رغم التدابير التي تقوم بها الدولة بكل أجهزتها بولايات أقصى الجنوب الجزائري للحد من التنقل غير الشرعي بين الحدود الذي يعرف بمصطلح "الحراڤة" إلا أن الظروف الأمنية والاقتصادية لسكان دول الجوار بمنطقة الساحل لا تزال تصنع نزيفا بشريا نحو الشمال، خصوصا عبر ولايات تمنراست، إليزي وأدرار. تسجل الجهات المختصة أرقاما كبيرة من الموقوفين ضمن الإجراءات الخاصة بمكافحة هذه الظاهرة التي تقلق السلطات، والتي أنشأت لها الدولة مراكز وأجهزة أمنية، خاصة لمحاربتها بسبب التنامي المتزايد للمتسللين عبر الحدود، فضلا عن مراكز إيواء الأعداد الهائلة من الأفارقة المخترقين للحدود، حيث أحصت مصالح الدرك لوحدها توقيف 1925 مهاجر غير شرعي بولاية إليزي لوحدها سنة 2011 ليضاف هذا العدد إلى ما يتم توقيفه من طرف باقي الأجهزة الأمنية بالولاية، وهو رقم يتجاوز نصف سكان بلدية الدبداب الحدودية. وتعكس هذه الأرقام مدى ضخامة العملية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية بالجهة، ناهيك عن تكاليف تسيير ملف الهجرة غير الشرعية التي تعرفها الولاية، والذي يكلف الدولة سنويا قرابة 80 مليون دينار التي تمثل مصاريف إطعام وإعادة هؤلاء الأشخاص إلى بلدانهم، وتعتبر النيجر أكبر روافد تهريب البشر الداخلين للتراب الجزائري زيادة على دولتي مالي ونيجيريا، وبقية الدول الإفريقية، ورغم التعزيزات الأمنية والأجهزة التي يجرى الآن تنصيبها بالمناطق الحدودية، إلا أن شساعة المنطقة وطول الحدود التي تربط الجزائر بدول الساحل لا تزال تترك فسحة كافية لمسهلي تهريب البشر بالمنطقة، إلا أن المأساة يصنعها هؤلاء ويدفع ثمنها المهاجرون السريون هي الموت الذي ينتظرهم في الكثير من الحالات بسبب التخلي عنهم على مسافات كبيرة من التجمعات والمدن الآهلة، إيهاما منهم بأن المدن التي يقصدونها هي على مرمى حجر من مكان الافتراق مع المهربين، ليكتشف هؤلاء فيما بعد أنهم في مواجهة الموت عطشا في صحراء خالية، وعلى مسافات كبيرة من التجمعات والمدن أو منابع الماء، ولا أدل على ذلك مما يعرفه تراب ولاية إليزي من تسجيل 155 قضية تتعلق بالعملية خلال سنة 2011 كلها تتعلق بتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وقعوا في أيدي مصالح الدرك بالولاية. وتسجل المنطقة من حين لآخر تواجد جثث الأفارقة الذين انقطعت بهم السبل، ليموتوا عطشا أو بسبب البرد، كما تجدر الإشارة إلى أن كل تلك الأرقام لا تعكس الحقيقة في ملف الهجرة غير الشرعية، حيث لا تعتبر تلك الأرقام سوى جزء من نسبة الأجانب الذين وقعوا في أيدي مختلف مصالح الأمن المكلفة بمكافحة الظاهرة، وهو لا يعكس بالضرورة العدد الحقيقي من الأجانب المتواجدين بالجنوب، والذي يظل رقما كبيرا لا يمكن حصره، وهو ما يعكسه تواجد العمالة الإفريقية بأعداد كبيرة داخل الولايات المذكورة.