رغم تجليات الصّحافة الإلكترونية في بلادنا بشكل واسع في الآونة الأخيرة تزامنا مع تنامي استخدام التكنولوجيا الرقمية، إلاّ أنّ ذلك لا يعني في نظر الصّحفيّين زوال الصحف الورقية، التي ستبقى قائمة رغم صعوبة استمراريتها، فأهل المهنة يؤكدون أن ارتباط القارئ الجزائري بالورقي وضعف الانترنت يطيل عمر الإعلام المكتوب. عثمان لحياني، كاتب صحفي بموقع «العربي الجديد»: القارئ الجزائري مازال وفيّا ومرتبطا بالصّحيفة الورقية قال عثمان لحياني الكاتب الصّحفي بالموقع الإلكتروني العربي الجديد، إن القارئ الجزائري ما زال مرتبطا ووفيّا للصّحافة الورقية، ويعتقد أنّ الحديث عن تراجع للصحافة الورقية في الجزائر يبقى نسبيا إذا أخذنا بالأرقام مجموع سحب الصحف الجزائرية، التي بلغت أكثر من 900 ألف نسخة بحسب وزير الاتصال. وبحسب المقروئية يرى عثمان لحياني أن القارئ الجزائري مازال مرتبطا بالصحيفة الورقية، لان مستوى استعمالات الانترنت حتى الآن في الجزائر يبقى ضعيفا جدا، مقارنة مع دول جارة كتونس مثلا، إضافة إلى ضعف الوسائط الإعلامية الأخرى التي تبقى قليلة الاستخدام. وبخصوص المواقع الإخبارية التي يعتبرها الكثيرون من أصحاب مهنة المتاعب تحديا للإعلام المكتوب، قال لحياني إن المواقع الإخبارية مثلا في الجزائر مازالت تجربة محدودة وفتية، موضّحا أنّه لا يمكننا الحديث مطلقا عن وجود صحافة الكترونية، لأنّ الأرضية القانونية مازالت غامضة والسلطة مازالت متخوفة ومرعوبة من سلطة الصورة والصوت، والأمر نفسه بالنسبة للقنوات الخاصة التي تعرف هي الأخرى تحديات كبيرة. جلال مناد، باحث أكاديمي وصحفي، مراسل شبكة «إرم نيوز»: صعوبة مواكبة الإعلام الالكتروني..يطيل عمر الصّحافة الورقية يرى الصحفي جلال مناد أنّ تراجع وسائل الإعلام التقليدية، أضحى حقيقة ثابتة في كل الدول بما في ذلك ذات الاقتصاديات المتقدمة كالولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وفي هذه البلدان زحفت الأزمة على كبريات الصحف الورقية، فصحيفة عريقة مثل «ذا إندبندنت» (The Independent) اضطرت في مارس 2016 إلى الاختفاء عن الأكشاك بعد نحو 30 سنة من الوجود لتكتفي أخيرًا بموقعها الإلكتروني. أوضح الباحث الأكاديمي ومراسل شبكة «ارم نيوز» الإخبارية الالكترونية بأن تراجع الإعلام التقليدي له أسباب عديدة، منها انشغال القارئ بمتابعة التقنيات الحديثة التي كرّس لها انتشار الإنترنت وأضحى تداول الأنباء خاضعًا لسرعة النقل والاختصار، وأيضا تحوّل المعلنين إلى النشر الإلكتروني الذي يُوفّر الجهد والوقت والمال بتكاليف أقل مقارنة بالإشهار في الصحف الورقية. وبخصوص الإعلام الإلكتروني يؤكّد الكاتب الصحفي انه ليس كله إيجابية، فصعوبة مواكبة الإعلام الالكتروني يطيل حسبه عمر الصحافة الورقية، مضيفا أن تحديات الإنترنت بالعالم العربي وبطئها وصعوبة الولوج إليها في جهات عديدة، قد يؤثر بالسلب على قدرة المنطقة العربية في التأقلم مع هذا الواقع الجديد. ويضيف في هذا السياق حالة الغلق التي تسود بدول عربية كثيرة، بما يُفوّت على شبابها الاستفادة من تطور الإعلام، وضياعه بشائعات صفحات المدونين الهواة الذين يتناقلون المعلومة دون التثبت منها، في غياب صحافة إلكترونية جادة ومسؤولة وفي غياب انفتاح سياسي على جدوى الإعلام الرقمي. يشير جلال مناد إلى أنّه لا يُمكن بتاتا أن تصمد دولنا باكتفائها فقط بالصحافة التقليدية، أمام الزحف الإلكتروني المستمر، وقد نجد أنفسنا كالعادة متأخرين عن الركب، وبهذا المجال، فلا يمكننا بتاتا اللّحاق بدول قطعت أشواطا مهمة في تعزيز منظومتها الاتصالية ولم يعد ممكنًا البتّة أن يطول ضبط القطاع الإلكتروني في الجزائر وعموم المنطقة المغاربية...لقد أحدثت دول الخليج العربي مثلا ثورة معلوماتية، وأضحت رقمًا فاعلاً بالمشهد الإقليمي، فحتى إيران الدولة النووية تجاوزتها حرب الإعلام الرقمي، وأصبحت تواجه متاعب أمام دول تصغرها حجمًا وتناصبها العداء، ولكن تكبرها بمنظومة إعلامية متطورة ومتفاعلة مع المشهد الدولي العام. أما فيما يتعلق ب «صحافة المواطن» يعتقد المتحدث أنّه لا يمكن لمواطنين عاديين أن يصبحوا صحافيين، فنطلق عليهم صفة «صحافة مواطن»، للصحافة أصولها وإلا لماذا لا تغلق الجامعات كليات الإعلام وعلوم الأخبار؟ مضيفا ولماذا لا نقولُ بوجود «طب المواطن»، فحتى طب الأعشاب لا يؤخذ به في كثير من البلدان؟ وحين حقّق الطب إنجازات عظيمة لم نسمع من يتحدث عن ضرورة التخلي عن الطب الحديث لفائدة «الوصفات العلاجية المتداولة على «الفايسبوك» و»التويتر» وغيرها. ما يزال للطب حرمته، كما للتعليم بحجرات الدرس قداسته، رغم التطور الذي تشهده مختلف مناحي الحياة..لذلك يجب أن يجري التفكير حقيقة في إحداث ثورة بمنظومة التعليم العالي، وتغيير مقررات كليات الإعلام المنجزة لحقب سابقة، وكذلك على الدولة أن تسارع إلى ضبط قطاع استراتيجي بحجم الإعلام الإلكتروني، وتُوفّر الوقت والجهد لتدارك التأخر المسجل بالميدان. عبد الله ناظور، صحفي بيومية «البلاد»: الصّحافة الالكترونية تنافس الورقية في سرعة تقديم المعلومة للقارئ يؤكّد الصحفي عبد الله ناظور أنّه رغم انتشارها في الآونة الأخيرة إلا أنه حقيقة يرى بأن الصحافة الالكترونية تعرف تناميا يوما بعد يوم، ولكن لم تصل بعد إلى درجة تهديد الصحافة الورقية بالجزائر، وذلك بالنظر لضعف الرقمنة، حيث أن الانترنت ما تزال ضعيفة التدفق وغالية الثمن بالنسبة لطبقة واسعة من المجتمع الجزائري، ولكن هذا الأمر لا ينفي أيضا كون الصحافة الالكترونية أصبحت تنافس الورقية من حيث سرعة تقديم المعلومة للقارئ. في هذا الصدد قال إن الواقع الحالي يحتّم على الصحافة الورقية إعادة النظر في كيفية عملها، حتى تتمكن من فرض نفسها على القارئ وتنافس الصحافة الالكترونية، وذلك من خلال العمل على تكوين الصحافيين بشكل يمكن من منافسة هذه الوسائل، والانتقال الصحافة الورقية من تقديم الخبر بشكل مبسط إلى البحث عن خلفياته وأسبابه وتقديم مواضيع تحليلية للقارئ. يضيف الصحفي بيومية «البلاد» أنّ تنويع أخبار التحليل أمر غير موجود في الصحافة الالكترونية، وأيضا الاعتماد على أساليب إدارية «مناجمت» جديدة وحديثة من شأنها إعطاء دفع للصحافة الورقية التي هي بحاجة إلى متابعة التطورات الحديثة سيما من ناحية استقطاب القراء بأساليب جديدة تضفي على الصحف رونقا لاستمالة القراء.