تتحدث الأكاديمية الروائية سامية غشير في هذا الحوار الذي خصت به "الشروق" بنظرة إبداعية وأخرى نقدية، حيث تعود ابنة سكيكدة في حديثها إلى آخر أعمالها الروائية وتقييم مسيرتها في هذا الجانب، كما لم تتوان في انتقاد الواقع الثقافي والإبداعي في الجزائر، واصفة إياه بالمنغلق، ما جعل الكاتب الجزائري حسب قولها مهما محليا رغم تميزه عربيا وعالميا، كما انتقدت بعض دور النشر التي تسببت حسب رأيها في تفشي الرداءة بسبب التساهل في الطبع والتوزيع دون وجود لجان قراءة وتدقيق لغوي. كيف تقيمين آخر أعمالك الروائية وما هي منطلقاتها؟ كتبت رواية معنونة ب "لارين"، وهي رواية حضارية رومانسية، ذات أبعاد سياسية وفكرية وفلسفية، فهي تعالج موضوعة الصراع/ التعايش الحضاري بين الأنا والآخر، كما ترتكز على تيمة الفن/ الموسيقى كسلطة ثقافية للتخفيف من توتر العلاقة بين الأنا الجزائري والآخر الفرنسي. كما أشتغل على مجموعة قصصية جديدة بعنوان "يكفي… أن نحلم"، فهذه المجموعة تحوي العديد من القصص المختلفة الواقعية منها والمتخيلة، وتنفتح على أنساق عديدة (سياسية، اجتماعية، فكرية، حضارية)، وقد نوعت في أساليب الكتابة بين الأسلوب الإيحائي الرمزي، وبين الأسلوب الساخر، وبين الأسلوب السهل، فكل قصة تختلف عن الأخرى، سواء في موضوعها أم أفكارها أم معالجتها الفنية والدرامية. بين العمل الإبداعي والبحث الأكاديمي أين تجد نفسها الدكتورة سامية غشير؟ من الناحية الأكاديمية أنا كاتبة وباحثة من ولاية سكيكدة، متحصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، أما في الشق الإبداعي فقد كتبت في أجناس عدة منها الشعر والخاطرة والقصة والرواية، حيث تعد المجموعة القصصية "حواس زهرة نائمة" أول عمل إبداعي مطبوع لي، عن دار النشر المصرية "المكتبة العربية للنشر والتوزيع"، حيث شاركت في مسابقة لانتقاء أعمال إبداعية وطبعها على نفقة الدار، والحمد لله اختيرت مجموعتي القصصية، فهذه الأخيرة ثرية بالمرجعيات المعرفية والثقافية، وتعالج موضوعات متشعبة من صميم الحياة والواقع، عبر لغة شعرية إيحائية رمزية، وقد حاولت من خلالها الاهتمام بأكثر التيمات أهمية في الوطن العربي، منها أزمة الشباب ومشاكلهم العاطفية والحياتية، قضايا العنف والإرهاب والاغتراب والموت، أزمة المثقفين، إضافة إلى تيمة الربيع العربي الذي أحرق العديد من البلدان العربية، من خلال تبيان تأثيراته الوخيمة على ذوات الأوطان والأفراد، فهذه المجموعة قد بنيت على تناقضات عدة: الحب والكراهية، الألم والأمل، الحزن والسعادة، الموت والحياة، كما استفدت في كتابتي لها من العديد من النظريات الوجودية والنفسية والاجتماعية. كيف يتمظهر التجريب في كتاباتك؟ الكاتب الحق من يبدع نصا مختلفا، يخترق به أفق انتظار القارئ، الذي لم يعد متتبعا فقط لحروف الكاتب؛ بل يؤول النص ويعيد صياغته جماليا عبر القراءة الواعية. فالتجريب عندي مهم وضروري، ويتمظهر في نصوصي في اشتغالي الدائم على اللغة الشعرية الرمزية، والاشتغال على حوارية الفنون، وغيرهما. أي المرجعيات والنظريات تستندين إليها؟ أستند في كتاباتي الإبداعية إلى الفلسفة الوجودية والنظرية الفرويدية، وهذا راجع إلى طبيعة العصر، والأسئلة التي تثيرها الشخصيات الروائية مثل البحث عن الوجود، الاغتراب، القلق، العدم، الواقع السوداوي، أزمة الحرية، مأساة المثقف، النفي والضياع، وكلها أسئلة يتبناها الكاتب المعاصر في كتاباته. كيف ترين الراهن الإبداعي في الجزائر؟ لا يزال يعيش نوعا من الانغلاق والعزلة، وهذا رغم تصاعد مد التكنولوجيا والوسائط المتعددة، فالكاتب الجزائري- رغم تميزه عربيا وعالميا- لا يزال يعاني من التهميش محليا، فلو نتأمل المشهد الإبداعي الجزائري نجد العديد من الأقلام التي تكتب بوعي وتمكن كبيرين، لكن لا تحظى بالاهتمام إعلاميا ونقديا، فالكاتب ما زال ضحية بيئته، إضافة إلى هيمنة أقلام بعينها على الإبداع، وحضورها البارز عبر وسائل الإعلام، والدراسات النقدية والجامعية. كما أن بعض دور النشر أسهمت في تفشي الرداءة بصورة رهيبة، من خلال طبع وتوزيع الأعمال دون قراءتها وتدقيقها جيدا، فبعض الأسماء تستحق الاحتفاء لأنها تكتب جيدا، وبعض الأسماء- رغم ضعفها الفني- سوقت فقط من قبل دور النشر، لتحقيق مصالح هذه الأخيرة. هل يجب أن يجمع المبدع بين الإبداع والنقد؟ الإبداع والنقد متلازمان حميميا، فالكاتب يمكن أن يكون ناقدا، والناقد يمكن أن يكون كاتبا، وهذا مفيد للمبدع كي يطور ملكاته وطاقاته الإبداعية والنقدية، فلا يجب أن يهتم الكاتب المتخصص في مجال الأدب بمجال واحد فقط؛ بل يجب عليه الإحاطة بمجالي الإبداع والنقد، فيكون كاتبا ناقدا، وناقدا كاتبا. وبالنسبة إلي، الأمر مهم جدا، لأن هذا يساعدني في تطوير وإثراء طاقاتي. كيف تفسرين هروب العديد من الكتّاب إلى فن الرواية؟ الرواية أضحت ديوان العصر حاليا، بعد أن كان الشعر ديوان العرب قديما، فهروب العديد من الكتاب إلى فن الرواية مرده إلى انفتاحها وتميزها بالعديد من الخصائص والمقومات والمرجعيات، واستيعابها لإشكالات العصر، فهي الأقدر والأجدر على حمل هموم ومشاكل وإشكالات الراهن، إضافة إلى ميلها الدائم إلى التجريب والمغامرة بحثا عن صوغ وأشكال سردية وفنية جديدة. غير أن هذا لا ينفي وفاء الكثير من الكتّاب لفن الشعر والبقاء على نظمه، لتميزه وتكثيفه الدلالي ورمزيته. فالواجب على كل كاتب أن يكتب في أي جنس يبرع فيه، ويجد نفسه متألقا ومتميزا فيه، دون الأخذ باعتبارات أخرى. هل من إضافة في الأخير؟ الكتابة هي العالم الرمزي الجميل الذي تسكنه ملائكة الفرح والجمال، والصفاء والسلام، ونحن ككتاب يجب علينا أن نغرس التألق والحياة والجمال في نفوس القراء، فقد آن لوطننا العربي الموبوء بالاحتراق أن ينزع رداء السواد والحداد، نحن في حاجة إلى جرعات فرح وأمل لنعيش ونحلم.