أكد الدكتور العيد زغلامي وهو أستاد بجامعة الجزائر مختص في الإعلام والاتصال أن الصحافة المكتوبة تواجه العديد من التحديات التي فرضها عليها التطور التكنولوجي والإعلام الرقمي، وهي اليوم أمام مصير يحتم عليها الموت البطيء والطبيعي، مشيرا إلى جملة من المعايير والمعطيات المتعلقة أساسا بنسبة انتشار الشبكة العنكبوتية وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، سرعة تدفق الانترنت، تحسين المواصلات والتوزيع بالإضافة إلى تكوين الصحافي وتطوير مضامين الصحافة.. كلها عوامل تؤثر في مصير الصحافة الورقية في بلادنا. وفي حديث ثري وشيق مع السيد العيد زغلامي، أوضح هذا الأخير أن من بين تحديات الصحافة المكتوبة هو مصيرها في حد ذاته بحكم أنها تستعمل الورق، وبحكم غلاء هذه المادة فإن ذلك يشكل عبئا كبيرا على المؤسسات، ثم أن هناك قضية التوزيع بالإضافة إلى القضية الأساسية وهي الآنية والتفاعلية، وبعبارة أخرى فإن مدة حياة الصحيفة قصيرة لا تتعدى ال24 ساعة وبالتالي فعندما يكون الخبر جديدا لا يمكن التعامل معه في وقته وهو من بين الصعوبات التي تعرفها الصحافة الورقية. وتؤكد التوجهات الكبري في العالم أن الصحافة الورقية تتجه نحو زوال تلقائي تدريجي ونسبي، وعلى الرغم من أن هذا التوجه لن يكون في الجزائر بحكم الطبيعة الاقتصادية وطبيعة النظام السياسي والإعلامي في الجزائر والتي تبقى مرتبطة بنسبة الأمية ونسبة إدخال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ومعايير أخرى تختلف عن الدول المتقدمة.. غير أن التوجهات الكبرى في العالم تشير إلى أن الصحافة الورقية بدأت تعرف استنزافا وانقراضا وهو ما سيؤثر مستقبلا على الصحافة الورقية في الجزائر. ولمواجهة هذا الظرف غير البعيد عنا يجب على الصحافة الورقية أولا أن تعيد النظر في مقاربتها للقيم الإخبارية لتلعب على بعض العناصر والنقاط الحساسة التي تعمل على استقطاب المواطن وتحسين المقروئية وإيجاد عناصر الجاذبية من خلال تحسين مضامين ومحتويات ما يكتب على اعتبار أن هناك فئات تحن دوما إلى الورق وتحب ملامسته لكن في نفس الوقت يجب أن نعرف القيمة الإخبارية لما يكتب وينشر في هذا الورق. وأشار السيد زغلامي إلى نقطة أخرى يجب التركيز عليها وهي ضرورة تدعيم النسخة الورقية بنسخة الكترونية أو ما يعرف ب«بي دي اف" وفي مرحلة ثالثة الدخول في تفاعلية بإحداث تواصل مع مختلف وسائل الإعلام لأنه -كما قال- ليست هناك حدود بين الصحافة الورقية، الإذاعة والتلفزيون والانترنت، مشيرا إلى وجود تداخل وتشابك وتفاعل وفي كثير من الأحيان تناقض بين البعض.. فليس هناك حدود حتى بين الوكالات فالصراع على أشده وذلك بسبب تكنولوجيات الإعلام والاتصال التي غيرت من الأساليب والعلاقات وكل وسائل ومناهج العمل. ولم يستثن السيد زغلامي أهمية ودور الصحفي فيما يخص التكوين، بحيث يجب أن يكون في قلب المعادلة التكنولوجية ومثاله في ذلك الأهمية التي تحظى بها الكتابات والمقالات فمثلا يكتب النص ويشار إلى عدد القراء وعدد الزوار وكذا التعاليق والملاحظات وهو ما يدل على أننا دخلنا في تفاعلية مع المحيط.
صحافة المواطنة.. هل تلغي التعاملات الورقية؟ ويتساءل المتحدث، هل نحن بحاجة إلى صحافة ورقية خاصة مع ظهور صحافة جديدة وهي صحافة المواطنة التي قضت على الصحافة الورقية بحيث أصبح لكل واحد رصيد فيما يخص الفايسبوك وفيما يخص وسائل الإعلام الاجتماعية مما قلل من دور الصحافة الورقية التي أصبحت هامشية مقارنة بالتوجهات الجديدة.. وعليه فان النقلة التكنولوجية التي تعرفها الجزائر لن تمنح الكثير من الوقت للصحافة الورقية ما لم تستعجل هذه الأخيرة حلولا تتماشى والتطورات الحاصلة. وأضاف المتحدث أن الصحافة المكتوبة في الجزائر مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياسة الإعلامية التي تنتهجها الدولة وهي سياسة اجتماعية محضة مستشهدا بفتح مطبعة في بشار مثلا مما يعني أن هذا استثمار اجتماعي أكثر منه فائدة للقراء والصحافة وحبذا -يضيف- لو أننا نستثمر في الجوانب التكنولوجية ونحسن من الصحافة الالكترونية لان التوجهات الكبرى تتجه نحو الصحافة الالكترونية من خلال تدعيم الشبكة العنكبوتية والتدفق الهائل للانترنت والجيل الثالث والرابع للانترنت ونركز عليها لمواكبة التطور عوض أن نبقى ضحية ورهينة استيراد الورق بأثمان غالية من استراليا وفنلندا.. ونبقى بذلك ضحية المساومات.. وحبذا لو نغير من هذه المقاربة. وعلى اعتبار الجزائر بلدا شابا بحكم النسبة العالية للفئات العمرية الأقل من 40 سنة، فإن السلطات العمومية مطالبة بالاعتناء بهذه الشريحة من خلال معرفة الوسائل التي يهتمون بها والتي تستقطبهم أكثر، علما أن نسبة قليلة من الشباب يقرأون المواضيع الطويلة على الجريدة على اعتبار أن الخبر أصبح على المباشر. ولم يخف الدكتور زغلامي نظرته لمصير الجريدة الورقية التي يقول بشأنها أنها تنتظر الموت الطبيعي، حيث سنبقى ننشر الصحافة الورقية إلى أن يتقلص عدد القراء تدريجيا كما هو الحال بالنسبة للتلفزيون التماثلي والتلفزيون الرقمي.. فالرقمنة عجلت وغيرت أساليب التفكير والمعيشة وهذا لا يمكن أن يستثني الصحافة المكتوبة. لكن المنطق يحتم علينا استباق الموت وعدم انتظاره، حيث أننا مطالبون بمواكبة التطور والتأقلم مع الطبيعة لأنها سنة الحياة وعدم التصدي لمجرى التاريخ وحتى التطور.. وإن كان هذا هو مصير الجريدة الورقية فإننا يجب أن نستغل بعض هفوات التكنولوجيا على اعتبار أن المختصين يعيبون على الصحافة الالكترونية أنها لا تفرق بين السرعة والتسرع لكن هذا لا يمنع أن الكثير لا يضيع وقته في قراءة المواضيع الطويلة. ويشير الخبير إلى أن طريقة قراءة المواضيع اختلفت اليوم فلم تعد كلاسيكية أمام التلفاز أو مع فنجان قهوة لان القارئ اليوم يسمع إلى الغناء ويشاهد التلفزيون ويكتب على الكمبيوتر على اعتبار أن الأداة أصبحت الوسيلة الأساسية، مضيفا أن شاشة الكمبيوتر تصعب عملية القراءة الورقية.. يبقى من هم متشبثون بالقراءة الورقية لكنهم فئة محدودة وتنحصر على مستوى الإدارات بالخصوص. وعلى العموم لابد من مواكبة التطور فمن المستحيل أن نعيش خارج محيط يتميز بالتطور وهو ما سيخلق نوعا من الفجوة بين المجتمع ووسائل الإعلام التكنولوجية والسلطات العمومية.