خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com محاكمة فضيحة أو سرقة القرن بدأت في الجزائر، بل تحديدا في مدينة البليدة مدينة الورود. الناس كل الناس مستنفرون، منهم من يتفرج كعادة الجزائريين الذين تحلو لهم متابعة مثل هذه المسلسلات الشيقة ومنهم من يتابع المحاكمة وهو يستحضر شريط الذكريات عندما كانت طائرات الخليفة تملأ فضاء الجزائر والخارج، وعندما كانت وكالات بنك الخليفة تمطر ذهبا وفضة وعندما كان نجم الشاب الظريف رفيق عبدالمؤمن ساطعا فوق سماء الجزائر قاطبة، الكل يراقب بإعجاب أطراف الإمبراطورية وهي تتوسّع بطريقة سحرية. الذين فهموا اللعبة كانوا منذ البداية السباقين إلى الاغتراف من أنهار الخليفة المتدفقة والذين لم يفهموا اللعبة كانوا يبحثون عن معلم يعلمهم قواعد اللعبة وآخرون كانوا يتابعون اللعبة منقسمين بين معجب ومتحسر. لا أدري إن كان بإمكاني أن أقارن بين تكليخة الخليفة وبين حكاية قارون أم لا. الحقيقة أنني استحضرت حكاية قارون التي وردت في أواخر سورة القصص وأنا أتابع تقارير أول يوم من محاكمة القرن. ومع الاختلاف في مصدر الأموال بين قارون والملياردير المخفي، أعتقد أن هناك بعض الشبه بين الذين كانوا يتمنون مكان قارون وبين الذين كانوا يطمعون في الاغتراف من أموال الخليفة، ومثلما فرح أصحاب قارون لنجاتهم وهم يرون الأرض تنخسف به وبداره كذلك فعل الذين بقوا على الأرض بعد أن انخسف الشاب خليفة. والحق أنني أنا أيضا كنت من أشدّ المعجبين بهذا الشاب وازداد إعجابي به وأنا أرى أن مسؤولينا المحترمين هنا وهناك يعجبون به ويبوئونه أعلى المراتب. ولا أخفي عليكم أنني من شدّة إعجابي بالشاب خليفة أنني كنت أتابع أخباره أينما حلّ لعلي أجد مفتاح سر نجاحه وتألقه. كنت أريد أن أكون مثله متألقا، أجمع حولي المال والجاه والشهرة في سرعة البرق. ما الفرق بين هذا الشاب الأسطوري وبيني أنا أو أي طماع مثلي؟ لماذا هو وجد المفتاح السحري وأنا أو غيري من الطماعين في المال والشهرة والجاه لا نجده؟ ولا أخفي عليكم أنني بحثت عن المفتاح وطرقت كل الأبواب ولم أستسلم إلا بعد أن أكد لي العارفون أن هناك مفتاحا واحدا كان مخبأ تحت جدار في بقعة ما وكان ينتظر فقط أن يبلغ الفتى أشده فيستخرجه منه، وبما أنه مفتاح سحري فإنه تبخر بمجرد أن انفتحت المغارة أمام الشاب خليفة. لكن مع ذلك لا أخفي عليكم أنني بعد أن رأيت حلمي يتبخر ندمت على شدة طمعي وتخيلت نفسي مكان هذا الفتى، كيف كنت سأتصرف بكل تلك الأموال، وكيف كنت سأتغلب على شحي الذي تربيت عليه فأغدق الملايين على أناس لا أعرفهم ولا يعرفونني، وكيف كنت سأسخّر طائراتي وفروع بنكي لخدمة أناس غرباء لا تربطني بهم أية علاقة مهنية؟ ثم سمعت هاتفا يقول لي لأنك لا تعرف كيف ستفعل كل هذا لم تكن أهلا للحصول على هذا المفتاح، ثم إن أباك (رحمه الله) لم يكن لا مجاهدا ولا مالغيا ولا وزيرا سابقا ولا مديرا للخطوط الجوية الجزائرية ولا حتى صيدليا! طأطأت رأسي ولعنت تلك الأحلام الخبيثة التي كانت تراودني. لعنت الأحلام لكن غبارها لا يزال يراودني ويطلق في أذني وساوس أعوذ بالله منها. تخيلوا أن الناس كلهم يعلمون أن الشاب خليفة الذي كان يملك أسطول الطائرات وشبكة مصرفية خيالية هو الآن متهم بالسرقة الموصوفة وتكوين عصابة أشرار والتحايل وغيرها من الأوصاف الشيطانية.. رغم كل هذه البديهيات والمسلمات تأتي هذه الوساوس لتقول لي إن ذلك ليس صحيحا وعليك أن تخلع تلك الصورة الشيطانية عن ذلك الفتى الرائع البريء! رفضت الخضوع لتأثير هذه الوساوس، غير أنها عادت إلي هذه المرة بصور غريبة. صور ومشاهد لهذا الشاب المحتال والشرير وهو يجلس حول موائد كبار القوم. صور للشاب خليفة وهو يرافق مشاهير الفنانين ونجوم فرنسا، صوره وهو يعانق نجمات لا يمكن للمرء أن يشاهدهن إلا على التلفزيون، صور هذا الشاب وهو يتلقى وسام اللجنة الأولمبية الجزائرية من بين يدي السيد الكريم صاحب الفخامة عبدالعزيز بلخادم، (ولمن لا يعرف، فقد أصبح السيد بلخادم منذ أيام يحمل هو الآخر لقب صاحب الفخامة، ولم أكن لأجرؤ على إطلاق هذا اللقب على شخص ثان غير فخامته لولا أنني سمعت وزيرا محترما يطلق عليه هذا الوصف في نشرة الأخبار وتكرر المشهد أكثر من مرة). نعم لقد حمل الشاب خليفة وسام شرفيا علقه حول رقبته فخامته الذي كان آنذاك وزيرا للدولة أو وزيرا للخارجية (لا أذكر)، وقد حضر حفل التكريم مسؤولون كبار من علية القوم. حمل لي الوسواس أيضا صور الشاب وهو يبتسم برقة عندما كان صاحب الفخامة يدشن محطة تحلية مياه البحر التي تبرع بها لسكان العاصمة، وصور الشاب مبتسما وهو يراقب صاحب الفخامة الأول وهو يستقبل ضيوف الشاب من نجوم فرنسا جاؤوا لحضور مقابلة كروية في ملعب 5 جويلية بمناسبة توقيع اتفاق يموّل به طيران الخليفة نادي مرسيليا، وهو أحد النوادي التي يهتز لها شعبنا الكريم بشهادة وزير التضامن المحترم. صور كثيرة للشاب وهو ينزل أو يغادر مطار العاصمة على طائرته الخاصة معززا مكرما. ومع الصور حكايات أخرى عن وزراء ومسؤولين آخرين وبرلمانيين وهم يتسلمون عقودا لتشغيل أبنائهم وبناتهم في مختلف مناطق نفوذ الخليفة، منهم من كان حظه في الجزائر ومنهم من طار به (الزهر) إلى الخارج ليقبض بالثقيل. هل هذا هو الشخص الذي فُتحت عليه أبواب جهنم وهو المتهم الرئيسي في فضيحة القرن؟ هل هو نفسه الذي يترقب الجزائريون بفارغ الصبر (أم بصبر فارغ) أن ينزل مكبلا من طائرة الخطوط الجوية الجزائرية مباشرة إلى سجن البليدة؟ كل الدلائل تشير إلى أنه هو الشخص نفسه، وليس أحدا غيره، وسبحان الله مغيّر الأحوال! لا أختم قبل أن أتطفل أنا الآخر لكتابة بعض الأسطر عن فضيحة القرن الأخرى التي انفجرت يوم العيد الأكبر عندما شُنق صدام حسين. وأنا أريد فقط أن أحتج على الذين وجدوا لهم فرصة أخرى لتسخين عضلاتهم تحسبا للمواعيد الانتخابية المقبلة فصاروا يخوضون مع الخائضين. ومن دون أن أطيل أودّ هنا أن يشاركني أخي القارئ هذه الكلمات التي ترددت في نشرات أخبار التلفزيون الموقّر، والمناسبة هي إقامة الاتحاد العام للعمال الجزائريين مجالس عزاء في الولايات. تابعوا جيدا وبانتباه من فضلكم ورجائي من كل من يفهمه أن يبعث لي تفسيرا وأنا له من الشاكرين.. (مبادرة الاتحاد العام للعمال الجزائريين باسم العمال، كافة العمال على المستوى الوطني وباسم المحبين لما سماه العادلة مبادرة انتاع الاتحاد العمال الجزائري هي المبادرة النفسية والمبادرة ضد كيما يسموه لوكيباسيون العراق وضد في وقت العيد والاحتلال في وقت العيد نهار نتاع الرحمة نهار انتاع التسامح يكون المجرم هذا من طرف ناس اللي يحتلوا العراق هذا مجرمة غير مقبولة من طرف العمال، غير مقبولة من طرف الناس اللي يحبوا العدالة وهذا أخذت الاتحاد العام للعمال الجزائريين المبادرة باش تندد هذا العنف أمام الإنسانية أمام الرئيس صدام حسين أمام الأمم العربية الإسلامية). انتهى الكلام وهو لمحبوب العمال والمطرودين والبطالين وكافة الجماهير الأستاذ سيدي السعيد عبد المجيد الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين!