عبَّر شبابنا ومازال يُعبِّر عن رأيه بكل حرية، وبأسلوب حضاري لم نَرَ مثله من قبل. خرج بالآلاف، لا لِيُحَاسِبَ عن الماضي أو الحاضر، إنما ليُعلِنَ موقفه من المستقبل.. إنه يريد أخذ زمام المبادرة في المستقبل.. لا يريد أن يخسره مثل الماضي والحاضر.. لا يريد أن يرى فيه فسادا أو رداءة أو فشلا أو وجوها سياسية أصبحت رمزا لكل سيئ بامتياز.. إنه يريده أن يكون مستقبله هو، وبجميع المقاييس.. يطوِّر فيه بَلَده، يُفَجِّر عبقريته في بنائه، يَبتكر فيه، يُبدع، يَصنع منه البلد الذي يفخر بجواز سفره وبعملته القوية وبأنه بحق بلد الشهداء.. هذا كل ما يريد.. وهل في هذا ما يضرّ أو يُسِيء حتى إلى بعض الأشخاص إذا كانوا بحق يُحبُّون بلدهم؟ بالعكس تماما، لا يوجد أكثر مدعاة للاعتزاز من الافتخار بشبابٍ مثل هذا؟ شباب فَضَّل أن يضع حدا ل"الحرقة"وللفرار من بلده، أن يضع حدا للبحث عن مستقبله في أوطان أخرى.. وأن يصدح بصوت واحد: مستقبلي في وطني وعليَّ أن أستعيد زمام الأمور… هل تدرون لماذا وصلنا إلى هذه الحال؟ لأن أبناءنا غاظهم أن تكون مدارسهم وجامعاتهم ضعيفة المستوى، أن تكون مستشفياتهم وسخة ضيِّقة، أن لا يُحتَرَم لديهم القانون، أن يكون اقتصادُهم هَشًّا وقيمة نقودهم في تدهور مستمرّ وتبعية بلدهم للمحروقات لم تتبدل… غاظهم ألا يصبحوا سادة في بلدهم، وألا تكون دولتهم في مستوى الدول المتقدمة في جميع المجالات.. غاظهم أن يتركوا بلدهم الغني وأحلامهم الكبرى تموت داخل صدورهم، يختنقون بها اختناقا.. لذا، فإنهم خرجوا ليعُبِّروا عن ذلك بصيحات نابعة بحق من أعماق قلوب مجروحة ولكنها صادقة ومُحبَّة لبلدها ووطنها، لخَّصها موقفهم الرافض لآخر المحطات التي احتجّوا ضدها: العهدة الخامسة.. فلِمَ يقف البعض منهم موقف الريبة؟ لِمَ يُشَكِّك البعض الآخر في صدقهم وولائهم للوطن؟ أو يزعم آخرون أنهم "ألعوبة" في يد الأجنبي أو قِوى خفية؟ لِمَ لا تتم قراءة مواقفهم بإيجابية؟ لِمَ يُكابر الذين أخطؤوا ولا يعترفون بأخطائهم؟ لِمَ لا يثقون في الأبناء كما وثق الشعب الجزائري في آبائهم وأجدادهم، عندما بادروا إلى التضحية بأرواحهم، وهم شباب، من أجل استعادة الحرية؟ أليس شبابُ اليوم هم أبناء وأحفاد أبطال الأمس؟ لِمَ ننكر عليهم أن يكونوا أوفياء لجذورهم وأصولهم؟ يبدو لي أنّ علينا اتخاذ قرارات حكيمة للاستجابة لصيحات هذا الجيل الذي قيل إنه يئس ومات وانتهى، والاعتراف بأنه بالفعل مازال جيلا حيا قادرا، ليس فقط على مكافحة اليأس بأساليب شتى، بل على صناعة الأمل الذي طالما أكدنا أنه مازال حيا ولم يمت.. ألم يحيه شبابُ اليوم؟ تحية لهم جميعا.