سجن سركاجي في جلسة وصفت بالساخنة وغير العادية بالنسبة لنا، ووسط تذمّر من الدفاع لغياب بعض الشهود، ميزها ردّ وجذب بينهم وبين قاضي الجلسة وبين رفض هذا الأخير اعتبار عبد الحق لعيادة كشاهد، بل أنه أخرجه من القاعة لما لمحه يسجل بهاتف نقال، وهو الأمر الذي أنكره لعيادة، وتحت أنظار متهم نحيف وشاحب، ووسط ثماني علب كاملة من الملفات. *القاضي يأمر إخراج العيادة من الجلسة بسبب هاتف نقال وسط كل هذا وذاك، عالجت أخيرا جنايات العاصمة، ملف تمرّد المساجين بسركاجي، بل أنها فصلت في القضية رغم انسحاب المحامين الخمسة وامتناع المتهم حميد مباركي عن الإجابة على أسئلة القاضي، وذلك في قاعة شبه فارغة، بعدما غادر الحاضرون ظنّا أن القضية ستأجل، فكانت قضية مثيرة حقا توترت خلالها الأعصاب. ففي بداية الجلسة، احتدم نقاش حاد بين ثلاثة محامين وقاضي الجلسة، حول استدعاء بعض الشهود منهم مدير السجين والمدعو (ع) محبوس بسجن تازولت بباتنة، لكن الدفاع وافق على معالجة القضية وعدم الانسحاب. وعليه، تمّ المناداة على 13 ضحية و7 أطراف مدنية وحوالي 78 شاهدا غاب الجميع ماعدا واحد، وبعد تلاوة قرار الإحالة المطوّل، نادى قاضي الجلسة على "حميد مباركي" لاستجوابه. وهنا انتفضت هيئة الدفاع مرة ثانية بعد انضمام الأستاذ بوشاشي وطواهري اللذين حضرا متأخرين، ليطالب المحامون الخمسة مرة ثانية بتمسكهم بإحضار الشهود، الذين بإمكانهم سرد طريقة قتل الحراس الأربعة أكانت رميا بالرصاص أم ذبحا حسب الدفاع لأن مباركي أدخ الأسلحة فقط إلى السجن وليس الخناجر يقول الدفاع وهنا ثارت مناقشة حادة بين المحامين وقاضي الجلسة والنائب العام، حيث تساءل القاضي: "كيف توافقون على الانطلاق في القضية والآن تتراجعون!؟"، ليرد الدفاع بأن حضور الشهود مهم لتوضيح كثير من الحقائق المخفية، متسائلين عن عدم إحضار مدير سركاجي السابق رغم أنه يقطن بباب الواد. وبإصرار القاضي على المضي في المحاكمة، انسحب الدفاع بالجملة من القاعة، وبدوره المتهم حميد مباركي تمسّك بدفاعه ورفض المحاكمة. وعليه، انسحبت هيئة المحكمة للمداولة، حيث كان الجميع ينتظر قرار تأجيل القضية، فعائلة مباركي ودفاعه وحتى الصحافة غادر الجميع المحكمة. وحوالي الثانية زوالا، عادت هيئة المحكمة لتنطق بقرار فاجأ الجميع وهو المضي في المحاكمة، وهو ما جعل المتهم يستغرب مصرحا: كيف أحاكم بلا دفاع!؟ ليؤكد له القاضي بأنه دفاعه قد انسحب. وبدأ بمواجهته بالتهم الموجهة إليه كالمشاركة في القتل وتسهيل هروب المساجين. إلا أن حميد مباركي، أصرّ على الصمت، وعليه استرسل القاضي في قراءة محاضر استجواب المتهم عند قاضي التحقيق والتي ركزت في مُجملها على اعتراف "حميد مباركي" بتعرفه على ثلاثة مساجين محكوم عليهم بالإعدام أثناء مزاولة وظيفته كعون أمن بسركاجي وأن أحدهم (ب. ن) أقنعه بفكرة "الجهاد" وطلب منه مساعدتهم على الفرار. وعليه، اتصل حميد بشقيق السجين القاطن بسطيف. ومما جاء في تصريحاته بأنه أدخل عجينة داخل علبة كبريت ومنحها للمساجين ليأخذوا قياسات أقفال المفاتيح، حيث أعادوها إليه ومنحها بدوره للجماعة الإرهابية المكلفة بتهريبهم، هاته الأخيرة أعطته مفتاحين طبق الأصل، أدخلهما للمسجون (ب. ن). هذا الأخير، طلب منه في المرة الثانية إحضار أسلحة، ففي بادئ الأمر رفض هذا الأمر لكنه تراجع بعدما هددوه، فحاولوا إقناعه بفكرة "الجهاد"، حيث اتصل به شخص اصطحبه إلى منطقة براقي لإحضار الأسلحة، والتي أدخلها المتهم في شهر رمضان إلى سجن سركاجي داخل علبة (قلب اللوز). وبعدها بوقت قصير، فتح المساجين الزنزانات وقتلوا 4 أعوان أمن واحتجزوا رهائن آخرين، كما فتحوا قاعة كل من عبد الحق لعيادة وحشاني اللذان فاوضا السلطات بعدها. فكانت نتيجة التمرّد حوالي 96 قتيلا، لكن حميد مباركي بقي صامتا في الجلسة. النائب العام وفي مرافعته بدأها بالتأسف على انسحاب الدفاع للمرة الرابعة على التوالي، أي منذ 2004. واعتبرها مناورات لتعطيل المحاكمة، معرّجا بالقول: "إن القضية تعتبر أول تمرّد تشهده الجزائر المستقلة بدرجة كبيرة من الخطورة وأدت لوفاة عدد كبير من الأشخاص، مؤكدا بأن المتهم رفض الإجابة على أسئلة القاضي وبالتالي لم يرد المواجهة بحقيقة ما وقع، ملتمسا له عقوبة الإعدام، لتدينه هيئة المحكمة بعد المداولات بالسجن المؤبد. وفي سياق مواز، فإن العيادة عبد الحق، وبعدما أخرجه القاضي من الجلسة على خلفية تسجيله بواسطة هاتف نقال، صرّح: "سأتوجه نحو رئاسة الجمهورية لإحداث ضجة"، مؤكدا بأنه لم يكن حاملا لهاتف نقال، كما استغرب عدم استدعائه كشاهد على غرار الفقيد حشاني الذي استمعت إليه المحكمة في أول جلسة للقضية. وقد اعتمد قاضي الجلسة على نص المادة 290 من قانون الإجراءات الجزائية للمضي في إجراءات المحاكمة بعد قرار المحامين بالانسحاب.