المتهمون الموقوفون في قضية "الخليفة" هم أشخاص عاديون، يحضرون كل صباح إلى قاعة الجلسات قادمين من زنزاناتهم تحت حراسة الشرطة، ليأخذوا لهم مكانا على مقاعد في زاوية من القاعة، يبتسمون لأهاليهم الحاضرين، يضحكون أحيانا تعليقا على تصريحات أحد "زملائهم"، يتهامسون فيما بينهم، لا تبدو عليهم "آثار" السجن أو المعاناة، ولا يملكون مواصفات "العقول المدبرة" لما يصنف ضمن احتيال القرن. من بينهم شباب في الثلاثين بمستوى جامعي، أحدهم طبيب أسنان، وأيضا كهول، أبرزهم "عمي عمر" كما يناديه المتهمون، وهو المدعو (ر. عمر) الموثق الذي يتجاوز عمره 79 عاما ويعاني من مشاكل صحية، ويبدو طيلة أيام المحاكمة شاحبا منزويا في مكانه، محاميه أودع ملفه الطبي لدى ممثل الادعاء العام للاستفادة من الإفراج المؤقت. "الشروق" ترصدت تحركاتهم منذ انطلاق المحاكمة، وتابعتهم، من بينهم موظفون سابقون في الشرطة والجيش ومؤسسات عمومية وحراس وسائقون وإطارات... لا توجد في قاعة الجلسات بمجلس قضاء البليدة، حيث تجرى محاكمة المتهمين في قضية "الخليفة بنك"، زنزانة أو مكان مسيج يقف فيه المتهمون، كما نرى في الأفلام، ويرتدي هؤلاء بذلة خاصة وقبعة ويتابعون محاكمتهم من السياج، القاعة مفتوحة، وتتسابق عائلات المتهمين للجلوس في المقاعد الأمامية حتى تكون قريبة منهم، وإمكانية الحديث إليهم ولو عن بعد، ويدور الحديث غالبا عن السؤال عن الأولاد والأم بإشارات وإيماءات، وأول ما يقوم به المتهمون عند دخول القاعة هو البحث عن أهاليهم، ويحضر في غالب الأحيان الإخوة أو الأولاد، وفي حالات قليلة تحضر الأم في غياب الأطفال الممنوعين من الدخول إلى القاعة، خاصة وأن أغلبهم يقيمون بضواحي العاصمة، ثم محاميهم، ويحتفظ المتهمون بألبستهم اليومية، هناك من لا يزال يرتدي بذلة تبدو مكوية وآخرون فضلوا ارتداء قمصان وسراويل أو بذلات رياضية، وفاجأ أحد المتهمين البارزين، أمس، الحضور عند ارتدائه قميصا عسكريا أخضرا تابعا ل "المارينز"، وفضل آخر طيلة أيام المحاكمة وضع نظارته الزجاجية على رأسه. ويبدو هؤلاء مرتاحين غير متوترين أو قلقين، خاصة وأنهم يواجهون أحكاما قد تصل إلى 20 عاما حسب التهم الموجهة إليهم، يبتسمون للحضور، ويضحكون أيضا عند قيام أحدهم الماثل أمام القاضية بحركة غير عادية أو تصريح مثير، ورأيتهم يتابعون باهتمام تدخلات أعضاء هيئة الدفاع من محاميهم أو دفاع غيرهم، ويعلقون في صمت باستثناء اثنين من المتهمين الموقوفين هما الموثق (ر.عمر) الذي يجلس في مكان منزوي، تبدو عليه آثار المرض، لا يتحرك ويظل صامتا، كأنه بعيد بفكره عما يدور في القاعة، وعندما تنادي عليه القاضية أحيانا يقف بصعوبة ويرد بصوت خافت جدا، ولم أره يحتك بالآخرين، إضافة إلى إيغيل مزيان المدرب الوطني السابق الذي اختار مقعدا بعيدا عن "الأضواء" ينظر إلينا بصعوبة، شاحبا جدا، لا يرفع عينيه من الأرض إلا أحيانا، كان مطأطأ الرئيس خلال مثول زعيم رئيس اتحاد فريق البليدة سابقا ولخضر بلومي اللاعب الدولي السابق رغم أنهما لم يكونا بعيدين عنه إلا بأمتار، وحتى عندما تدخل محاميه ليعترض على سؤال زميل له، لم يرفع رأسه. وتستمر الجلسة إلى ساعة متأخرة، عند المغادرة يقف بعض المتهمين لتوجيه قبلات طائرة إلى أقاربهم الحاضرين، داعين إياهم للاهتمام بصحتهم و.. و.. ويغادرون إلى زنزاناتهم في انتظار الغد، ويلتقي المتهمون عائلاتهم كل يوم جمعة بناء على رخصة اتصال ويتناولون الغذاء يوميا بقاعة خاصة بمجلس قضاء البليدة، ويشرف ممثل الادعاء على التكفل بهم وتلبية طلباتهم، ويحرص على إعطائهم قارورات المياه المعدنية خلال استجوابهم، ويسمح لهم بالراحة عند شعورهم بالإرهاق والتعب.. محكمة البليدة: نائلة. ب: [email protected]