يبدو أن الفتنة الطائفية، التي اندلعت في العديد من الأقطار العربية سياسيا، امتدت إلى النِّتاجات الأدبية والسينمائية وأصبح مشكل الأقليات يطرح نفسه بحدة وبشكل ملح على الواقع العربي. فقد شهدت الساحة الثقافية العربية، نهاية الأسبوع، حدثين مهمين: الأول يتعلق بكتاب المفكر المصري محمد عمارة »فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية« الذي أقدمت وزارة الأوقاف المصرية على إعدام كل النسخ الموجودة في السوق بعد دعوى قضائية حركها ضده نجيب جبرائيل محامي الكنيسة القبطية بسبب ما اعتبره الأقباط المصريون كلمات تبيح إهدار دماء غير المسلمين. وقد استدعي محمد عمارة من طرف أجهزة الأمن للتحقيق معه بدعوة التحريض على الفتنة الطائفية. وقد رافقت هذه الدعوى حملة دعائية واسعة ضد عمارة من قبل الإعلام المصري الذي استنكر ما أسماه بصمت الشارع الثقافي المصري إزاء حدث وصف بالخطير، كون الكتاب صادر في الأصل عن أحد مجالس وزارة الأوقاف المصرية التي يعتبر عمارة أحد أعضائها قبل أن تقدم على إعدام كل نسخ الكتاب خوفا من الفضيحة. ويستند أصحاب الحملة إلى عدم منع الكتاب في معرض القاهرة للكتاب الذي انطلق الأسبوع الماضي، في حين أقبلت أجهزة الرقابة على مصادرة كتاب طبع في بيروت لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق وليام بيري بعنوان »مصر ضغط الداخل وضغط الخارج«، يتنبّأ فيه بحدوث انفجار اجتماعي في مصر. وكان محمد عمارة قد أصدر بيان اعتذار قال فيه إنه كان ضحية ثقته العمياء في الإمام الغزالي بعدما نقل عبارة عنه فهمت خطأ. برغم ذلك فقد استيقظ الشارع الإعلامي الجمعة الفارط في مصر على حذف مقال عمارة من صحيفة »الأخبار« المصرية في بريد الجمعة الذي تعود كتابته منذ سنوات. وقالت بعض الأخبار الواردة من مصر، إن رئيس التحرير محمد بركات تلقى تعليمات أمنية من جهات عليا تأمره بحذف المقال. والمعروف عن محمد عمارة انه كان شيوعيا ماركسي التوجه قبل أن يصير أحد المتخصصين في الكتابات الاسلامية في مصر. من جهة أخرى عرفت بيروت، نهاية الأسبوع، عرض فيلم من نوع الرسوم المتحركة »أرض الطف« أو »أرض كربلاء« من إنتاج »المركز الدولي لإنتاج والتوزيع الفني«. الفيلم الذي تزامن عرضه عدة مدن لبنانية مع أول محرم ينتظر أن يبث لاحقا على شاشة المنار قبل أن يرحل في جولة إلى الخليج وهو أول عمل عربي يتناول سيرة أحد أئمة آل البيت »الحسين« وقد شارك فيه عدة ممثلين وفنانين عرب ومسلمين أمثال علي شقر، سمير شمص، بيار داغر، وجمانة الزنجي. الفيلم يروي سيرة الحسين ورحلته من المدينةالمنورة إلى الكوفة ورفضه مبايعة يزيد بن معاوية وقد أكد مدير مركز بيروت الدولي ومخرج العمل أحمد جوماني أن الفيلم يهدف إلى غرس القيم النبيلة وترسيخ سيرة العظماء في نفوس الناشئة، نافيا أن يكون للعمل أي هدف طائفي، مؤكدا أنه اعتمد في عمله على كتاب الطبري الذي يحظى بالإجماع لدى أهل السنة. وقد سبق للممثل الراحل كرم مطاوع أن أعلن عن مشروع مسرحية كبيرة تتناول سيرة الحسن والحسين، لكن الأزهر الشريف رفض الفكرة جملة وتفصيلا بحجة عدم إمكانية ظهور الممثلين في شخصيات الإمامين الحسن والحسين وقد تمسك الأزهر برفضه رغم حصول كرم مطاوع عن تعهد من قبل الممثلين المرشحين للعمل بعدم الظهور في أي عمل تلفزيوني أو سينمائي منافي للأخلاق. وفي خطوة تدشنها بيروت الساعية اليوم إلى إسقاط الحكومة بالشارع وعد المركز الدولي للإنتاج السينمائي بإصدار سلسلة أخرى عن الحسن. وعلى ما يبدو فإن بيروت كانت السباقة دائما إلى كسر الطابوهات حيث كانت الدور اللبنانية قد أصدرت نهاية 2006 سلسلة من الكتب والروايات تتحدث عن معاناة الأقليات في الوطن العربي منها »رأس الحسين« لعبد الله خليفة التي تحدثت عن مأساة الحسين مع معاوية وكذا رواية »الأكراد أسياد بلا أجياد« التي تتطرق إلى ما أسمته الرواية بالضغوطات على الأقلية الكردية في سوريا والعراق، وقد صدرت الروايتان عن الدار العربية للعلوم ببيروت، وفي نفس السياق فضلت دار الساقي أن تكثف من حجم الإصدارات التي تنتقد ما تسميه بالضغط السني في السعودية على الأقليات الشيعية. زهيه منصر : [email protected]