الغشّ في مسابقات التربية تحوّل أو يكاد والعياذ بالله إلى ظاهرة، والخطير أنه انتقل من التلاميذ المترشحين لامتحانات البكالوريا و"البيام" و"السانكيام"، إلى الأساتذة والإداريين المترشحين في مسابقات الترقية، وكذا المتخرّجين أو حتى المتعاقدين في مسابقات توظيف أساتذة لمختلف الأطوار! تُرى: لماذا تحوّل الغشّ إلى وباء بعد ما كانت مجرّد عدوى تصيب الأفراد والجماعات بطريقة معزولة وشاذة؟ ولماذا زحف المرض من التلميذ إلى المعلّم الذي كاد أن يكون رسولا؟ وأيّ حاضر ومستقبل، لمنظومة تربوية وجامعية، يُعشش فيها تلاميذ وطلبة وحتى أساتذة بالغش و"حشّ" الدروس؟ أخطر ما في الموضوع، أن الجميع أصبح يعتقد، واهما أو محقّا، أن لا حلّ في النجاح إلاّ بالغشّ، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ بأن الغشاشين سيتزايدون ويصبحون ب"الشكارة"، طالما أنهم يظنون بأن الجدّ والكدّ والاجتهاد، لم يعد الطريق المضمون في مختلف الامتحانات والمسابقات الرسمية، وهذا معناه، أننا مهددون بجيل من الغشاشين في مختلف المجالات! الغشّ في الامتحان أو مسابقة التوظيف، معناه، أن التلميذ سيصعد بالغشّ، ويتخرّج بعدها بالغش، أي أن شهادته ستكون مغشوشة، وكفاءته مضروبة، ليتمّ بعدها توظيفه أو تعيين بالوساطة أو "السماطة"، أو يدخل مسابقة وفيها يفوز أيضا بالغشّ على شاكلة المرشحين لمنصب أستاذ، لتعمّ بعدها الكارثة، ويصبح الغش في كل مكان! الاستسهال والرغبة في الانتقال من هنا وهناك خارج القانون والأخلاق، هي التي تحرّض على الغشّ بين التلاميذ والطلبة والأساتذة، وهي التي جعلت من "بيع وشراء" النقاط تجارة رائجة ومفضلة بين طلبة وأساتذة، وللأسف قد يكون المتورطون من الجيل الصاعد بالغشّ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم، وإنا لا نسألك ردّ القضاء وإنما نسألك اللطف فيه! القضية عميقة ومعقدة، شائكة ومتشابكة، ولا يُمكن إصلاح الوضع بطريقة عاجلة، لأن المطلوب حلول منطقية وبدائل واقعية، وإن اقتضى الأمر الكيّ كآخر العلاج، فقد أصبح المرض خطيرا ومزمنا وقاتلا، ولا حلّ له سوى استئصال الورم الخبيث الذي يضرب قلعة من القلاع الأساسية لبناء المجتمع وتنشئة إطاراته وفق مقاييس النزاهة والكفاءة! ضرب المدرسة والجامعة، سواء بقنابل الغشّ والتسريبات، أو بالإصلاحات الارتجالية والاستعراضية، أو بتسييس هذا الحرم المقدّس، لن ينتهي في كلّ الأحوال، سوى بالخراب وإفساد جيل بعد جيل، فيكون الإفلاس والتراجع والركود والعشوائية حتما مقضيا!