تحصّلت الجزائر على المرتبة الخامسة ضمن تصنيف أفضل 10 دول إفريقية في صون التراث الثقافي، وفقا لتقرير حديث صدر عن منظمات دولية متخصّصة في رصد جهود الحفاظ على الموروث الثقافي، الذي يستند إلى معايير تقييم تشمل سياسات الترميم، والتوثيق الرقمي، وإشراك المجتمعات المحلية. وقد أبرز امتلاك الجزائر 8 مواقع مسجلة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بينها مدينة تيمقاد الرومانية، وهضبة طاسيلي ناجر، وقصبة الجزائر. أظهر التحليل تفوّقا جزائريا في تطبيق استراتيجيات تجمع بين التقنيات الحديثة في الترميم، مثل المسح ثلاثي الأبعاد، وأنظمة التوثيق الرقمي للمخطوطات التاريخية، إلى جانب برامج تدريبية لتعزيز كفاءات المرمّمين المحليين. كما أشاد التقرير بسياسة "الحماية المستدامة" التي تعتمدها السلطات، والتي تدمج بين التشريعات الصارمة لمنع التعديات على المواقع الأثرية، ومبادرات دعم الحرف التقليدية، المدرجة في القائمة التمثيلية للتراث اللامادي لليونسكو. وأطلقت الجزائر خطة وطنية (2023- 2030) بالشراكة مع البنك الدولي، تهدف إلى زيادة عدد المواقع المسجلة عالميا، وتعزيز الاستثمار في السياحة الثقافية تماشيا مع رؤية الأممالمتحدة للتنمية المستدامة. ووفقا لتقرير أفريكا إكسبوينت، تستند الجزائر في جهودها، إلى استراتيجية شاملة، تجمع بين الحفاظ على المعالم العمرانية القديمة، وصيانة المواقع الأثرية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، حيث تضم سبعة مواقع تاريخية تصنَّف ضمن التراث الإنساني العالمي، وهي قلعة بني حماد التي تُعد من أبرز المعالم الإسلامية في شمال إفريقيا، إضافة إلى هضبة طاسيلي ناجر التي تحوي واحدة من أقدم وأغنى الفنون الصخرية في العالم، وكذا وادي ميزاب الذي يعكس طرازا معماريا فريدا، طوره الإباضيون ليتلاءم مع طبيعة البيئة الصحراوية، إلى جانب المدن الأثرية الرومانية جميلة، وتيبازة، وتيمقاد التي تجسد الحقبة الاستعمارية الرومانية في شمال إفريقيا، وأخيرا قصبة الجزائر، التي تُعد أحد أبرز المعالم التي لاتزال قائمة حتى اليوم. ولا تقتصر جهود الجزائر على حماية التراث العمراني فقط، بل تمتد إلى صون التراث الثقافي غير المادي؛ حيث أدرجت عدة ممارسات ضمن قائمة التراث غير المادي لليونسكو، ومنها فن أهليل قورارة الذي يمثل تراثا غنائيا فريدا، والطقوس المرتبطة بالزاوية الشيخية، والمهارات الحرفية لصناعة آلة الإمزاد التي تُعدّ رمزا ثقافيا للطوارق، ومراسم السبيبة في واحة جانت، التي تمثل تقليدا احتفاليا، يعكس القيم الاجتماعية للطوارق، إضافة إلى اللباس التقليدي التلمساني المرتبط بحفلات الزفاف، والذي يعكس ثراء الصناعات التقليدية الجزائرية. وتبنت الجزائر سياسات صارمة تهدف إلى حماية المواقع الأثرية من التدهور؛ حيث تركز خطط الحفظ على برامج ترميم شاملة، تشمل إعادة تأهيل المدن القديمة، وإطلاق مشاريع لترميم الهياكل المعمارية المتضررة بفعل الزمن والعوامل المناخية. كما تعمل على رقمنة الأرشيف الوطني، وإنشاء قواعد بيانات إلكترونية لحفظ وتوثيق معالمها التراثية، وهو ما يساهم في تسهيل الوصول إلى المعلومات، وتعزيز البحث العلمي حول الإرث الثقافي الجزائري. وحسب التقرير، لا تقتصر الجهود المبذولة على المؤسسات الحكومية فحسب، بل تلعب المبادرات المجتمعية دورا حيويا في دعم سياسات الحفظ، حيث تعمل الجمعيات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني، على تنظيم حملات توعوية لتعزيز الوعي بأهمية التراث، إلى جانب إطلاق مشاريع ترويجية تهدف إلى دمج السياحة الثقافية في الاستراتيجيات الاقتصادية، ما يضمن استدامة المواقع التاريخية، ويعزّز مساهمتها في التنمية المحلية.