يتكرر ترشح أسماء بعينها في كل استحقاق انتخابي خلال العقدين الأخيرين، فقد أصبح أمام المتابع البسيط للشأن السياسي أن يقدم أسماء المترشحين لأي استحقاق رئاسي، حتى قبل أن تقدم الأحزاب مرشحيها. فأسماء مثل لويزة حنون، ومحمد فوزي رباعين، وموسى تواتي، وبدرجة أقل علي بن فليس، ثم عبد العزيز بلعيد، أصبحوا مترشحين شبه دائمين لمثل هذه المواعيد. هل يقودهم فعلا حلم التربع على كرسي المرادية؟ أم إنها الرغبة في التحدي؟ أم البحث عن الشهرة؟ أم أهداف أخرى لم يتم تفكيك ألغازها بعد؟ أسئلة تطرح في كل مرة على المعنيين، غير أنها بقيت من دون إجابة. بعض المراقبين يقدمون تفسيرات معينة، من قبيل أن بعض المترشحين مطلوب منهم القيام بذلك، مقابل حسابات معينة، لكن الأكيد أن الخلفيات تختلف من مترشح إلى آخر.. هناك من يريد فعلا التحدي، هل يملك إمكانيات التحدي عندما يواجه مرشح سلطة، يكفي دخوله السباق كي يحسمه. "الملف السياسي" لهذا العدد سيحاول تلمّس بعض الإجابات على هذه الأسئلة. مترشحون تلقوا ضربات تلو أخرى ولم يتَّعضوا ما هي دوافع الترشح للرئاسيات في الجزائر؟ مع اقتراب أي استحقاق يتعلق بالانتخابات الرئاسية، يقف مراقبون على نفس الوجوه تقريبا تستعد لخوض السباق، إلى درجة أن البعض باتوا يستشرفون الأسماء التي سوف تترشح، وفي غالب الأحيان يتجسد تنبؤهم هذا، إلى درجة أن المسألة أصبحت أشبه بالميكانيكا. الانتخابات الرئاسية الثلاثة الأخيرة (2004، 2009، 2014)، شهدت تواتر مشاركة أربعة أسماء على رأسهم الرئيس بوتفليقة، لويزة حنون، موسى تواتي، محمد فوزي رباعين، ويأتي بعد هؤلاء من حيث عدد المشاركات، علي بن فليس (2004، 2014)، ورئيس جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد بمشاركة واحدة (2014). كما أن الكثير من الأسماء التي سبقت الإشارة إليها، توجد من بين المترشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المرتقبة في الثامن عشر من أفريل المقبل، والإشارة هنا إلى زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، ورئيس حزب عهد 54، محمد فوزي رباعين، فضلا عن رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، وعبد العزيز بلعيد. ويبقى أكبر متغيب عن الانتخابات المقبلة، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، صاحب ثلاث مشاركات متتاليات، الذي قرر هذه المرة وفي خطوة غير مسبوقة، دعم ترشح الرئيس بوتفليقة، الذي لا يزال لم يعلن بعد بصفة رسمية عن خوض السباق. ما يجمع بين كل هؤلاء المترشحين، أنهم خسروا جميعا الرهان في الاستحقاقات السابقة وبنتائج قياسية، أمام مترشح واحد قاسمهم السباق، وهو الرئيس المنتهية ولايته. فالفرق الذي سجل بين بوتفليقة في رئاسيات 2014، والذي جاء ثانيا في السباق، ممثلا في المترشح علي بن فليس، كان كبيرا، فقد حصل الأول على نحو ثمانية ملايين و100 ألف صوت معبر عنه (81.53%)، فيما حصل الثاني على نحو مليون و244 ألف صوت معبر عنه (%12.18). أما المرشح الذي سيدخل السباق للمرة الثانية على التوالي، وهو عبد العزيز بلعيد، فلم يحصل إلا على نحو 343 ألف صوت وهو ما يعادل نسبة (%3.36)، وجاءت بعده زعيمة حزب العمال لويزة حنون، بنحو 140 ألف صوت، أي ما يعادل (%1.37)، ثم علي فوزي رباعين بنحو عشرة آلاف صوت وبنسبة أقل من واحد بالمائة. البعض من هذه الأسماء خاض السباق في الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2009، وعلى رأسهم لويزة حنون، التي لم تحقق أرقاما تشفع لها بخوض السباق مرة أخرى، بحيث لم تحصل حنون إلا على نحو 600 ألف صوت (4.22%)، وموسى تواتي حصل على نحو 330 ألف صوت (2.31%)، ثم فوزي رباعين بنحو 133 ألف صوت (0.93%). ما حققته حنون في رئاسيات 2009، لم يكن بعيدا عن الأرقام التي حققتها في الرئاسيات التي سبقتها (2004)، فقد حصدت نحو 101 ألف صوت فقط (1%)، وفوزي رباعين نحو 63 ألف صوت (0.63%)، أما علي بن فليس فحصل على نحو 640 ألف صوت (6.42%). غير أن هناك أسماء أخرى شاركت في انتخابات 2004، و2009 و2014، غير أنها فهمت الدرس جيدا، ولم تعد الكرة، من هذه الأسماء، عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية حاليا، وحركة الإصلاح سابقا (حصل على 5.02 % في 2004) ، وسعيد سعدي، رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (حصل على 1.94% في 2004)، ومحمد جهيد يونسي عن حركة الإصلاح الوطني الذي لم يحصل إلا على 1.37% في رئاسيات 2009. فلماذا يصر كل من تلقى ضربات من الصندوق مرة واثنتين ثم يعود ويصر على الترشح وهم يعلمون مسبقا، أن وجودهم في السباق لا يتعدى لعب دور الأرنب؟ القراءة المتأنية لهذه الظاهرة ترجح فرضية إقدام بعض هؤلاء على لعب دور معين في الاستحقاق، قد يكون موكولا إليه من طرف جهات خفية، كما يمكن قراءة مواقف البعض الآخر من باب منفعة سياسية ضيقة أو مصلحة مادية مرفوضة.. فأين الأخلاق السياسية؟ المختص في علم الاجتماع السياسي أحمد رواجعية ل " الشروق": بعض المترشحين يفتقدون الأخلاق السياسية اعتادت الانتخابات الرئاسية أن تشهد مشاركة أسماء بعينها أو مترشحين شبه دائمين.. ما تعليقكم على هذه الظاهرة؟ أظن أن هؤلاء المترشحين ليس لهم أي استقلالية سياسية، وموضوع ترشحهم لا معنى له، في ظل الظروف السياسية التي تميز البلاد في الوقت الحالي، لأن هناك فئة تسيطر حاليا على اللعبة السياسية، وأنا أعتبر أن ترشح نفس الأسماء وبضفة دورية، يساهم في تعزيز العهدة الخامسة، ويعطي مصداقية للدول الأخرى لتشكيل صورة إيجابية، بأن النظام القائم تعددي وديمقراطي ويقبل البديل. على الرغم من أن هؤلاء المرشحين لم يحققوا أرقاما تشفع لهم بالمشاركة مرة أخرى، إلا أنهم يعيدون الكرة في كل مرة. لماذا برأيكم؟ لدي جوابان عن هذا السؤال، أولا الحزب لابد له أن يدافع عن هويته واستمراريته، ليكون له وجود على الساحة السياسية، فيظهر وجوده عن طريق الوجود ولو بصورة غير مباشرة في الساحة السياسية، أما التحليل الثاني وهو أن معسكر الرئيس الحالي، يحاول الحفاظ على توازن سياسي عن طريق مشاركة نفس المترشحين دوريا. والمؤسف، أن أغلبية السياسيين والأحزاب تصريحاتهم السياسية عبارة عن تملق وولاء واضح، يبحثون عن مصلحة انتهازية محضة، ليس فيها موقف فلسفي سياسي نزيه قائم على ثوابت دائمة، وبالتالي لا توجد لديهم أخلاق ولا مبادئ سياسية (…)، بل هم يعرضون بضاعتهم للبيع. في تقاليد بعض الدول الديمقراطية، من يخسر الانتخابات لا يعيد الكرة، وإذا كان مسؤولا عن حزب ما، يقدم استقالته.. لماذا لا يستقيل المترشحون في الجزائر بعد خسارتهم؟ وهل يصلح هذا التقليد للحالة الجزائرية؟ جواب هذا السؤال بسيط جدا، وهو أن الجانب المادي المصلحي تغلب على الجانب الأخلاقي… وكثير منهم يتكلم باسم الديمقراطية والإسلام، ولكنها كلها ألفاظ خاوية من المحتوى. فالسياسيون باتوا يعطون الأهمية القصوى للمادة والشهرة والمصلحة الشخصية المحضة، ولهذا السبب لا نرى شخصية سياسة غادرت الحياة السياسية بعد فشلها، لأنهم لا يملكون ثقافة الأخلاق والنزاهة، وثقافة الفكر السياسي والعمق وروح الدولة والمجتمع. كل ما يبحثون عنه هو "تحمية البندير" والفلكلور وعبارات المدح. وكما أذكِّر بأن كل أحزاب المعارضة من صنع أجهزة الدولة. وأؤكد أنه لا يوجد خبير في العالم يزعم قدرته على تحليل النظام السياسي الجزائري، لأنه حالة فريدة من نوعها، فحتى أغلبية الأحزاب الإسلامية يزعمون أنهم يطبقون "الحق" الإسلامي وهم في الأصل يخالفونه، ويتناقضون مع مبادئه في ممارساتهم اليومية. والسياسيون عندنا يدّعون ممارستهم للديمقراطية، في وقت هم أقرب منهم إلى الإقطاعيين في ممارساتهم، يعتقدون أن الشعب قاصر ولا يعرف مصلحته وبإمكانهم تسييره. هل ترى ضرورة لوضع معايير للترشح للانتخابات الرئاسية؟ علينا إعادة النظر في الدستور الحالي واحترامه، وليس "العفس" عليه، فمثلا وفي ظل الفوضى الحاصلة في الترشح، أختار العهدة الخامسة اضطرارا، بدل انتخاب شخص لا أعرف من يمثل؟ ومن أين أتى؟ وما هي المعايير التي يجب توفرها في أي مترشح للانتخابات الرئاسية برأيكم؟ يجب أن يكون البرنامج السياسي لأي مترشح قائما على تلبية مطالب الجمهور، ويأخذ الهويات المختلفة داخل البلاد، وأن يكون ديمقراطيا بأتم معنى الكلمة، ويأخذ بعين الاعتبار المصلحة العمومية ويدافع عن دولة القانون. وكل هذه الأمور موجودة في الدستور الحالي، لكن لدينا مشكل حقيقي في التطبيق. الدولة يجب أن تكون للجميع وفوق كل الاعتبارات، وأن نخرج من العروشية والجهوية السياسية الضيقة التي تقودها جماعات انتهازية، أفسدت الممارسة السياسية. وعلى الحزب أن يعمل على تكريس مبدإ شريف وفلسفة أو تضحية عالية، فلا يعقل مثلا أن نرى وزيرا يحكم منذ 20 سنة، ولا يحسن تركيب جملة مفيدة بأي لغة، فأين نحن ذاهبون..؟ الخبير في القانون الدستوري عامر رخيلة ل "الشروق": قادة أحزاب يرفضون التداول على الترشح أصبح المتابع يتنبأ بأسماء المشاركين في الانتخابات الرئاسية حتى قبل إعلانهم عن الترشح.. كيف تعلق على الظاهرة؟ هذه ظاهرة تؤكد وجود حالة ركود في الساحة السياسية وحالة احتكار القيادات الحزبية للمشهد، وخاصة ورؤساء الأحزاب الذين خلدوا في أحزابهم وصاروا يحتكرون كل موعد رئاسي وهم المرشحون وليس غيرهم من قيادات الحزب الأخرى. هذا يدل على أننا لم نصل إلى بناء أحزاب سياسية فيها التنافس حتى داخل القيادة، تؤمن بمبدإ التداول على الفرص. وهذا أمر يتنافى مع الأحزاب الديمقراطية لأن الأمين العام، ليس بالضرورة يرشح للانتخابات الرئاسية. هذا لا يحصل لا في أمريكا ولا فرنسا، رغم أن فرنسا صارت تعرف نوعا من التوجه نحو تكريس أن قيادة الحزب هي المرشحة في الرئاسيات. هناك مرشحون لم يحققوا أرقاما تشفع لهم بتكرار المشاركة، إلا أنهم يعيدون الكرة في كل مرة؟ للأسف، الأحزاب السياسية من المفروض أن تتعظ من كل موعد انتخابي وتراجع طرق عملها وأسلوب انتشارها وأسلوب تقديم مرشحيها. والملاحظ أن كثيرا من المترشحين في مواعيد انتخابية فقدوا النسبة المئوية التي حققوها من الانتخابات السابقة وأحيانا السلطة هي من تساعدهم لرفع نسبهم لتفادي "التبهديلة" خاصة أن مرحلة من المراحل عرفت توزيع "كوطات". أعتقد أن هذه الممارسات ستستمر ما دامت الذهنيات الحالية مستمرة خصوصا إذا لم يكن هناك فك ارتباط بين السلطة وأحزاب المعارضة، لأنه إذا حدث فك الارتباط هذا، فالأحزاب ستعود إلى القاعدة وستكون قادرة على منافسة النظام من خلال انتشارها في الساحة. لماذا لا يستقيل المترشحون من قيادة أحزابهم بعد الهزيمة؟ المتعارف عليه في أوروبا، أن يتم تقديم القائد الحزبي للانتخابات خلال حملة انتخابية وبعدها مباشرة تتم المراجعة وهذه المراجعة لا تتم بإعادة تزكية القيادة التي فشلت في الأجل الانتخابي ولم تنل ثقة الناخبين. هذه المراجعة تسمح ببعث ديناميكية جديدة وضخ دماء جديدة في الحزب وتمكين إطارات أخرى من تبوؤ مكانة قيادية بقاعدة من يخسر في انتخابات لا تتاح له الفرصة لإعادة الكرة. هل مراجعة البند المتعلق بالترشح كفيلة بالحد من الظاهرة؟ نحن أمام إشكالية دستورية وليست قانونية وهذا بالنظر إلى المسار التاريخي والاجتماعي للجزائر، ومنذ 62 إلى اليوم نصوصنا القانونية تجعل الحق في المشاركة في الانتخابات للمواطن حقا دستوريا مكفولا ومن حقوق الإنسان ولا ينبغي تقييد هذا الحق بشرط تمييزي ثقافي أو مالي. أما الحديث عن وجوب وضع معيار ثقافي أو مهني يجب طرح السؤال التالي: هل كل خريج جامعة مسيس؟ ومن جهة أخرى بعض المترحشين للرئاسيات المقبلة الذين قاموا بالتهريج، أليس بينهم خريجو جامعات؟ المعيار الثقافي في العمل السياسي ليس معيارا رئيسا وإن كان يرجح ويفضل أن يكون المترشح ذا مستوى ثقافي وتعليمي. لذلك قوة الطرح والحجة لا تكون بالضرورة متوفرة في الشخص ذي المستوى التعليمي والثقافي. هل يبرر أحقية الترشح تكرار نفس الوجه في كل مرة؟ الوزير الأول كان قد لمح إلى القضية قبل أيام بقبعة أمين عام للأرندي حيث قال إنه يجب تعديل قانون الانتخابات. لكن أنا أؤكد أن الحق في الترشح للانتخابات يدخل ضمن حقوق الإنسان المنصوص عليها في مواد دستورية، والفقه الدستوري الجزائري استقر على تكريس هذا الحق دستورا وقانونا. وأريد الإشارة إلى أن المشرع لا يمكنه أن يمس بهذا الحق إلا بتعديل الدستور قبل أي تعديل على قانون الانتخابات، لأن هذا الأمر هنا ليس شرطا من شروط الترشح بل هو حق من الحقوق المنصوص عليها والمكفولة دستوريا. ومن هذا المنطلق وجب التمييز بين شروط الجنسية والعقيدة والإقامة والسن وغيرها للترشح، وبين الحقوق على غرار الحق في الترشح المكفول دستوريا الذي لم يربط بأي مستوى ثقافي أو تعليمي معين.