عندما نتحدث عن الشأن العلمي فمن المفترض أن نقيّم الأوضاع بمقاييس يغلب عليها الحياد ونتجنب الأحكام المسبقة والغوغائية. وللأسف تعوّدنا في جلّ نقاشاتنا المغاربية الخلط بين هذا وذاك. فلا شك أن البعض من المسؤولين عندنا سيندهشون عندما نؤكد أن في المغرب هيئات علمية لا مقارنة بين رفعة أدائها وأداء مثيلاتها في الجزائر. دعنا نضرب مثالين على ذلك. أكاديمية العلوم والتكنولوجيا تأسست الأكاديمية الجزائرية التي تحمل هذه الصفة في ربيع 2015. وتحددت مهامها حيث أوكل إليها النهوض بالعلوم والتكنولوجيا في البلاد وكذا ترقية تأثيرها على المجتمع. وعليها أن تؤدي دور الخبير والمستشار في هذا الشأن والإسهام في تقدم مختلف العلوم وتطوير تدريسها ونشر ثقافتها ودعم إنتاجها والتعاون مع الخارج. وقائمة المهام طويلة، وهي تدقق كلها المحاور السابقة. سؤال : إذا كان لأحد معلومات حول نشاط محلي أو وطني أو دولي قامت به هذه المؤسسة بعد نحو 4 سنوات من إنشائها فلينرنا!! ومع ذلك يحلو لبعض أعضائها الإشارة لانتسابهم إلى هذه المؤسسة، الخالية على عروشها، في صدارة سيرهم العلمية! في المغرب، أنشئت أكاديمية العلوم والتكنولوجيا عام 1993، ولها تقريبا نفس مهام الأكاديمية الجزائرية. فهي أيضا مدعوّة إلى النهوض بالبحث العلمي وتنميته، وإلى إيلاء العلم والبحث العلمي "مكانة رفيعة في سلم القيم الوطنية". والمطلوب من الأكاديمية توفير منبر متميز للباحثين من أجل التعبير عن آرائهم وربط الاتصال فيما بينهم. كما يتعين عليها العمل على نشر العلم عن طريق تنظيم التظاهرات العلمية. تعقد الأكاديمية المغربية دورة سنوية عادية، وقد أعلنت عن دورتها للسنة الجارية يومي 26-28 فيفري تحت عنوان "الهندسة والطب في خدمة التشخيص والوقاية والعلاج". وفضلا عن ذلك، هناك دورات نصف شهرية يجتمع خلالها أعضاء المؤسسة لتدارس القضايا المتعلقة بالأولويات الوطنية في مجال البحث العلمي. كما يناقشون تقارير خبراء الهيئات الأكاديمية التي تعرض عليهم بهدف التقييم. وتصدر الأكاديمية مجلة علمية منذ 2011 ظهرت منها لحد الآن 10 أعداد؛ وهذا إضافة إلى نشرة إخبارية نصف سنوية للتعريف بأنشطة وأعمال الأكاديمية. وتُلقى في رحابها سلسلة من المحاضرات العامة، والمحاضرتان الأخيرتان في حقلي الطب والرياضيات نُظمتا خلال شهري ديسمبر الفارط وجانفي 2019، وكانتا لعالمين، أحدهما ألماني والآخر فرنسي. وتنظم الأكاديمية سنوياً بالتعاون مع وزارة التربية لقاءات سميت "أيام الشباب والعلم " لفائدة التلاميذ والطلاب. وتنشر الأكاديمية تقارير ودراسات، من بينها "تطوير البحث العلمي والابتكار التكنولوجي لربح معركة التنافسية" (88 صفحة) و"آفاق تدريس العلوم في المغرب" (90 صفحة) و"من أجل النهوض بالبحث العلمي والتقني لخدمة النمو بالمغرب" (94 صفحة). وتربط الأكاديمية اتفاقيات مع نحو 20 مؤسسات أكاديمية من أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا، وأخرى تابعة للدولة مثل التعليم العالي والتربية. الجامعة والنخبة عندما ننظر إلى لامبالاة وزارة التربية إزاء نجباء التلاميذ والإهمال الكامل الذي يعانون منه سواء في إبراز مواهبهم عبر وسائل الإعلام أو المنافسات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية ندرك سبب التخلف الذي يثقل كاهلنا في هذا المجال. ونقتنع بتقصيرنا أكثر عندما نتذكر تصريحات بعض مسؤولينا عندما أعلنوا أن المتفوقين لا يحتاجون إلى مساعدة!! ومصير تلاميذ ثانوية الرياضيات "الوحيدة في إفريقيا" خير دليل على عدم العناية بالخريجين من مواهبنا. بينما نجد المغرب لم يتوقف أبدا عن المشاركة في المنافسات الأولمبية الرياضياتية منذ أزيد من 30 سنة، وفي نفس الوقت تسعى فئة من الأفراد والجماعات غير الرسمية إلى دعم ومرافقة المتفوقين من التلاميذ. أما في الجزائر فنجد مئات الجمعيات ذات الطابع الثقافي والعلمي والأكاديمي، لكنها لا تولي اهتماما جادا بهذه النخبة من الشباب. وفي تسيير المؤسسات الجامعية، نلاحظ أن كل ما يهم السلطات عندنا هو ضمان "المقعد البيداغوجي" والتباهي بعد ذلك بالكم. ويمكن للمرء أن يتساءل عن المعايير التي تضعها سلطاتنا -خارج عامل الولاء- لتولّي مناصب رئاسة الجامعات وعمادة كلياتها؟ عندما نرى وضعية الجامعات وتسييرها فنحن نعجز عن إيجاد معايير أخرى غير "الولاء". ولا نكاد نتصور دافعا آخر لدى من يتولى تسيير شؤون جامعاتنا سوى ما يجنيه من خدمات بحكم منصبه ومن ضمانات لمستقبل أيامه عندما يُحال على المعاش. ومقابل ذلك، نلاحظ في المغرب أنه منذ سنوات أصبح تولّي رئاسة أي جامعة يخضع لدفتر شروط، منها أن الإعلان عن شغور منصب رئاسة جامعة يتم عبر وسائل الإعلام المختلفة، ويترشح للمنصب من يرى في نفسه القدرة على التسيير بتقديم ملف كامل مع إجراء مقابلة أمام لجنة تتكون من 5 أعضاء مختلفي المشارب. ومن بين ما ينبغي أن يكون في ملف المترشّح برنامج عمله الدقيق لعهدة رئاسية مدتها 4 سنوات تُعاد بعدها الترشحات. وعلى سبيل المثال، هناك خلال هذه الفترة شغور 4 مناصب لرئاسة 4 جامعات (الدار البيضاء، تطوان، مكناس، سطّات). ولا نتفاجأ أن يترشح لرئاسة جامعة الدار البيضاء 15 شخصية في نوفمبر الماضي، وأن يصل أحيانا عدد المترشحين لهذا المنصب إلى 30… علما أن المترشح لا يكون بالضرورة تابعا لوزارة التعليم العالي بل يجوز أن يكون من خبراء التسيير في قطاعات أخرى. وفي هذا السياق، من الجامعات التي من حق المغرب أن تفاخر بها، جامعة مراكش! فقد رُتبت الأولى في فضاء الجامعات الإفريقية الفرانكفونية ضمن التصنيف العالمي للجامعات عام 2018. كما برزت هذه الجامعة بوجه خاصة في مجال الفيزياء، وصُنفت من بين أحسن 300 جامعة على مستوى العالم. ولا غرو في ذلك إذ احتلت قبل 3 سنوات المرتبة ال 59 في التصنيف الذي رتب أفضل الجامعات الفتية في العالم، وهي الجامعات التي لم يمض على إنشائها نصف قرن! إن التدابير التي يتخذها المغرب سعيا لتحسين أداء مؤسساته الأكاديمية جديرة بالاهتمام على أكثر من صعيد للاقتداء بها. وبطبيعة الحال فهذه التدابير ليست كلها "سمنًا على عسل"، فأصحابها أنفسهم، بمن فيهم الفائزون برئاسة الجامعات، يوجهون لهذه التجربة جملة من الانتقادات. وكما يقول من يحسنون فن الكلام فالنقد "ظاهرة صحية" لا يخشاه سوى العاجز أو الرافض لترقية أدائه!