المتنقل بين أزقة وشوارع العديد من أحياء مدينة الوادي هذه الأيام ستشده حتما ظاهرة الكتابات الحائطية الكثيرة المشوّهة لجدرانها، والتي تتناول العديد من المواضيع من معاناة اجتماعية وحكم شعبية وأفراح رياضية وشعاراتحزبية وسياسية، وأيضا شتائم وعبارات سوقية وإيحاءات جنسية وغيرها. ومعظم هذه الكتابات تصب في خانة أن كاتبها لم يجد المكان المناسب الذي يعبّر فيه عن شعور يختلجه أو فرح يظهره أو غضب يعتريه أو شيطانا متلبسا به، فيجد من جدران المنازل والساحات والمؤسسات الإدارية والتربية تلك الصفحة البيضاء التي يكتب فيها ما يريد، مستعينا بقارورات طلاء خاصة، فيبدأ في إخراج مكبوتاته عليها، فنجد مثلا عبارة "المجتمع لا يرحم"، التي كتبت بكثرة في أحياء النجار والأصنام والمنظر الجميل، وعبارة "النساء أخوات الشياطين" المرادفة لها في هذه الأحياء، إضافة لعبارات الحب والغرام المتواجدة بجدران بعض المتوسطات و الثانويات. "الشروق" سعيا منها لمناقشة الموضوع أكثر اتصلت بمن لديهم دراية بالموضوع، فالشاب "م. ت" 22 سنة أكد أنه كتب الكثير من العبارات التي تزين - حسب تعبيره- جدران بعض أزقة حي النزلة، تعبيرا منه عن الفرحة الكبيرة التي عمّت الوطن بعد التأهل لنهائيات كأس العالم 2010، رافضا فكرة توسيخه للجدران أو كتابة عبارات مسيئة، بل هي تعبير عن فرحة وفقط. الأستاذ والشاعر ساعد مردف أستاذ مادة نظرية الأدب والأدب الجزائري بجامعة الوادي، من جهته أكد أن الكتابات الحائطية لا يمكن أن نعتبرها كليا شيء معيب أو سيئ، بل هي ظاهرة قديمة تاريخيا تظهر في الكتابات الإنسانية على الجدران والصخور منذ عصر ما قبل الكتابة، كانوا يكتبون بالرموز الهيروغليفية أو المسمارية للتعريف بالقبائل والتأريخ للمرحلة المعاشة، ساعدت الباحثين في التعرف على تلك المراحل القديمة من حياة البشرية، وأيضا من الدور الإيجابي للكتابات الحائطية ما تتزيّن به المساجد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وقيم أخلاقية. وهذا لا يمنع من وجود جانب سلبي لهذه الكتابات الحائطية نعيشه حاليا، يظهر في الكتابات التي تسيء للدين والأفراد والهيئات والإدارات، والتي تعبر بطريقة غير لائقة للتنفيس عن حالة الانفعال من حزن أو فرح أو امتعاض أو انتقام، هي دليل لحاجة الإنسان لمنابر يعبّر فيها عن رأيه بحرية وبدون رقابة ويمارس فيها ضغطه، وهو ما تفطنت له بعض البلدان التي قامت بتهذيب هذه الانفعالات، وجعلت بعض الساحات والجدران مستغلة من طرف هواة الكتابة على الجدران برسومات وخطوط جمالية جعلت منهم فنانين. أما من الناحية القانونية للظاهرة، فيؤكد الأستاذ المحامي نور الدين ميسه أن قانون العقوبات يعتبرها جنحة تمس الأماكن العمومية والأشخاص والأسر والآداب العامة فالمادتين 330 مكرر و333 من القانون تعاقبان بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة مالية من 500 إلى 2000 دج كل من ارتكب فعلا مخلا بالحياء، وكل من صنع أو وزع أو لصق أو عرض أو طبع أو حرر أو رسم أو صور... أو شرع في هذه الأفعال لأي شيء مخل بالحياء. إضافة للتبعات المدنية للتعويض عن الأضرار الناجمة عن توسيخ الجدران.