قصة انجاز سد كراميس بولاية مستغانم دليل ما بعده دليل على الاستهتار بالمال العام والضحك على ذقن البؤساء وطعنة خنجر في ظهر برنامج الرئيس بوتفليقة فبعد أن تم انجازه سنة 2005 بتكلفة تقدر ب10 مليار دينار تبين أنه غير صالح للاستغلال لكثرة الأخطاء التقنية التي وقع فيها الايطالي أستالدي وأن السد قد يتحول في أية لحظة من نعمة إلى نقمة على سكان منطقة الغرب العطشاء. أكثر من ذلك تكشف الخبرة التقنية أن هذا السد لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعبأ لأن في ذلك خطر لكثرة التسربات والتشققات التي لاحظتها عدسة الشروق اليومي ومع ذلك بدا مسؤولو أستالدي غير مكترثين بالمشكل بعدما تساءل أحدهم ان كانت خلفت هذه الاختلالات ضحايا في أوساط السكان؟ "تسلمنا سد كراميس في 30 ديسمبر 2004 حينها لم تظهر عيوب هذا الانجاز لكن وبمجرد سقوط أمطار غزيرة بدأنا نلاحظ اختلالات كبيرة من انشقاقات وتسربات مهمة وبدأ السؤال عن امكانية الاستغلال والاستفادة الفعلية من هذا السد يطرح؟ يقول السيد نحيلة نور الدين المدير الجهوي لاستغلال سدود الغرب عن تفاصيل انجاز سد كراميس الواقع شرق مدينة مستغانم وتحديدا في بلدية نقمارية. واستغرق بناء هذا السد 36 شهرا بعدما انطلقت الأشغال به في 7 أوت 2001 ب 10 مليار دينار ليسلم في 30 ديسمبر 2004 أشهر قلائل قبل تولي السيد عبد المالك سلال مسؤولية القطاع. وانجزت الأشغال المجموعة الايطالية المتكونة من شركات أستالدي توديني و فدريتشي. وكان يعول على هذا الانجاز ذو الطاقة التخزينية المقدرة ب 45 مليون متر مكعب تزويد بلديات الدوائر المجاورة له مثل دائرة سيدي لخضر وبلدياتها على غرار نقمارية خضرة أولاد بوغانم وعشعاشة ودائرة سيدي علي والبلديات التابعة لها فضلا عن بعض بلديات ودوائر الشلف وغليزان امتدادا الى سهول وبلديات الظهرة. "ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" فقد تبين أسابيع قليلة بعد تسليم المشروع أنه لا يمكن تعبئة سد كراميس اذ تبين للتقنيين في عين المكان ان شركة أستالدي لم تتقن ما تم التعاقد عليه حيث اتصف انجازها بالبريكولاج والاستهتار وكل ما انجزته فعلا هو تحويلها للمال العمومي الى ايطاليا. في كراميس ماء السد يشربه البحر: دوار بغادية وأولا مغراوي ومدرسة تحت الماء لا تنخدعوا بالمنظر الجميل للسد فما ذلك الا ماكياج وما خفي أعظم" يقول السيد نحيلة مؤكدا أن الخلل في عدة نقاط على رأسها التسربات المائية العديدة البادية للعيان حيث لا حظنا برك مائية على الواجهة الرئيسية للسد وحتى بعض النباتات من نوع القصب تنمو لوفرة المياه فضلا على تسربات وانشقاقات واضحة على مستوى الضفة اليسرى للسد ومن النتائج لهذه التسربات والانشقاقات أنها وصلت إلى الضفة اليمنى للسد تسببت في تدمير البيت المخصص لايواء الاطارات العاملة بالسد, "لذلك يستحيل في الوقت الراهن ملئ السد لأننا لم نشخص بعد الداء بالتحديد وان كنا نخشى انشقاقا في قلب السد وان تأكد ذلك قد تحدث الكارثة وينفجر السد لعدم قدرته على تحمل الضغط ولذلك يقول السيد نحيلة نضطر الى تحويل معدل 500 ألف متر مكعب من ماء السد نحو البحر " مفارقة عجيبة حيث كنا نعتقد بكل سذاجة ان السد أنجز لتموين السكان أما في كراميس فالماء يوجه لل...بحر بعدما تم التضحية بأكثر من 250 عائلة من بينها 190 في مستغانم التي تغير مجرى حياتها بسبب انتقالهم الى أمكان مجاورة للسد وأصبحت حياتهم مهددة بسبب هذا الانجاز الذي كان يعتقد أن يحل مشكلة عطشهم ليس فقط للماء بل أيضا لكل ضروريات الحياة خاصة بعد أن تحول موقع المدرسة الابتدائية الوحيدة التي كانت المنفذ الوحيد لأطفال دوار بغادية وأولاد مغراوي تحت الماء حتى أن بعضا من هؤلاء مثلما يروي لنا أحدهم فقدوا أحمرتهم وبعض الماعز في بركة السد....دخلنا غرفة الصمامات فتأكد لدينا هشاشة الانجاز حيث لاحظنا انشقاقات كبيرة على جدران هذه الغرفة الرئيسية في السد وتسربات للماء من القناة الرئيسية التي تستعمل لخفض الضغط وتحويل الماء من السد الى الخارج سواء الى البحر أو للري , وما أثار انتباهنا وجود عمال الوكالة الوطنية للسدود يستعينون بوسائل بدائية لتفريغ الماء الفائض من الغرفة جراء تسربات مهمة للماء من القناة الرئيسية للسد الأمر الذي يفسر حسب السيد نحيلة صعوبة التحكم في غرفة فتح الصمامات خاصة في حالة سقوط للامطار الغزيرة لأن آخر مرة سقطت فيها أمطار غزيرة كادت غرفة فتح الصمامات أن تنفجر بفعل الاهتزازات الكبيرة التي أدت الى ظهور انشقاقات واضحة على جدران هذه البناية التي بنيت بالاسمنت المسلح. لعمش خير من لعمى... كما لاحظنا خارج الغرفة انشقاقات على مستوى الطريق المزفت دليل آخر حسب التقنيين على الضغط الكبير للمياه وهشاشة الانجاز و لايتوقف الأمر عند هذا الحد حيث بدت الانشقاقات والتسربات بالإضافة إلى الانحدارت على طول جدار السد وهو الحاجز الرئيسي الفاصل بين حوض السد واليابسة وعلى الرغم من أنه لم تمر السنة والنصف على تسليم هذا الانجاز الا أن الأوحال بدأت تغمره في وقت قياسي يرجع ذلك الى ضعف الحواجز المائية التي انجزت لهذا الغرض فهي عبارة عن سدود صغيرة وضعت على مستوى أربعة نقاط محيطة بحوض السد وما زاد في الطين بلة الحواجز المائية التي انهارت وتكدست لأنها لم تنجز بحسب المعايير الواجب احترامها. "سبب انهيار هذه الحواجز يعني أننا خسرنا 500 مليون دينار ذهبت في مهب الريح" دليل آخر على احتيال شركة أستالدي التي بدا مسؤوليها غير مكترثين بما قد ينجر عن أخطائهم الجسيمة في الانجاز وفي محاولة للخروج من هذه الورطة استعانت وزارة الموارد المائية بثلاثة مكاتب دراسات ذات سمعة عالمية هي الكتريستي دو فرانس edf والسويسري لومباردي والصربي أنغو بروجيكت أجمعت كلها على عدم توفر حلا تقنيا لإصلاح سد كراميس وذهب مكتب الدراسات الفرنسي في اجتماع رسمي بوزارة الموارد المائية في مارس 2005 الى خطر ملئ السد لما قد ينجر غلى ذلك من كوارث فيما نصح مكتب الخبرة الصربي الى المخاطرة وملئ السد بأربعة أمتار علما أن طول السد هو 15 متر وبين هذا وذاك أجمعت المكاتب الثلاثة على عدم تحمل مسؤولية إعطاء الضوء الأخضر واستقر الرأي لدى وزارة الموارد المائية حسب مصادر مسؤولة بها على ضرورة عدم استغلال السد ومراقبته لمدة خمس سنوات حتى يتبين الضوء الأسود من الأبيض. استالدي تنجز المشروع رغم فوز شركة كوندوت بالصفقة.؟ وحسب مصادر مقربة من الملف فان اختيار استالدي الشركة المنجزة لم يتم حسب قانون الصفقات العمومية وكان من المفروض أن يعود هذا المشروع لشركة كوندوت أكثر من ذلك فان اختيار مكتب الدراسات الايطالي انكوماغ أثار حفيظة المتتبعين لانعدام الخبرة لانحاز مثل هذه المشاريع الكبرى مع العلم أن رأسماله الاجتماعي لا يتعدى ال 50 ألف دينار جزائري وتؤكد المصادر ذاتها أن مجموعة مكاتب الدراسات التي قادها انكوماغ لم تنجز أي عمل في قطاع الري في السابق وتبين أن سبب الاختيار كان بإيعاز استالدي بحيث تبين أن انكوماغ تابعة لأستالدي, وقد رفض مكتب الدراسات الايطالي تسليم الصور والوثائق التي تثبت أنها قامت بالعمل المتعاقد عليه بين الطرفين رغم إلحاح الوكالة الوطنية للسدود منذ أكثر من سنة. وللإشارة فان مراجعة الكلفة الإجمالية للانجاز تضاعف عشر مرات في أقل من أربع سنوات حيث كان التقدير الأولي لا يتجاوز 3 مليار دينار عدل الى 5 مليار دينار ثم الى 5.6 مليار دينار إلى أن وصل في سادس مراجعة للسعر الى 9.7 مليار دينار ولم يكن ذلك ممكنا دون التواطؤ الواضح لمسيري الوكالة الوطنية للسدود بداية من 1999 وأحسن مثال على ذلك موافقة مسيري الوكالة الوطنية للسدود في احد ملاحق العقد بين الشركتين تحمل الرسم على النشاطات المهنية tap والضريبة على أعباء الشركات ibs وهو ما يمثل 24 في المائة من القيمة الإجمالية للمشروع وكان هذا التواطؤ سببا رئيسيا في رفض المدير العام الجديد للوكالة الوطنية للسدود استلام هذا المشروع .وما يدعم طرح هذا الأخير المعين في 3 ديسمبر 2005 اجماع مكاتب الخبرة على عدم إيجاد حل تقني واضح الأمر موازاة مع تجميده في جانفي 2006 على تجميد ما تبقى من مستحقات الشركة الايطالية والمقدرة ب 10 في المائة من مجمل المشروع موازاة مع عجز أستالدي عن تقديم فواتير الخاصة بشراء عتاده الذي رأت الوكالة الوطنية للسدود في تكلفته ارتفاع خيالي للأسعار بالمقارنة مع ما هو متعارف عليه في الأسواق الدولية. أستالدي: "لماذا تتحدثون عن كارثة هل هناك أموات؟" وعندما استفسرنا أحد ممثلي الشركة الايطالية أستالدي حول الاختلالات التي شاهدناها في عين المكان والتي قد يحدث ما لم يحمد عقباه كان رد السيد بيرليغي غالداني مدير مشروع انجاز" كرادا" بعدما رفض السيد جوزيف لونغو مدير الانجاز لسد كراميس بأي تصريح قائلا" لماذا تتحدثون عن كارثة ما دام أنه لم يمت أحد بعد؟"والنتيجة أنه بدل استفادة السكان من 45 مليون متر مكعب من الماء لا تتعدى الكمية الموزعة خمسة ألاف متر مكعب في اليوم قطرة ماء في بحر أو مثلما جاء على لسان أحد العمال الساكنين ببلدية مجاورة للسد "لعمش خير من لعمى". تحقيق :عزوز سعاد:[email protected] تصوير: جعفر سعادة