يبدو أن الآباء الجزائريين لم يعودوا يفقهون شيئا من أبجديات تربية الأبناء، حيث تراهم ينهالون ضربا على فلذات أكبادهم بحجة تربيتهم، فيسببون لهم عجزا طويلا تارة، وعُقدا نفسية قد تحطّم مستقبلهم تارة أخرى، بعد أن غابت لغة الحوار والتواصل، واندثرت الكلمة الطيّبة والمشاعر الجيّاشة، وأضحت العصا الخشبية وأنبوب الغاز البلاستيكي وسيلة الحوار الوحيدة، إلى درجة وصول معاناة الأطفال إلى قاعات المحاكم لأنها الوحيدة التي ستُنصفهم حتما، فالمتهم أب أو جدة والضحية طفل بريء .. إنها قصص غريبة من الواقع الجزائري.. هي عجوز ناهزت السبعين من عمرها، إنهالت على حفيديها اليتيمين ضربا بأنبوب غاز بلاستيكي من أجل تأديبهما، سببت لهما عجزا، ولخطورة حالتهما أودع معلّموهما شكوى لدى رجال الأمن بعد أن جاء الحفيدان إلى المدرسة في حالة يرثى لها. وبمثول الجدة أمام محكمة الشراقة نهاية الأسبوع، بدت جد منهارة ونادمة على فعلتها، حيث لم تتوقف دموعها عن السيلان طيلة المحاكمة، ولما سألتها القاضية كيف استطاعت ضرب حفيديها بتلك القسوة، استرسلت العجوز في سرد حياتها، تقول إنها لاحظت تدني مستوى حفيديها "أ" و"ي" في الدراسة فقصدت مدرستهما للاستفسار من المعلمين، فواجهتها المعلمة وبكل قسوة قائلة لها: "كان الأجدر بك أن تأتي للسؤال عن قلّة تربيتهما وليس عن دراستهما" فالتلميذان -حسب المعلمة مشاكسان، حيث قام أحدهما بضرب زميلة له، والآخد جرح أخرى. هنا ثارت ثائرة الجدة وقصدت المنزل، لتسل أنبوب الغاز وتنهال على الحفيدين ضربا مبرحا حسب تصريحاتها ، متناسية أنهما أمانة في عنقها، فوالدهما مذبوح على يد إرهابيين والأم غادرت المنزل وتزوجت من آخر.. وبعد ذلك الضرب، قصد الحفيدان المدرسة لمزاولة دروسهما، وإذا بالمعلمين يستغربون من الحالة التي كانا عليها فاتصلوا بالشرطة، وقد حدّد عجز أحد الحفيدين ب 21 يوما، وبخمسة أيام للآخر. الجدة بكت بشدة أثناء المحاكمة لأن رئيسة المحكمة كانت حازمة معها، حيث سألتها عن القلب الذي سمح لها بضرب يتيمين صغيرين بقوة وهي جدتهما، فكيف يكون مصيرهما لو كانا أجنبيين عنها، إذ كان أحرى بها أن تعطف عليهما وتنصحهما بتسوية سلوكهما بلين وحب وليس بالضرب.. أما الجدة فقد اعترفت بأن حفيديها طائعين لها، وتحبّهما حبا شديدا، وأن الغضب هو من فعل فعلته معها، وهي نادمة على ما اقترفت يداها، وتعهّدت بعدم تكرار فعلتها. وبدوره وكيل الجمهورية اعتبر ما فعلته تعذيبا للحفيدين، وسألهما إن كانا يريدان البقاء معها.. فأجاب كلاهما بنعم، وهددها إن كررت فعلتها فسينزع منها الحفيدان للأبد لأنهما ليسا في مأمن معها، ليلتمس لها في الأخير ستة أشهر حبسا غير نافذة وغرامة مالية تقدر ب 5 آلاف دينار جزائري. غير أن هاته القضية ليست الوحيدة من هذا النوع المطروحة على المحكمة، حيث نادت المحكمة في نفس الأسبوع على أب متهم بضرب بناته الثلاث ضربا مبرحا من بينهن رضيعة.. وقد عرض رئيس المحكمة على وكيل الجمهورية صورا التُقطت للبنات بعد الضرب، وهي صور في منتهى البشاعة، ولغياب الأب المتهم عن المحاكمة أجل النظر في القضية. نادية سليماني: [email protected]