الاهتمام بالأكابر وبالمنتخب الوطني يُنسينا عادة الحديث عن الأصناف الشبانية التي يحدث فيها ما يحدث، في صمت قاتل دون أن يتمكن أي أحد من تغيير المُنكر، فالمقياس والمعيار الذي أضحى منتهجا لقبول اللاعبين في الأصناف الشبانية لم يعد الكفاءة أو الموهبة بقدر ما أصبح يستند على اعتبارات أخرى على غرار مهنة الوالد أو اسم العائلة ووضعيتها الإجتماعية، فالذي ينحدر من عائلة بسيطة لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يلتحق بالأصناف الشبانية لأنديتنا التي لا تراعي مطلقا المؤهلات والمواهب، وكم هي كثيرة الأمثلة في هذا المجال، إلى درجة أننا نجد أنفسنا محرجين لذكر بعض الحقائق بحذافيرها ولكن الحقيقة هي كذلك وحان الوقت لوضع النقاط على الحروف لعلنا نتمكن من التخلص من المهازل التي تحول دوما دون الارتقاء بمستوى كرتنا التي أصبحت في الحضيض بغض النظر عن المنتخب الوطني، الذي هو مشكل في معظمه من لاعبين محترفين لقوا تكوينهم في أوروبا. الهيئة والهندام عاملان أساسيان وحسبما وصلنا إليه من نتائج من خلال هذا التحقيق، فإن العوامل الأساسية التي يستند عليها لاختيار اللاعبين الذين يتم قبولهم في الأصناف الشبانية والفئات الصغرى زيادة عما تحدثنا عنه آنفا كالوضعية الإجتماعية، هو الهندام وملابس التدريبات، فإذا لم يكن بحوزة اللاعب الشاب حذاءً رياضيا من الطراز الرفيع وبذلة علامة تجارية مسجلة، فإنه سيُرفض حتما، وهو ما يؤكد بأن ممارسة كرة القدم ستصبح حِكرا على الأغنياء فقط من هنا فصاعدا إذا لم يتدخل المسؤولون لإيقاف هذه المهازل واستدراك ما يمكن استدراكه في القريب العاجل. أصحاب "المعريفة" يُقبلون بدون تجارب والمعروف أنه في كل بداية موسم يتم الاستناد إلى معايير لقبول اللاعبين في الفئات الصغرى، أهمها إخضاعهم للتجارب التقنية ومراعاة مبدأ المساواة في التعامل مع اللاعبين، مع احترام مبدأ المنافسة الرياضية الشريفة من خلال قبول الأحسن، ولكن هذه القاعدة أضحى غير معترف بها واستفحلت المحسوبية و"المعريفة"، فأبناء العائلات الميسورة يُقبلون دون تجارب وأماكنهم مضمونة بالنظر إلى المصلحة التي يجدها المسؤولون عن الأندية في أوليائهم، ويتم التضحية دائما بأبناء البسطاء أو "الزواولة" الذين يُرفضون بالرغم من أن التجربة أكدت أنهم العباقرة والأحسن على الإطلاق. عدة مواهب شبانية راحوا ضحية بساطة عائلاتهم ولو نأتي لذكر الأمثلة في هذا السياق نجدها كثيرة، حتى أن المقام لا يسع لذكرها كلها، فهناك حارس شاب يُبهر الجميع في الدورات التي يلعبها بين الأحياء، موهبة ربانية، يشم الكرة ويتصدى لها من مختلف الزوايا والوضعيات، راح لتجريب حظه في نادٍ من الأندية الجزائرية المعروفة على الصعيد المحلي، فأرجعه المسؤولون من باب الملعب دون أن يسمحوا له حتى بتجريب حظه، لسبب واحد وهو أنه لا يملك حقيبة رياضية وجاء وهو يحمل أغراضه في كيس أسود، وهذا ما يؤكد أن عددا كبيرا من اللاعبين الشبان والكفاءات التي لا يُستهان بها راحوا ضحية بساطة عائلاتهم ووضعياتهم الإجتماعية القاسية. أبناء "الزواولة" يحوّلون آليا للرياضات القتالية وبعد أن خابت آمال أبناء "الزواولة" في الالتحاق بأشباه مدارس كرة القدم في الجزائر، تحول اهتمامهم آليا إلى الرياضات القتالية التي ينفر منها أبناء الأغنياء، باعتبار أن الشبان إذا لم يحولوا اهتمامهم للرياضة فإنهم سينساقون حتما إلى الآفات الإجتماعية، وهذه حقائق نذكر منها مثالا حيا، وهو أن هناك لاعبا معروفا حاليا ينشط في فريق إتحاد البليدة وبرز وتألق بشكل ملفت للانتباه، بدأ ممارسة كرة القدم في صنف الأواسط بعد أن كان بطلا في رياضة المصارعة، حيث لم يتسن له الالتحاق بنادٍ كبير عندما كان في صنفي الأصاغر والأشبال، باعتباره لا يملك "المعريفة" ولعل هذا أكبر مثال يمكن أن نستدل به، والأكيد أن هناك حقائق أخرى مُريعة ويندى لها الجبين.