إذا كان الجزائريون لا يزالون على وقع أجواء عيد الأضحى ولقاءات التزاور العائلي قبل أيام من حلول الموسم الدراسي والاجتماعي الجديد، إلا أن هناك بعض العادات المقترنة بعيد الأضحى لا تزال تثير الكثير من الجدل حول مصدرها ودواعيها، وفي مقدمة ذلك مسح وجوه الفتيان والفتيات بجلود الأضاحي بعد عملية النحر، وفق ما تعكسه الصور التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الأنترنت. يرجع البعض عادة مسح الفتيات والفتيان وجوههم بجلود الأضاحي إلى أسباب صحية، معتبرين بأن هذه العملية تسمح بنزع حب الشباب ومختلف الترسبات، وهو الأمر الذي يجعلهم يستغلون هذه المناسبة للقيام بمسح الوجوه بجلود الأضاحي، بحجة أنه يحتوي على مادة لترطيب جلد الوجه ويجعله أكثر إنارة ورونقا، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الجدل في هذا الجانب، في ظل انتشار صور لفتيات وفتيان يلجؤون إلى هذا الخيار أملا في الشفاء من الأمراض والبثور الجلدية التي لم تنفع معها الأدوية، من خلال استعمال المنطقة الملساء من الجلد، وهذا بعد نحر الشاة، وهي العادة المتداولة على مر السنين، قبل أن يحوّلها البعض إلى وصفة طبيعية يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أن البعض يصفها بالمقززة. في المقابل ربط البعض هذه الظاهرة بخلفية تاريخية مرتبطة بالقائد الأمازيغي آكسل (كسيلة) الذي قام بحركة توحي بتوّعده لعقبة بن نافع، بعدما أهانه وسخر منه أمام جنوده، حيث مسح بيده على وجهه حاملا الجلد ونزل به على لحيته، ويستند أهل هذا الطرح إلى ما كتبه ابن خلدون حول استهانة عقبة بن نافع خلال غزواته في شمال إفريقيا بالقائد الأمازيغي كسيلة أثناء اعتقاله، وأمره بسلخ شاة بين يديه وأراده أن يتولاها بنفسه، ما خلف غضب كسيلة الذي قام بحركات توحي بإصراره على الانتقام منه، وهو ما حدث في موقعة "تهودة" ببسكرة، حيث نشبت معركة بين الفريقين، وعرفت مقتل عقبة بن نافع سنة 64 م/684 هجرية. وبعيدا عن دلالات هذا السلوك الذي يربطه البعض بخلفيات تاريخية وأخرى بنواحي توصف بالصحية، إلا أن الذي أثار الاستغراب أكثر لدى البعض هو احتفاظ بعض المسنات باعتقاد قديم مفاده أن القضاء على حب الشباب يتطلب توفير 7 جلود تمسح بها الفتاة وجهها بصفة متتالية، وفي حال عدم توفر هذا الكم من الجلود في وقت واحد، فيمكن للفتاة مسح وجهها بالجلد الأملس للشاة 7 مرات لتجسيد المبتغى، وهو السلوك الذي ربطه البعض بأبعاد شركية خاصة في ظل التركيز على رقم معين. جمال مسرحي: "العادة لها بُعد أنثروبولوجي والبعض يريد استغلالها إيديولوجيا" على صعيد آخر، يرى جمال مسرحي، أستاذ بجامعة باتنة وباحث في التاريخ القديم، أن هذه العادة لها بُعد أنثروبولوجي يتمثل في الاعتقاد بأنها تشفي أو تقي من بعض الأمراض الجلدية، وفي مقدمة ذلك حب الشباب، بدليل أن الآباء حسب محدثنا يطلبون من الصبيان والشباب فعل ذلك، في الوقت الذي لا تمس عادة هذه الظاهرة الأشخاص الكبار في السن، وعليه يعتقد الأستاذ جمال مسرحي بما لا يدع مجالا للشك أن الظاهرة أنتروبولوجية محضة تخص اعتقاد الآباء والأجداد بأن جلد العيد يشفي ويقي من الأمراض الجلدية، والدليل على ذلك يضيف جمال مسرحي اقتصارها على جلد العيد أساسا، ثم الصبيان والشباب من الجنسين دون غيرهم من الفئات العمرية الأخرى، وختم كلامه للشروق بالقول: "دون ذلك فلا يعدو أن يكون إلا تحريفا وتزييفا للحقائق بما يخدم أيديولوجية غريبة عن الواقع التاريخي للشمال الإفريقي عموما والجزائر على وجه التحديد". الشيخ نور الدين سنوسي: "الإسلام حذّرنا من البدع والرواية مختلقة لتشويه الأمازيغ" وفي السياق ذاته يؤكد الشيخ نور الدين سنوسي، أستاذ الشريعة في الطور الثاني بأنه لا يمكن إثبات خلفية هذه العادة وفق قواعد التحقيق التاريخي الأكاديمي، كما أنها تتنافى حسب محدثنا مع رفعة مقام كسيلة، وقال في هذا الجانب: "لو أراد كسيلة التوّعد لصرح بذلك رغم أسره، فهذه العادة لو كانت صحيحة ستظهره كجبان وتنقص من قدره، أعتقد أن الرواية مختلقة من طرف الكتبة المؤرخين الشعوبيين ضد الأمازيغ الأحرار"، مضيفا أنه حتى وإن صحت الحادثة فإنها غير مقبولة من الناحية الشرعية، ذلك أنها حسب الأستاذ نور الدين سنوسي تعد تذكارا لحزن، وأكد بأن الإسلام ضد تجديد الأحزان، كما لا يقبل أهل الجزائر السنة المطهرون مثل هكذا بدع وخرافات من صناعة المجوس الشيعة الروافض، كما يفعلون في عاشوراء، معتبرا هذا الصنيع من المحدثات المتنافية مع نسك وعبادة الأضحية، واستدل الأستاذ نورالدين سنوسي قوله بحديث رسول الله الذي نهى عن مثل هذه الأفعال بقوله:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".