كلما عادت الإنتخابات، يعود معها الحديث عن ما يسمّى ضمن القاموس الإنتخابي الجزائري، بنظام الكوطات، وقد أعطت نتائج الإستحقاقات السابقة، الإنطباع، بأن أصوات الناخبين ومن خلالها مقاعد البرلمان وكراسي المجالس المحلية، وكذا الحقائب الوزارية، كانت خاضعة دوما إما بشكل ظاهري وعلني، وإما بطريقة خفية وسرية، إلى عملية توزيع قد تكون عادلة أو ظالمة، مثلما يتمّ تقسيم الحلويات على الأطفال لتفادي بكائهم! عدد الأصوات الممنوحة للأحزاب والمترشحين، حتى وإن كانت من مهام وصلاحيات الناخبين، فإن إقتران مواعيد إنتخابية سابقة، بتهمة وشبهة التزوير والتلاعب بالإرادة الشعبية، جعل العديد من المراقبين والمواطنين وحتى التشكيلات السياسية نفسها، تبحث عن "كوطة محترمة" تحفظ لها سمعتها السياسية وكرامتها الإنتخابية، وتضمن لها "الحد الأدنى" من المقاعد البرلمانية والكراسي المنتخبة، وبعدهما الحقائب الوزارية إثر التعديلات والتغييرات الحكومية. عقلية الكوطة في توزيع الحقائب والمكاسب، فضحتها بطريقة إستعراضية، المشاورات الحاصلة لتشكيل الحكومات الجديدة، فقد إعتمدت قيادات الأحزاب، على صيغة القوائم الطويلة باسم مرشحيها المقترحين للإستوزار، وذلك في إطار تطبيق الحكمة القائلة "أطلب الأقصى لتحصل على الأدنى". وقد قرأت أرقام الأطقم الحكومية المتعاقبة، ما بعد إنتخابات 1997 وإلى غاية إنتخابات 2002، حقيقة مفادها بأن "الأغلبية الحكومية" دائما تمنح لفائدة صاحب الأغلبية البرلمانية، حتى وإن أثبتت تجارب أخرى، بأن مفاتيح رئاسة الحكومة منحت لصالح الحزب الذي لم يكن يتمتع بالأغلبية البرلمانية، وحدث ذلك، مع الأفلان والأرندي. نظام الكوطات، هو الذي حرّض، برأي مراقبين، في وقت سابق، الأحزاب الفاشلة والكارتونية على البحث عن "صفقات" سياسية وإنتخابية مع أصحاب الحل والربط، من أجل مساعدتهم على "الفوز" بكوطة من الأصوات للإستفادة بكوطة من المقاعد المنتخبة التي بوسعها السماح لهم ب "التفاوض" على كوطة من الحقائب الوزارية، حتى وإن كانت حقيبة وحيدة ويتيمة، مثلما حصل مع أحزاب كل من سعيد سعدي ونور الدين بوكروح على سبيل المثال. وكشفت السوابق الإنتخابية، بأن ذهنية الكوطات، تسبّبت في تنامي هواجس تزوير نتائج الإنتخابات، وتوظيف وسائل الدولة والإدارة، وإغراء الناخبين، من طرف الحزب الذي يترأس الحكومة أو الأحزاب المشاركة فيها، وتلك التي تتولّى تسيير شؤون المجالس البلدية، كما تحولت الكوطة إلى "ضمان" يبدّد مخاوف بعض الأحزاب، بما جعلها تستسلم للتراخي السياسي والنوم إلى غاية عودة المواعيد الإنتخابية، حيث تستيقظ بتحرّكات ونشاطات إستعراضية، خلال الحملة، هدفها الظاهري كسب أصوات الناخبين، وغايتها الباطنية الظفر بكوطة تغني وتسمن من جوع! ولأن القوانين المعمول بها، تعطي حقّ رئاسة الحكومة للحزب المتحصل على أغلبية البرلمان، فإن الحزب الفائز بأكبر قدر من مقاعد المجلس الشعبي الوطني، يكون متيقنا بأن الكوطة الكبيرة والمهمة من الحقائب الوزارية، ستكون من نصيبه "قانونيا" وباسم الإرادة الشعبية وكلمة الصندوق، وهو ما يضطر الأحزاب الأخرى لإنتظار "حقها" أو كوطتها عند تقسيم الوزارات. لكن الواجب الإشارة إليه، حسب ما يسجله متابعون للشأن الإنتخابي، هو أن ظهور مصطلح الكوطات كمفهوم سياسي ضمن لعبة التوازنات الحزبية، ساهم بشكل كبير، في نفور الناخبين ويأسهم ومللهم من العمليات الإنتخابية، مادام كل حزب "ضمن" حصوله على كوطة تلائم حجمه ونفوذه وتأثيره وإمتداده الشعبي، ربما، قبل الإعلان عن نتائج الإقتراع (..)، لتكون بذلك، الأصوات أقلّ شأنا من الكوطات! جمال لعلامي:[email protected]