لقد أفرزت الظروف الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية -مؤخرا- نظريات جديدة حول مفهوم الزواج ما جعل الكثير من الشباب يعزفون عنه، بل أصبح عند البعض أمرا منبوذا لا يجلب لهم سوى المشاكل والعقبات في مستقبلهم، كما يصفه البعض بالقيود التي تكبلهم وتمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. شباب يرفض الزواج لجعله هاجسا يؤرقهم لو توغلنا إلى عمق تاريخنا الاجتماعي لوجدنا أن المجتمع الجزائري في الزمن الماضي، يستبشر بحدث الزواج، بل وتتسابق الأسر الجزائرية في تزويج أبنائها وتحضير كل ما يلزم لإتمام الزفاف فيقوم أفراد الأسرة بمساعدة الشاب المراد تزويجه وبالتالي تكون العائلة في تراحم وتواد مهما بلغت ذروة المشاكل. أما في أيامنا هذه تغيرت نظرة الشباب إلى الزواج إلى اعتباره تجربة صعبة يحسب لها ألف حساب ما جعل البعض يقوم بتوعية بل وإخافة البعض الآخر بتغيير نظرته للزواج على أنه مصدر المشاكل، إضافة إلى الأسباب الاقتصادية التي أصبحت جدارا منيعا لدى الكثير من الشباب لغلاء المعيشة وما تتطلبه الحياة الزوجية من مصاريف. وفي هذا الصدد يقول الشاب محمد 36 سنة: ''باعتباري موظفا بسيطا في إحدى المؤسسات العامة لا يمكنني التفكير الآن في الزواج وهذا لظروفي المادية المزرية جدا، فأنا أعيش مع أمي وإخوتي الثلاثة في نفس المنزل الذي يتكون من ثلاث غرف، فأنا الآن لا أملك ثمن غرفة نوم فكيف أستطيع أن أتزوج وأتحمل مصاريف الزواج''. مشكل البطالة يؤجل الزواج إلى إشعار غير محدد لقد أجمع الكثيرون أن أزمة البطالة أصبحت أكبر هاجس عند شبابنا اليوم، فمشروع الزواج يعتبر آخر المشاريع التي يفكرون فيها وكأنهم لا يحق لهم الزواج في الظروف التي يعيشونها. فعدم توفر مناصب وفرص العمل التي تضمن العيش المعقول وتكون سلاحا لقهر الظروف وبعض المشاكل، يجعل الشباب يعيدون النظر في فكرة الزواج وفي هذا الصدد يقول الشاب ياسين 23 سنة: ''إنني عاطل عن العمل منذ سنوات وحياتي كلها ضاعت في البحث عن عمل ولكن لا حياة لمن تنادي حتى أصبحت شخصا منبوذا لدى أسرتي، فكيف لا ولم أعد سوى عالة عليها فأصبحت مصدرا للاستهلاك لا مصدرا للإنتاج، وبالتالي أصبح مشروع الحصول على العمل معلقا ليجعل الزواج أمرا مستحيلا''. فيما يؤكد بوعلام 38 سنة، موظف في احدى الشركات العمومية، ''إن أزمة السكن وتجمع أفراد الأسرة الواحدة في غرفة واحدة قد عطل زواجي وأخلط كل حساباتي التي كنت قد أعددتها لتكون المعادلة عكسية مع تفاقم هذه الأزمة التي تعد مشكلة وأزمة الجميع''. الشباب يجعلون أزمة ''بنات الفاميلية'' السبب في العزوف عن الزواج بين الظروف الاقتصادية وأزمة السكن الخانقة تولدت مشكلة أخرى جديدة في مجتمعنا والتي أدت إلى تأخر الزواج لدى الرجال وعزوفهم عنه، بسبب الصورة السيئة والسلبية التي يعتقدها ويتصورها الشباب عن فتيات اليوم والتي كثيرا ما تحمل عدم الثقة نتيجة ارتباطهم بعلاقات عاطفية سابقا والتي غالبا ما يغلب عليها الطابع المادي وتكون علاقات خاطئة وفاشلة في الكثير من الأحيان، حيث يقول مهدي 29 سنة: ''نتيجة للمتغيرات الكثيرة أصبحت الثقة منعدمة بين الطرفين بسبب طغيان المادة على الفتاة التي أصبحت تفكر في فارس أحلامها الذي يحمل الملايين فلا تنظر إليه كشخص، بل تنظر إلى أمواله وممتلكاته وهداياه''. الأسرة الجزائرية أغلبها أصبح تفكيرها ماديا وشروط زواج بناتها مبالغ فيه خلال السنوات الأخيرة أصبحت الأسرة الجزائرية بكاملها تفكر في الرجل الثري الذي يأتي للزواج بإحدى بناتها، فيكون الشرط مبالغا به من مجوهرات باهظة ومنزل منفرد بعيد عن أهله وغيرها. فكيف يمكن لشاب في بداية مشوار حياته أن يحقق هذه الشروط الذي يعتبره من الخيال خاصة أمام قلة الميزانية، وبالتالي يكون العزوف عن الزواج الحل النهائي للخلاص من هذه العراقيل، ويتوجه الشاب بعدها أحيانا إلى طريق الانحراف والخطيئة وحتى العلاقات غير المشروعة السبيل الأسهل والأسرع بدلا من اللجوء إلى الزواج وعوائقه، وفي هذا الصدد يقول عمار 30 سنة: ''إنني عامل في شركة أجنبية خاصة ومرتبي معقول نوعا ما ولكن بما أنني في بداية مشوار حياتي لا يمكنني التفكير في الزواج أو حتى الخطوبة، ولكنني أعيش بين فترة وأخرى علاقات حميمية مع فتيات مختلفات وهن أكثر تساهلا من اللواتي يبغين الزواج، حيث إنهن لا يطالبن بمبالغ كبيرة وإنما يردن هدايا بسيطة مقابل الخروج معهن، فأنا شخصيا وجدت راحتي معهن، فلماذا أضغط على أعصابي وعلى امكانياتي المادية لأتزوج بفتاة لا تقدر الحياة الزوجية ولا تعترف بالمعاناة التي قمت بها من أجل الزواج، فالأفضل أن أتمتع بعزوبيتي لفترة طويلة''. وعموما يمكن القول إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما فيها من متغيرات مجتمعة أصبحت عبارة عن عوائق تحول بين الشاب وآماله وطموحاته، ولكن يجب على شبابنا التحلي بالصبر واإليمان القوي، والله يرزقهم من حيث لا يعلمون.