لم يكن من السهل أن اهزم ذاك الزوج من الحمام. كان القومري مصمما أن يلج فتحة التهوية في مطبخي المتواضع وفي منقاره بعض الأعشاب والأعواد، أظن أنه كان بصدد وضعها في الفتحة التي قرر أن تكون عش الزوجية له ولحمامته المتبخترة على حافة الجدار المقابل تنظر إلى منجزاته وهو يستميت في محاولة السيطرة على المكان في عز المنافسة أمام جموع من الحمام المتربص به وهو ينتشي بقوته وعنفوانه بحركات دائرية وهديل شجي، فكلما حاولت أن أخيفه لطرده يزداد إصرارا بشكل عجيب حتى استقر به الأمر في المطبخ بعد أن تسلل خفية وعندما اكتشفت ذلك قاوم حبسته المطبخية لينفذ بريشه لكنه لم يستطع لأن الباب كان موصدا.. المهم انتهت معركتي معه بخسائر معتبرة.. أواني كنت قد رصصتها للتزيين وبعض الريش المتطاير هنا وهناك مع بعض ما كان مشروع عشه من أعواد وأحلام قطعت أوصالها حين الهزيمة.. غلبت غريزة الحياة الخوف عند هذا المخلوق المشاكس.. لقد كان يحتفل بموسم التزاوج مع من اختارها.. يبني عشه بكل حب وعزيمة لولا تدخلي الصارم دفاعا عن مطبخي.. سبحان الله الحياة سر الوجود والبقاء.. أصدقكم القول لم يؤنبن ضميري كثيرا ليقيني إنهما سينجحان في إيجاد مكان آخر أكثر دفئا وأنسب لهما من فتحة التهوية خاصتي. ولأن الأمر قابل للتحقيق مادامت الرغبة والإصرار يتوهجان داخلهما، رحت في هذه الأثناء أبسط لمخيلتي المفارش علها تبدع في العثور على صورة جميلة نسجها مزيج من الحلم والواقع لأزواج من جنس بني آدم، تلبس الأبيض والأسود وتمر أمامي مستعرضة تألقها في مهرجان الزواج والبهرجة.. الكل مبتسم والكل يعانق حلمه بالزواج والبيت السعيد.. فتيات تدخلن العش الذهبي وشباب يسجنوا في أقفاص من ورد وياسمين أقفالها من حديد بإرادتهم أو بغيرها، المهم الآن لقد تحقق الحلم الإنساني والغريزي والجميع يحتفل، ويستشعر قوة الحمام في فرض منطق الحب والزواج ولغته في التواصل الطبيعي في جو الانسجام والتناغم. إنها علاج طبيعي لمجتمع أصيب بكل أنواع الأسقام والابتلاءات. منها ما طفا على السطح ومنها مالا يزال في مخزون المكبوتات والطابوهات والمسكوت عنه وغيره… إننا اليوم بحاجة إلى هبة تضامنية تكون بمثابة حملة واسعة ضد الأفكار البالية حتى لا أقول المتحجرة في المجتمع الجزائري الذي أصبح ينقل عدوى هذا الداء الخطير للشباب ليصبح مقاطعا للزواج والرغبة في تحقيق الاستقرار النفسي والسكينة. بهروب متعمدا ومقصودا إلى العالم الافتراضي.."لماذا أورط نفسي في هذا الحمام بالتشديد على الميم الأولى. وأنا باستطاعتي العيش عازبا" يقول أحد الشباب: "هل أنا مخبول حتى أضع الحبل وألفه حول رقبتي.. كثيرات من تتلاعب بأحلامنا وتتكبر علينا براتبها واستقلال ذمتها المالية وحريتها وحقوقها مقابل شهريتنا الهزيلة ووضعيتنا الهشة.. بل تكثر علينا الشروط والبنود لعقد القران وتتوجس منا قلة الثقة والطمع. فزوج المستقبل في اعتقادها عين على زوجة وشريكة الحياة وعين أخرى على راتب ثاني يؤمن له العيش الرغيد". ويستطرد آخر "الحياة جميلة وأنا وجدت ضالتي في نقرات إلكترونية وصفحات فيسبوكية ولقطات يوتوبية.. كل شيء متاح وبأقل التكاليف.. إنني أجوب العالم وأنا في مكاني، فلماذا أربط نفسي بمسؤولية المصروف وفاتورة الكهرباء والغاز وأين كنت ومع من كنت.. أنا في غنى عن هذا كله، وفوق هذا مصاريف بأرقام فلكية وخسائر مادية ومديونية من اليوم الذي أنوي فيه الخطبة إلى اليوم المشهود مرورا بمصاريف الطبل والزرنجية والفيمجان إلى كراء الصالة والبدلة والإكسسوارات، أليس أفضل لي وأرحم لجيبي الاكتفاء باشتراك الانترنيت". شخصيا أعرف فتيات كثيرات والحقيقة تقال، مستعدات لخوض معركة الحياة بشروط بسيطة أو لنقل معقولة.. العمل القار للزوج وحسن الخلق، أما السكن فهو معضلة تحل بكراء، في انتظار عدل أو أي صيغة أخرى بعد أن تعثرن في ركوب القطار، كما أعرف أخريات تتمنين الزواج وتجهر بذلك أمام الجميع. عندما يأتي الخاطب تخرج قائمة من الشروط والتشراط تجعل المتقدم يندم على اليوم الذي فكر فيه بالزواج بها، من غير المعقول أن يصبح الزواج في بلادنا يضاهي الأزمة المالية التي تعيشها البلاد! حري بنا أن نسهم بكل الوسائل لتغيير العادات والعقليات.. نخوض تجارب جريئة كأن نسقف المهور ونستغني على الكماليات في أعراسنا ونكتفي بولائم صغيرة متواضعة دون بهرجة.. ندعو إلى الحياة والمحبة دون الالتفات إلى الماديات.. لماذا لا ندعو إلى منحة من الحكومة إلى الشباب للزواج مثلما تقدمها لأصحاب السكن الريفي وأصحاب المشاريع الناجحة وغير الناجحة لبناء عشه ويستفيد منها الشباب ذكورا وإناثا بشروط محددة؟ وأظن أن عملية طبع الأموال متواصلة فلم لا نستفيد منها في خلق استقرار نفسي واجتماعي لشريحة واسعة من شعبنا المغبون والمغلوب على أمره. أظن أنه لو كان بناء عش الزوجية سهلا سهولة بناء عش الحمام لما سجل الوطن هذا الركود في سوق الزواج، فلماذا لا نستلهم من عزيمة ذكر الحمام وندعو إلى حملة وطنية شعارها يسروا ولا تعسروا و خليها تتزوج وتدير التاويل.