خضير بوقايلة kbougaila@gmail.com أعطيت قبل أيام إشارة انطلاق فصل جديد من مسرحية أنريكو والعودة المستحيلة إلى الجزائر، وبدأ وطيس الحرب الكلامية يسخن شيئا فشيئا، ووجدت الصحف مادة (دسمة) تقتات منها ونأمل أن يشارك السياسيون في الوليمة بمناسبة الحملة الانتخابية المباركة. الأخبار تقول إن ساركوزي ينوي منح تأشيرة الدخول إلى الجزائر لصديقه المغني اليهودي الجزائري الفرنسي أنريكو ماسياس، وتضيف الأخبار أن قرار ساركوزي أثار ردود فعل بلغ صداها قصر الإليزي فاعترفت أن هذه الحكاية سببت إحراجا للجماعة من هؤلاء وهؤلاء ونحن في انتظار ما يلي من فصول المسلسل. ولمن لا يذكر، فإن عودة أمل العودة إلى ماسياس انبعث مع وصول صاحب الفخامة إلى قصر المرادية، وكان ذلك تحديدا في عزّ الحملة التي باشرها لكسر الطابوهات بدءاً من شن الحرب (الكلامية) على القطط السمينة. في أوجّ الحملة التقى الرجلان وتعانقا وأبكى أحدهما الآخر ثم وجّه فخامته دعوة لابن قسنطينة من أجل تحقيق حلمه المستحيل، ولم يقتصر الأمر على دعوة إلى زيارة (عائلية) إلى قسنطينة مسقط رأس أنريكو، بل تعداه إلى تكليف ديوان رياض الفتح بتنظيم جولة فنية للمغني في الوسط والشرق والغرب، وانطلقت حملة التحضيرات وتجمّلت مدينة العلم لاستقبال ابنها الضال، وبدأ المنظمون في بيع تذاكر الحفلات وكادت تنفد في وقت قياسي قبل أن تتوقف الآلة بطريقة دراماتيكية أحدثت عدة أضرار جانبية منها هز ثقة المطرب الكبير في صديقه وأيضا طرد مدير ديوان رياض الفتح من منصبه ولا أدري لحدّ الآن إن كان طُرد لأنه فشل في تنظيم الحفلات أم لأنه أطاع الأوامر واعتقد أن الحكاية جادة لأن الأوامر وصلته من مصادر يُفترض أنها جادة! المهم أن رحلة المغني إلى الجزائر ألغيت وأصيب المسكين بخيبة أخرى وهو الذي كان يعتقد أنّ رحلة العمر أزفت وأن بطل المصالحة الوطنية والدولية أفلح في كسر جرّة الطابوهات بزفرة واحدة. وبما أن خيط الأمل باق ما دام العمر باقٍ فإن الرجل بقي متمسكا بحلمه الذي بكاه وأبكاه، وجاءه الوعد هذه المرة من كاسر الطابوهات الثاني ولا ندري إن كان سيفلح هو الآخر في فرض إرادته أو رغبته وتحقيق أمنية الصديق وابن العمّ أم أن اللعنة ستستمر؟ علما أن ابن البلد بدأ يخشى على نفسه من الإحباط فبعث لصديقه كاسر الطابوهات يطلب منه أن لا يُخشِّن رأسه بسببه. صديقي أراد، كعادته، أن يحشر أنفه في هذه القضية (الوطنية) الحساسة، مدّعياً أنه يعتقد جازماً أن عودة أنريكو إلى الجزائر كسائح أو زائر أو ضيف أو حتى كابن بلد من شأنها أن تضيف نقاطا أخرى إلى رصيد صاحب الفخامة. فالمصالحة الوطنية تبقى ناقصة وغير مكتملة ما لم تتصاف القلوب وما لم تحتضن الجزائر جميع أبنائها. نعم، يضيف صديقي، ستبقى المصالحة شعارا وعملة سياسية إذا بقي خارج الجزائر ابن بلد واحد غير قادر على العودة لأن الظروف لا تسمح له بذلك. ولا يتوقف صديقي عند هذا الحدّ، بل هو يعتقد أن السماح لأنريكو بتحقيق حلمه سيكون خيره وفيرا على البلد وعلى فخامته على الخصوص، ذلك أن الرجل وقومه سيعطون دفعا قويا للحركة المباركة التي انطلقت هنا وهناك لإعلان صاحب الفخامة فائزا بجائزة نوبل للسلام، ذلك أن عصبة نوبل لا يزالون لم يقتنعوا أن السلم عاد إلى الجزائر وأن فخامته أنجز ووفّى بوعوده التي قطعها على الشعب أمام الله وأمام خلقه من أنه سيعيد للبلد عافيته ويجعل كل أبناء البلد إخوانا على سرر متقابلين. ولما رأى الصديق العزيز أنني لم أقتنع بكلامه سألني، لماذا كل هذه الشحناء ضد أنريكو فقط؟ هل هو اليهودي الوحيد الذي يقف إلى صف إسرائيل؟ وهل هو الوحيد الذي كان له أهل في الجزائر وقفوا في صف المستعمر؟ وهل إذا سُمح له بالنزول في مطار الجزائر سيكون اليهودي الوحيد الذي يزور الجزائر ويلتقي مسؤوليها ويعاين المدينة التي وُلد فيها وأحياءها؟ سألته وأين يضع رئيس الحكومة نفسه وهو الذي سجّل مواقف مناهضة من أجل أن لا يعود أنريكو إلى البلد الذي وُلِد فيه؟ فردّ علي أن هناك عدة سبل لتفادي لقاء الرجلين إذا كانت لا تزال في قلب الرجل المؤمن بالمصالحة الوطنية شحنة غيرة، يمكنه أن يعلن رفضه علنا مصافحة أنريكو والوقوف في صف مستقبليه، أو يمكنه أن ينظم له زيارة إلى الصحراء أو زيارة عائلية مثلما فعل وزير الخارجية البريطاني قبل أسابيع متسببا في إلغاء لقاء مع نظيره السعودي بمناسبة زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى حبشة القرن الواحد والعشرين، كما يمكنه أيضا أن يعلن استقالته من منصبه حفاظا على ماء الوجه ودفاعا عن مبادئه وحرصاً أيضا على توفير الفرصة الكاملة لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في الجزائر. ولولا أنني أوقفت صديقي عن الاسترسال في سرد احتمالات إنجاح عودة أنريكو بدون بلخادم لقال لي إنه من الممكن أيضا تأجيل الانتخابات البلدية حتى يقال إنه مشغول بالحملة الانتخابية فيكون عذره مقبولاً. لكنه مع ذلك استسمحني في طرح سؤال أخير، قال فيه لماذا لا يستفيد أنريكو من جواز سفر دبلوماسي فيدخل الجزائر دون تأشيرة ودون حاجة إلى تنظيم زيارة رئاسية من أجل ذلك؟ طبعاً قال ذلك متأثرا بما قرأه من أن الأوروبيين اتفقوا مع الجزائر على أن يتنقل حاملو جوازات السفر بين البلدين دون الحاجة إلى تأشيرة الدخول. والجزائر لو أرادت أن تحسن إلى شبابها وتخدمهم آخر خدمة في حياتهم لمنحتهم هي الأخرى جوازات حمراء ولا يهم أن تحدد صلاحياتها ولو بيوم أو أسبوع واحد أو حتى لمقدار رحلة جوية واحدة! *** على ذكر الانتخابات المحلية وددت لو أجد جوابا عن سؤال واحد من أهل العلم. لماذا لا نرى في نشرات أخبار التلفزيون المرشحين للمجالس البلدية والولائية وهم ينشّطون بأنفسهم حملاتهم الانتخابية؟ لماذا يضطر أويحيى وبلخادم وحنون وسلطاني وتواتي إلى التنقل إلى الولايات والتسويق لرجال ونساء سيكونون هم وحدهم المسؤولين أمام المواطنين طيلة خمس سنوات. قادة الأحزاب يقطعون الوعود والمرشحون يصعدون إلى مناصبهم الجديدة دون أن يكونوا مقيَّدين بأي التزام علني أمام الجماهير والتلفزيون عليهم شاهد؟ لا تستمعوا لصديقي لأنه سيقول لكم إن هناك اتفاقا بين القادة والمرشحين لتقاسم (الشكارة)، وما أدراك ما الشكارة! *** قرأت قبل أيام أن رئيس الحكومة غضب من صحافي فلسطيني اتهمه وأعضاء حكومته بأنهم لا يعيشون مع الشعب ولا يعرفون شيئا عن معاناته مع أسعار الخضر والفواكه (إن كان هناك سبيل للفواكه) في الأسواق.. وكان رد معاليه أن طلب من الصحافي حدا أدنى من اللياقة والتقيد بواجب الأخوة واحترام الآخرين. وطبعاً أكّد له معاليه أنه ووزراءه ينزلون ويمشون في الأسواق ويقضون حاجاتهم دون مساعدة أحد ويعرفون أيضا مستوى معيشة المواطن. وأنا بدوري أجد نفسي مضطرًّا إلى التضامن مع ابن بلدي، لكن تعاطفي مع زميلي في المهنة تجعلني أجد له ما يكفي من الأعذار لأنه قال مثل هذا الكلام. وهنا لا بد أجدني أيضا مضطرًّا لتحميل معاليه وفريقه مسؤولية ما جرى. نحن نعلم أن وزراءنا الأعزاء ينزلون إلى السوق ويتبضّعون بأنفسهم وأغلبهم يذهب قبل ربع ساعة من غلق السوق، لا لأنهم لا يريدون الاحتكاك بالناس، بل لأن قدرتهم الشرائية ضعيفة والمعروف أن الأسعار تسقط مع قرب غلق أبواب السوق. نعرف أيضا أن معاليهم جميعا لا يأكلون اللحم إلا مرة في الأسبوع وكثير من أولادهم يعانون نقصاً فادحا في الفيتامينات، وإذا أكلوا تفاحة أو موزة في الغداء فإنهم لن يطعموا مثلها إلا بعد ثلاثة أيام بالتمام والكمال. نعرف أيضا أن معاليهم صاروا يجتمعون مرة كل أسبوع عند بيت أحدهم ليستمتعوا بقرمشة البطاطا المقلية. نحن نعلم كل هذا وأكثر منه، لكن الأجانب لا يعلمون، لأن نشرات التلفزيون الإخبارية تنقل لنا صورهم وهم في أبهى الحلل وبطونهم منتفخة وهم يدشنون ويزورون ويستمعون للشروحات ويتكلمون كلام الشبعانين. بما أن التلفزيون صار محجوزا لمعاليهم وحدهم طول أيام الأسبوع فلماذا لا يتكرّم حاملو الكاميرات بالوقوف كل يوم أمام أسواق الحراش وبلوزاداد وباش جراح لينقلوا لنا صورا حيّة أو ميتة لمعالي الوزراء وهم يحملون قففهم ويدورون بين باعة الخضر يبحثون عن السلعة الأرخص ثمنا؟ لا تخافوا يا جماعة التلفزيون أن تتدنى شعبيتكم؟ فنحن مولعون بمعاليهم وبجميع تحركاتهم ونعدكم أننا لن نغير القناة حتى تنتهي نشرة الأخبار ولو دامت خمسا وعشرين ساعة. نريد أن نرى ويرى الأجانب معالي الوزراء في الأسواق وفي الطرق وداخل بيوتهم، وحتى داخل شقق الفنادق، نحن يهمنا أن نعرف كل تفاصيل حياة أصحاب المعالي كما يهمنا أن يعرفوا أننا نريد ونتشوّق إلى متابعة أخبارهم لحظة بلحظة. رجاء يا جماعة التلفزيون لا ترحمونا من هذه المتعة، وإذا رأيتم أن قناة واحدة أو ثلاثا لا تكفي فطالبوا بالمزيد، ومن حظكم أن معالي وزير الاتصال قد أعلن قبل يومين أنه سيطلق سبع قنوات رقمية متخصصة، فخصصوا قناة لفخامته وحده وقناة لزيارات الوزراء الميدانية والتفقدية وقناة لخروجهم إلى الأسواق وقناة للقاءاتهم الأسرية وقناة للقاءاتهم واجتماعاتهم الخاصة وقناة لذهابهم إلى محلات "الشيفون" وقناة لمعاليهم وهم يقفون في الطابور لسحب رواتبهم من البنوك أو من البريد وقناة لنقل احتجاجاتهم عندما يقول لهم موظف البنك أو البريد إن الكمبيوتر "مبلوكي". وما بقي من القنوات احجزوها لنشاطات زعماء الأحزاب والتنظيمات الجماهيرية الذين يحملون هموم الشعب والبلد في محافظهم.