عندما تطالع الإعلانات العمومية المنشورة عبر صفحات الجرائد، تكتشف أن عدد "الإعذارات" الموجهة إلى مقاولات وشركات عمومية وخاصة، تتجاوز أحيانا عدد الصفقات المعلن عنها، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ، على تلك المشاريع النائمة والمنوّمة، والتأخر في الإنجاز، وعدم احترام الآجال، وكلها خروقات تتطلب الوقوف والتوقف والتوقيف! بعض المتهمين بالتكاسل والتقاعس والتسكع على أرصفة المشاريع، يبرّر ذلك، بعدم دفع مستحقاته، وإلى هنا الأمر مقبول ومعقول، لكن هل في كلّ البرامج والصفقات، يكون هذا المبرّر حقيقيا، أم مجرّد وهم مفبرك للتهرّب من تحمّل المسؤوليات ومسح "الموس" في الآخرين؟ قطاعا السكن والأشغال العمومية مثلا، أكبر "مصيبة" تواجههما، و"تبهدلهما"، وتزرع اليأس والإحباط في نفوس المواطنين، هي عدم تسليم المشاريع في وقتها، ثم العيوب والمهازل التي يتمّ اكتشافها ولو بالصدفة بعد طول الانتظار، وإن كان لا داعي هنا لتعميم الظاهرة، إلاّ أنه لا يمكن تغطية الشمس بالغربال! هذه مساكن توزع دون استكمال الأشغال الثانوية، وما يُعرف بالvrd، وأمّا عن المرافق العمومية والمدارس وغيرها من منجزات حيوية من شاكلة المحلات والمساجد والنقل وفضاءات الترفيه، فحدث ولا حرج، ولذلك، كثر الحديث، أو عاد عما يسمى بالأحياء المراقد! من الطبيعي أن ينتشر اليأس، وأنت تعبر مقطعا دشّن حديثا عبر الطريق السيار، مثلا، أو أيّ طريق ولائي أو بلدي، أو حتى ريفي، لتكتشف "الخديعة"، ويبدأ الزفت في التطاير، وتظهر الأحجار والرمال، وتعمّ الحفر، لتعود الآليات إلى الموقع في مشروع جديد يحمل تسمية الصيانة! هما نموذجان من واقع وحياة جزائريين كرهوا "الهفّ والفستي"، وسئموا من فنون الخداع والعبث والتلاعب ب"ملك البايلك"، وبطبيعة الحال، المتورط هنا مقاولات وورشات، ومعها من دون شك، أعوان ومسؤولون صغار وكبار في الإدارات المعنية بمشروع وبرنامج كهذا، ولعلّ عديد التحقيقات والتوقيفات والمحاكمات والشهادات والاعترافات تثبت الفضيحة! الخطير في الحكاية، أن بعض المقاولات والورشات، انتقلت من مهزلة "البيدون والبرويطة"، إلى فضيحة "مسمار بمليار"، وهذه وحدها تكفي لحدوث ما يحدث في العديد من المشاريع الشعبية التي تنتج من الحين إلى الآخر الإشاعة والدعاية، إمّا لسوء تسيير المعلومة الصحيحة والرسمية، وإمّا لحقيقة ما جرى من طرف غمّاسين وانتهازيين لا يهمّهم سوى ما يدخل إلى جيبهم! للأسف، لقد تحوّل الغشّ والتدليس، إلى سمسرة وبزنسة وشطارة، ولذلك تكاثر الخارجون عن القانون والمحتالون والنصابون، وتزايد بالمقابل عدد الضحايا والأضاحي ممّن يدفعون الفاتورة ليلا نهارا جهارا!