جاء ذكر المبادرة العربية التي طرحها العاهل السعودي، الملك عبد الله، على قمة بيروت سنة 2002، وكان وقتها وليا للعهد، على لسان كثير من المشاركين في مؤتمر القدس الخامس المنعقد في الجزائر منذ ثلاثة أيام، حيث اختلفت بشأنها الآراء بين من يرى فيها مخرجا للمأزق العربي، المستمر لقرابة 60 سنة وبين من يرى فيها مزيدا من الإنبطاح العربي والتنازل لصالح إسرائيل، دون أن تكلف هذه الأخيرة نفسها عناء الإعتراف حتى بالمبادرة كخطوة على طريق تسوية عربية - إسرائيلية. وكان أول من سألناه عن رأيه في الموضوع، عشية عرض المبادرة على قمة الرياض، إمام خطيب المسجد الأقصى سابقا، الدكتور محمد الشيخ محمود صيام، رئيس الجامعة الإسلامية في غزة، ورئيس رابطة العلماء الفلسطينيين في اليمن، يتجاوز السبعين من عمره والمبعد خارج فلسطين إلى اليمن، الذي قال ما أعرفه أن المبادرة تطالب بالصلح مع الصهاينة اليهود، على أساس دولتين إسرائيلية وفلسطينية على أرض فلسطين. وعن إعادة طرح المبادرة العربية على قمة الرياض، مثلما جاء بها صاحبها الملك عبد الله دون تعديل.. تعجب شيخ المسجد الأقصى سابقا، كيف تصرح مثل هذه المبادرة مرة أخرى، مع أن اتفاق مكة لم يتطرق إليها هو شخصيا ولا الإعلام العربي ولا السعودي على وجه الخصوص، معتبرا أن طرحها ثانية يعني أن العرب لا يجدون ما يطرحونه للقضية الفلسطينية ولا للحقوق "إنها مبادرة لا يعترف بها الصهاينة أنفسهم ولا نحن". ويرى الشيخ محمد محمود صيام أن "اتفاق مكة أنهى بالفعل خلافاتنا في الداخل وطوقها، بحيث لا يستطيع أحد من الأطراف الفلسطينية الخروج على الإتفاق، خاصة وأن الذي تكفله دولة كبيرة ذات ثقل عند العرب والمسلمين والعرب كذلك" والذين يديرون حكومة الوحدة هما الفريقان المتخاصمان. وعما ينتظره الفلسطينيون من قمة الرياض يقول شيخ الأقصى "ليس سرا أن نقول إن دعما ماليا كبيرا تجمع لدينا نحن الفلسطينيين من لدن العرب والمسلمين، لكننا عاجزون على إدخاله لفلسطين بسبب الحصار، فعلى العرب تفعيل قرار اجتماع وزراء الخارجية العرب، لكسر الحصار ودخول الأموال التي لا تدخل إلا بموافقة من الأمريكان والإسرائيليين"، ليضيف الشيخ: "إن كل أموالنا لدى "سيتي بنك"، لماذا لا نقيم بنكا في أي عاصمة عربية، نتمكن من خلاله تداول الأموال بحرية". واعترف خطيب المسجد الأقصى أنه "من أجل حل إشكالاتنا في فلسطين اضطررنا لإخراج الأموال في "شنط" بعض الوزراء الخاصة بدل التعامل مع البنوك". وأمام إلحاحنا على إعطائنا أمثلة على ذلك قال الدكتور محمد الشيخ محمود صيام "الدكتور محمود الزهار، وزير الخارجية السابق حمل في شنطته 20 مليون دولار من التبرعات، لكن مثل هذا العمل يحل مشاكل ظرفية، لكنه لا يحل مشكلة شعب وحكومة، إضافة إلى أنه عمل غير مضمون العواقب، فما نريده هو قرار يكسر هذا الحصار". وكذلك التمسنا عدم ثقة من فلسطينييالقدس في نتائج القمة العربية، حيث قال عصام حويجان المدير العام للبرامج المهنية، في الهيئة الوطنية الفلسطينية العليا للحد من انتشار المخدرات، وهو يقطن على بعد عشرات الأمتار عن المسجد الأقصى "لا نأمل خيرا في المبادرة"، "ولا زعيم عربي يمكنه أن يتنازل على الأقصى ولو أراد، فلن يتركه الشعب"، معتبرا أن القدس تحرر تحريرا ولا تمنح، خصوصا أن أولمرت بعد حرب لبنان لا يملك إصدار قرار ولو بإخلاء خيمة على الأراضي المحتلة، لأنه لايزال تحت رحمة بوش. وعن طرح المبادرة العربية على قمة الرياض، مثلما جاء بها الملك عبد الله في قمة بيروت، فقال "إذا كان لابد من أن تعدل لابد أن تعدل لصالح إسرائيل، لأن اليهود ليسوا مستعدين لسلام دائم". مضيفا أن الواقع يكذب ما جاءت به القيادة العربية "300 ألف مستوطن في القدس في الضفة الغربية، أين سيذهبون؟ لدينا 11 ألف أسير فلسطيني، لا أحد يدري بحالهم، لكن أسير واحد إسرائيلي كل الزعماء العرب على علم باسمه ويتصلون بعائلته للمواساة"، معتمدا أن "المبادرة كانت حسنة في وقتها 2002، وقتها لم يكن فيه جدار ولا كان فيه مستوطنات، لكن الآن على ماذا نتفاوض؟؟". وعن ما تم الإتفاق حوله في مكة، ومن أن الخلاف الفلسطيني الداخلي أصبح ماضيا قال "هناك مشكلة ولاتزال قائمة نتمنى أن لا تحل بالسلاح، هناك نية لتجاوز الخلاف، لكن هناك من يريد إيقاظ الفتنة"، مضيفا أنه حان وقت رفع الحصار "مادام سقطت كل الذرائع، فإنه من واجب الدول العربية الآن أن تتحرر وترفع الحصار الذي اختارت المشي فيه ظلما"، معتبرا أن اعتماد حكومة الإئتلاف والتعامل معها إنما هو تحصيل حاصل، باعتبار الإتفاق تم بمكة والقمة العربية ستعقد بعاصمة السعودية الراعية للإتفاق. أما الأستاذ عبد المحمود أبو المحمود عضو الهيئة المركزية لحزب الأمة السوداني وأمين عام شؤون الأنصار، فقال ل: الشروق اليومي "قوة المبادرة العربية تتوقف على تضامن الدول العربية فيما بينها وحل الإشكالات القطرية، وأهم قرار تتخذه القمة هو التصالح بين الشعوب وبدء إجراءات إصلاح سياسي يتيح المشاركة الشعبية الحقيقية في القضايا المصيرية، وعلى مستوى الدول هناك ضرورة لتكامل اقتصادي، وقيام مشروعات اقتصادية تشارك في ترقية الأوضاع الإقتصادية للشعوب، هذان المدخلان يدفعان المبادرة العربية للأمام ويعطيانها قوة". وأضاف بخصوص القضية الفلسطينية أن الخطوة التي تمت في اتفاق مكة خطوة على الطريق الصحيح، على الفلسطينيين تطويرها لوضع برنامج وطني سياسي يستوعب كل القوى، وخطاب سياسي يستغل الظروف المتاحة لتحقيق مكاسب تدعم التحرير، معتبرا أنه على الدول العربية أن تساعد الفلسطينيين في تحقيق أهدافهم المشروعة، وأن ترفع الدول العربية الحصار عن السلطة الفلسطينية حتى تتمكن من القيام بشؤونها الوطنية، مضيفا أؤيد المطالب التي دعا إليها الأستاذ خالد مشعل ونتطلع إلى أن تستجيب القمة للمطالب الفلسطينية. أما عن زيارة كوندوليزارايس لبعض الدول العربية، فقال "في تقديري أن زيارة رايس في استباق القمة العربية من أجل أن تعمل شرخا في القمة، وفي آخر الأخبار، فإنها لم تأت بجديد ولم تقدم مبادرة أمريكية جديدة، نتطلع أن لا تستجيب القمة، إلا للمصالح العربية وفي مقدمتها قضية الأمة فلسطين". واعتبر عضو الهيئة المركزية في حزب الأمة السوداني أنه آن الأوان أن تقدم الدول العربية موقفا يدفع الشعوب للتضامن مع حكامها ويزيل مرحلة الإحباط التي تعيشها حاليا. مؤكدا أن الظرف ملائم الآن أكثر من أي وقت مضى "معلوم أن الولاياتالمتحدة تعيش حاليا موقفا حرجا لفشل مشروعها في العراق ولبنان، فالوقت مناسب الآن لتقديم مبادرة عربية مدعومة بالإرادة العربية ومسنودة بإرادة الجماهير، والفرصة تأتي في العمر مرة واحدة، فعلينا استغلالها". غنية قمراوي:[email protected] خالد السفياني الأمين العام للمؤتمر القومي العربي ل"الشروق" على القادة العرب التوقف عن الضغط على الفلسطينيين في هذا الحوار، يتحدث الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، الدكتور خالد السفياني، عن الراهن الرسمي العربي، ويدعو القادة العرب المجتمعون في الرياض إلى الارتقاء لمستوى شعوبهم ويوقفوا ضغطهم على الفلسطينيين، وتنازلهم للكيان الصهيوني ويقولوا: لا ولو مرة واحدة للبعبع الأمريكي "المتهاوي" وربيبته إسرائيل. - تطرح المبادرة العربية في قمة الرياض من دون تعديل، كيف تنظرون إلى هذه المبادرة؟ - - نحن نعتبر أن الأراضي الفلسطينية، كلها أراضي عربية إسلامية مسيحية، كما نعتبر أن تحرير فلسطين، كل فلسطين، واجبا على كل أبناء الأمة العربية وأحرار العالم. وفي هذه المرحلة المطلوب من القادة العرب أولا أن يتوقفوا عن الضغط على الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم السياسية والعقائدية، وأن يتوقفوا بالكامل عن تقديم التنازلات للكيان الصهيوني. كما نطلب من قادتنا وقف حصارهم للشعب الفلسطيني المحاصر بقرار أمريكي، ولكن بأدوات عربية. لعل قادتنا ينتبهون إلى أن الظرف موات لكي يتصالحوا مع شعوبهم، ولكي يرتفعوا إلى مستوى شعوبهم، ولاسيما بعد هزيمة الكيان الصهيوني في حربه ضد لبنان، وكذا بعد الضربات التي تلقاها المحتل الأمريكي الغاشم في العراق، بحيث لم يسبق لأي رئيس حكومة في تل أبيب أن انخفضت نسبة شعبيته إلى 02 بالمائة، كما هو حاصل اليوم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن، الذي يعيش وضعية حرجة، والحال ذاته مع الوزير الأول البريطاني توني بلير. إن رياح التغيير هبّت من إيطاليا إلى أمريكا اللاتينية عبر إسبانيا، وكل هذه التحولات خلفت مناخا يجب أن يأخذه قادة الدول العربية المجتمعون في العاصمة السعودية الرياض في إطار الجامعة العربية بعين الإعتبار، حتى يتحرروا من هامش الإملاءات الأمريكية والصهيونية، وحتى يقتنعوا بأنه في إمكانهم بواسطة شعوبهم وجماهيرهم، أن يحققوا النصر ويستعيدوا الكرامة المهدورة، وأن يحرّروا الأراضي المغتصبة، ويصونوا المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين. - هل ترون في هذه المبادرة حماية كافية لحقوق الفلسطينيين؟ - - لا يمكن القبول بالاعتراف بالكيان الصهيوني، قد تفرض الظروف الراهنة بحلول لا يمكن أن تكون إلا مؤقتة، لأنه ليس للعرب والمسلمين بديل سوى تحرير كل الأراضي الفلسطينية المغتصبة. - كيف تنظرون إلى اللقاء الذي جمع كاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية كونداليزا رايس، بعدد من رؤساء الدول العربية ومسؤولي مخابراتها، قبل يومين من انعقاد قمة الرياض؟ - - من أسوأ ما جرى في هذه المرحلة، محاولات الإدارة الأمريكية المنهارة، الفاشلة والمنتهية، اتخاذ مبادرات لإنقاذ ماء وجهها عبر محاولات تكوين محاور لتقسيم الصف العربي. وإعطاء الانطباع بأنها لازالت متحكمة في أوصال الجسم العربي، ومن مبادراتها في هذا الاتجاه، الإجتماع الذي جمعها ببعض الرؤساء العرب ومسؤولي أجهزة مخابراتها. لذلك، نحن في المؤتمر القومي العربي، نقول إنه على النظام الرسمي العربي أن ينتبه، لأن جورج بوش الإبن لم يعد يمثل شيئا من الرأي العام الأمريكي المتذمر، وبأنه حان الوقت لاتخاذ مبادرات تصبّ في إقناع الرأي العام الأمريكي بعدالة قضايانا وحقوقنا، ولن يكون ذلك عن طريق الإستمرار في الخضوع لكونداليزا رايس ولا غيرها. - برأيكم، ما أثر لقاء رايس بمسؤولي دول عربية فاعلة على قرارات قمة الرياض؟ - - أنا أعتقد أن قمة الرياض يجب ألا تتأثر بهذه اللقاءات، خاصة وأن الفلسطينيين استطاعوا أن يحققوا وحدتهم قبل هذه القمة، مادام الشعب الفلسطيني أصبح يتحدث بصوت واحد. - هل تعتقدون أن قمة مكة بين حماس وفتح جمع فعلا شتات الفلسطينيين، وكيف ستؤثر قرارات قمة الرياض على العرب في رفع الحصار عن حكومة الوحدة الفلسطينية؟ - - ننتظر أولا أن تحقق دعما حقيقيا للوحدة الفلسطينية، وأن لا يراهن أحد على إعادة الفلسطينيين إلى زاوية الفتنة، ودعم الفلسطينيين اليوم لا يمكن أن يكون إلا بقرارات عملية، ويرفع الحصار الكامل عن حكومة الوحدة وتقديم لها كافة أشكال الدعم، والتعاون مع كل مكونات الشعب الفلسطيني بدون استثناء، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بإعلان قادة الدول العربية لقناعة مفادها أن مقاومة الإحتلال حق مشروع، وأنهم بقدر ما هم متمسكون بالسلام، هم متمسكون أيضا بخيار المقاومة من أجل التحرير. حاوره: محمد مسلم:[email protected] يوسف القرضاوي يصنع الحدث: الكلمة التي هزت الحاضرين في مؤتمر القدس الكلمة الشاملة التي ألقاها الشيخ القرضاوي في جلسة افتتاح المؤتمر الخامس لمؤسسة القدس الدولية المنعقد حاليا بفندق الأوراسي بالجزائر العاصمة تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة.. قد أحدثت أثرا طيبا في نفوس الموتمرين الذين تجاوبوا معها وأصروا على اعتمادها وثيقة أساسية من أوراق هذا المؤتمر المبارك.. وفي هذه الكلمة التي شدت إليها القلوب والأسماع، تحدث رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية بنبرة العالم العامل المخلص شاكرا حكومة الجزائر وشعبها ورئيسها الذي كان عند حسن الظن وتبنى فعاليات هذا المؤتمر بالتزاماته وتبعاته وأثنى على شعب الجزائر الذي أرسل المجاهدين سنة 1948 مشيا على الأقدام للجهاد في فلسطين، والذي قدم عديد الأوقاف وأراضي الحبوس المعروفة في ضاحية جنوب الأقصى باسم حارة المغاربة.. منوها في ذات السياق ببطولات المجاهد الأمير عبد القادر العالم، والشيخ عبد الحميد بن باديس المجدد الذي حارب الاستعمار، والشيخ محمد البشير الابراهيمي الذي يقول إن فلسطين وديعة محمد صلى الله عليه وسلم وأمانة عمر رضي الله عنه.. وقد صفق الحضور بحرارة لهذه العبارات القوية المؤثرة! واللافت في مداخلة الشيخ القرضاوي إشادته بدرجات الجهاد المدني قائلا لمن انتقده في فتواه بجواز العمليات الجهادية المسلحة ".. هناك 13 نوعا من الجهاد، ونحن في مؤسسة القدس نتبنى الجهد المدني"، وهذا الطرح الجريء قد استساغه الحضور، وكان محل اهتمام كثير من رجال العلم والإعلام والسياسة من المؤتمرين الذين استبشروا خيرا بالغد الأفضل لمؤسسة القدس في تبنيها نهج الجهاد المدني الراشد الذي بات فريضة وضرورة. وتساءل فضيلته: "أين العرب، وأين المسلمون مما يحدث في الأقصى؟"، وأضاف "نحن في فوضى وهم منظمون، نحن نختلف وهم متفقون، ونحن في غيبوبة وهم واعون..". وفي لقاء هامشي مع فضيلته قد أشاد برسالة الشروق اليومي، وطالبها بتكثيف الاهتمام بقضايا حماية القدس واستعادة مقدساتها وذلك بحضور زوجته الدكتورة أسماء بن قادة التي وعدت قراء الشروق بمقابلة خاصة وألحت على ضرورة تفعيل العمل الإعلامي كنوع من الجهاد المدني خدمة للقدس أمانة الأمة. الطاهر دحماني