاصة وأن الفرقة حملت معها تراثا موسيقيا نمساويا إلى بلاد ذات ثقافة مختلفة، ولمست ذلك في الحفل الذي أحيته الفرقة بتيبازة مطلع هذا الأسبوع، وأضافت بأنّها شعرت بسعادة كبيرة لرؤية حماس وتجاوب الجمهور الجزائري مع الفرقة. وبعد سهرة أمس التي جمعت عازفي المكسيك واليابان وألمانيا وجنوب أفريقيا، ستكون سهرة الختام، سهرة اليوم، مع إسبانيا، سوريا وروسيا، في برنامج موسيقي يعد بالكثير من الإمتاع.